بالإضافة إلى ماجرى في أعقاب الحروب النابليونية من عودة للملكيات والثورات الشعبية المضادة للملكيات التي اجتاحت الغرب في أوروبا والأمريكتين، فقد كان كلا من الكارليين والإيزابيليين المحافظين يعادون النظام النابليوني الدستوري الجديد. وكما هو الحال في بريطانيا التي أخرجت نفسها من العملية الدستورية الليبرالية حاول المحافظون الإسبان الاستمرار في القوانين الإسبانية التقليدية الأساسية القديمة. وهذا أدى إلى المشكلة الثالثة لعدم الاستقرار، ألا وهو «استقلال المستعمرات الأمريكية» التي اعترف بها بين 1823 و 1850.
بلد ممزق
اضطرت الملكة إيزابيلا وزوجها إلى مغادرة اسبانيا بسبب ثورة 1868 حيث رافقهما ألفونسو إلى باريس. ومن هناك تم إرساله إلى كلية ثيريزيانوم في فيينا لمواصلة دراسته. ثم جرى استدعائه في 25 يونيو 1870 إلى باريس حيث تنازلت والدته عن العرش لصالحه بحضور عدد من النبلاء الإسبان الذين ارتبطت مصائرهم بالملكة المنفية. وقد لقّب باسم ألفونسو الثاني عشر مع أنه لم يحمل أحد من ملوك إسبانيا اسم «ألفونسو الحادي عشر» إلا أن الملكية الإسبانية اعتبرت نفسها مرتبطة بالملكية القديمة التي حمل اسم ألفونسو[؟] 11 ملك من ملوك أستورياسوليونوقشتالة.[21]
بعد أن تخلي أماديو عن الحكم سنة 1873 أعلن البرلمان إسبانيا جمهورية الاتحادية (بما في ذلك كوبا وبورتوريكو وأرخبيل المحيط الهادئ)، وأول عمل قام به الرئيس استانيسلاو فيجويراس بتمديد قانون إلغاء العبودية في بورتوريكو. وأجل تمرير القانون على كوبا حتى سنة 1889.
ومع أن الجمهوريين لم يتفقوا فيما بينهم إلا أنه كان لزاما عليهم أن يتعاملوا مع الحرب في كوبا وانتفاضات المغرب الإسبانية. وقد تمكن الكارليون في خضم تلك الأزمات خلال وبعد الجمهورية الإسبانية الأولى من أن يصبحوا أقوياء في مناطقهم مع مطالبات لخصوصية محلية ومؤسساتية مثل كاتالونياوبلاد الباسك، وما أن حلت سنة 1872 حتى اندلعت الحرب الكارلية الثالثة. أدى ذلك إلى إنشاء مجموعة عملت على عودة البوربون وأدار تلك المجموعات بعض قطاعات المحافظين بقيادة كانوباس ديل كاستيو.
واختير ألفونسو أمير أستورياس لنشر خارطة الطريق الجديدة التي اقترحها كانوباس، والتي أدت إلى تنازل الملكة إيزابيل الثانية في يونيو 1870 عن الحكم لصالحه. وانهت فعليا تلك الخارطة الأزمة الطويلة التي بدأت في 1810 وأصبح الوسطي المعتدل كانوباس ديل كاستيو رئيس مجلس النواب. وبما أنه من الصعب ان يكون ألفونسو في إسبانيا حاليا، لذا أصبح كانوباس مسؤولا عن تعليمه. فأرسله إلى أكاديمية ساندهيرست العسكرية في إنجلترا، ومع أن تدريب ألفونسو داخل الكلية كان شديدا إلا أنها كانت أكثر عالمية من كليات إسبانيا نظرا للبيئة الحالية داخلها.
في 1 ديسمبر 1874 أصدر ألفونسو بيان ساندهيرست حيث وضع الأساس الأيديولوجي لعودة البوربون، وعرف فيه نفسه بأنه «رجل من هذا القرن وليبرالي حقيقي». وهو بيان يعلن نفسه الممثل الوحيد للملكية الإسبانية. وهو تأكيد لسعيه للمصالحة بين الليبراليين حول النظام الملكي وربط الحقوق التاريخية للسلالة المشروعة بحكومة ممثلة مع الحقوق والحريات المصاحبة لها.[22] وقد تمت صياغته ردا على تحية عيد ميلاد من أتباعه. في 29 ديسمبر 1874 أعلن الجنرال مارتينيث كامبوس عن تمرد ساغونتو لصالح عودة نظام بوربون الملكي في شخص الدون الفونسو دي بوربون. فدخل فالنسيا باسم الملك، ثم قام كامبوس بإبلاغ رئيس الحكومة ساغاستا ووزير الحربية فقاما بدورهما بإبلاغ الجنرال سيرانو الذي كان يقاتل في الشمال ضد الكارليين. وفضل سيرانو عدم المقاومة.[23] وقبلت الحكومة القرار دون احتجاج، ونقلت سلطة الرئيس إلى مفوض الملك ومستشاره أنطونيو كانوفاس.[21] أنهى انقلاب كامبوس العسكري في 29 ديسمبر 1874 الجمهورية الفاشلة مما يعني صعود الأمير ألفونسو الشاب.
العودة من المنفى
بعد أيام قليلة من تولي كانوباس ديل كاستيو منصب رئاسة الوزراء وصل إلى مدريد الملك الجديد الذي عينوه في 29 ديسمبر 1874، ومر عبر برشلونةوفالنسيا ورحب به في كل مكان (1875). وفي سنة 1876 أدت حملة قوية ضد كارليين ساهم فيها الملك الشاب إلى هزيمة الدون كارلوس مما أجبره بالتخلي عن الحرب.[21]
في البداية قاد رئيس الوزراء المعتدل ديل كاستيو ماكان يعتقد في ذلك الوقت أنه انقلاب بهدف وضع الجيش في المناصب السياسية والإدارية للسلطة، في الواقع بشر ذلك بنظام مدني جديد استمر حتى انقلاب بريمو دي ريفيرا سنة 1923. كان كانوباس المهندس المعماري الحقيقي للنظام الجديد في حقبة عودة البوربون.
من أجل القضاء على واحدة من أهم مشاكل عهد إيزابيلا الثانية ألا وهو حكم الحزب الواحد وعواقبه المزعزعة للاستقرار فسمح للحزب الليبرالي بالاندماج والمساهمة في سياسة البلد، وهو النظام الجديد أو نظام تداول السلطة (بالإسبانية: turnismo) حيث اعتمد في دستور 1876وميثاق قصر باردو[الإسبانية] (1885). مما يعني أن رؤساء الوزراء الليبراليين والمحافظين سيتناوبون بعضهم البعض وينهي بذلك المشاكل. وأدى ذلك إلى نهاية ثورات الكارليين والانتصار على ثوار كوبا المدعومين من نيويورك، ومما دعم الملك دعما شعبيا كبيرا من الإسبان وعد الملك ألفونسو بأنه حكيم ومتمكن.
أسس عهد ألفونسو القصير أسس المعافاة الاجتماعية الاقتصادية النهائية في إسبانيا بعد أزمات 1808-1874. وقد تمكنت مناطق إسبانيا الأوروبية (المناطق الساحلية مثل الباسك وكاتالونيا وأستورياس) ومستعمراتها مثل جزر الأنتيل والمحيط الهادئ من النمو بشكل مطرد. وازدهرت كوبا وبورتوريكو إلى حد أن أول قطار إسباني كان بين هافانا وكاماجوي، وأول تلغراف في العالم كان في بورتوريكو حيث كما عاش صموئيل مورس هناك مع ابنته المتزوجة من رجل أعمال بورتوريكو. وبعد الغزو الأمريكي لبورتوريكو كان البيزو البورتوريكي يعادل عشرة دولارات أمريكية.
فرناند سانز (28 فبراير 1881 مدريد – 1922, نيس، فرنسا).
وفي سنة 1881 رفض ألفونسو اعتماد قانون يقضي ببقاء الوزراء في مناصبهم لفترة ثابتة مدتها 18 شهرا. وبعد استقالة كانوباس ديل كاستيو استدعى الزعيم الليبرالي براخدس ماتيو ساغستا لتشكيل حكومة جديدة.[21]
الوفاة والصدمة
توفي ألفونسو في نوفمبر 1885 أي بعد عيد ميلاده ال 28 في القصر الملكي في الباردو. وقد كان يعاني من مرض السل، ولكن السبب المباشر لوفاته هو معاودة الزحار.[25]
وفي سنة 1902 بدأت أرملته ماريا كريستينا في بناء نصب تذكاري لذكرى ألفونسو في بحيرة اصطناعية في بارك ديل بوين ريتيرو في مدريد الذي اكتمل في 1922.
عندما أتى ألفونسو إلى العرش في سنه المبكرة لم يتلقى أي تدريب مهني في فن إدارة الحكم إلا أنه كان عطوفا وحسن التصرف. وقد أكسبه تعلق الشعب به عندما قام وبدون خوف بزيارة المناطق المنكوبة بالكوليرا أو التي دمرها زلزال أندلوسيا 1884[الإسبانية]. وكانت قدرته على التعامل مع الأشخاص كبيرة بحيث أنه لم يسمح لنفسه أن يصبح أداة لأي طرف معين. فتمكن خلال فترة حكمه القصيرة من خلق السلام في الداخل والخارج على حد سواء، وتمكن من إدارة الشؤون المالية إدارة جيدة وتم وضع مختلف الخدمات الإدارية على أساس ان إسبانيا تمكنت بعدها من عبور الحرب الكارثية مع الولايات المتحدة دون تهديد للدولة.[21]