اللحية في الإسلاماللحية في الإسلام يقصد بها الأحكام المتعلقة باللّحية وفقًا للفقه الإسلامي. أحكامهاإعفاء اللحية وفيه ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: أنه واجب عند جمهور المسلمين، فالرسول يقول: «خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب[1]». يفسر جمهور علماء الإسلام هذا الحديث بوجوب إعفاء اللحية لدى رجال المسلمين، فقد ثبت عنه من حديث ابن عمر، في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى»، وفي لفظ: «قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين»، وفي رواية مسلم عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس»، ففي هذه الأحاديث الصحيحة وجد فيه علماء الدين الإسلامي الصراحة بإعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها وقص الشوارب؛ مخالفة للمشركين والمجوس، والأصل في الأمر الوجوب. وروى مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة قالت:« قال رسول الله: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، وانتقاص الماء، قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة». القول الثاني: يعتقد علماء آخرون أن اللحية ليست واجبة وإنما هي مستحبة فحسب، وهذا القول هو المعتمد عند الشافعية. وقالوا أن القائلين بالوجوب قد استدلوا بحديث أبي هريرة: «الفطرة خمسٌ: الاختِتان والاستِحداد وقصُّ الشاربِ وتقليمُ الأظفار ونتف الإبْط»متفق عليه.[2] كما رد الشافعية عليهم في استدلالهم على الوجوب بحديث «أعفوا اللحى» بأن هذا الحكم الوارد بالحديث حكم (معلل) أي وردت له علة وسبب وهي مخالفة المجوس والمشركين، ولما بحث العلماء عن حكم مخالفة المشركين وجدوا أنها ليست على الوجوب[3]، بدليل قول النبي محمد ﷺ(غيّروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود) ولم يقل أحد من العلماء أن صبغ الشعر واجب لأجل مخالفة اليهود. فكذلك يكون الأمر بالنسبة لإعفاء اللحية سواء بسواء، فلو كان الأمر للوجوب بإطلاق لكان تغيير الشيب واجباً أيضاً، وهذا غير حاصل، فينسحب عليه نفس حكم اعفاء اللحية.[4] كما أن الأمر بإعفاء اللحية جاء دوماً مرتبطاً مع إحفاء الشارب، وهو مستحب بالاتفاق كما ذكر الامام النووي. القول الثالث: أن إطلاق اللحية ليس مستحباً ولا واجباً وإنما هو من سنن العادات كالأكل والشرب والهيئة واللباس الخ. وهذا ما ذهب إليهِ جمع من العلماء المعاصرين مثل محمود شلتوت ومحمد أبو زهرة، وقد ذكرت دار الإفتاء المصرية هذا الرأي في الفتوى التي أصدرتها حول اللحية. (فتوى رقم مسلسل 261 بتاريخ 11/15/ 2005)[5] وذكرت أن الأوامر المتعلقة بالعادات والأكل والشرب واللبس والجلوس والهيئة إلخ تُحْمَل على الندب لقرينة تعلقها بهذه الجهات. وأصحاب هذا الرأي يشتركون مع الشافعية في أنها من سنن العادات، ولكن بينما ذهب الشافعية إلى الندب والإستحباب، ذهب هؤلاء إلى الإباحة، أي أن الحكم أنه لا يثاب فاعلها (لأنها عادة لا عبادة) ولا يعاقب تاركها. آراء أئمة المذاهب الأربعةآراء أئمة المذاهب القائلين بالوجوب
معنى حف الشارب: أخرج الترمذي (5|93) حديثًا: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا»، وصححه. وهذا صريحٌ في أن المراد بعض الشارب، أي المقصود هو القص لا الحلق. فالسنة هي المبالغة بالتقصير دون الإزالة. آراء أئمة المذاهب القائلين بالإستحباب
أما قول ابن الرفعة (معاصر لابن تيمية) بأن الشافعي نص في كتاب «الأم» على التحريم، فقال المعاصرون أنه غلطٌ منه في الفهم. فكلام الشافعي (6|88) في «جراح العمد» عن الحلق: «وهو وإن كان في اللحية لا يجوز...». وكلمة لا يجوز قد تعني الكراهة كذلك، فلذلك لم يره محققوا الشافعية نصاً في التحريم. والحليمي (ت403) الذي ربما يكون أول من قال بالتحريم من الشافعية، قد سبقه الخطابي (ت388) وقد قال بكراهة الحلق وندب التوفير في «معالم السنن». والفتوى عند الشافعية المتأخرين تكون على ما قرره الرافعي والنووي، وابن حجر والرملي. وقد ذكر الغزالي (505هـ) في «إحياء علوم الدين» (1|142) خصال مكروهة في اللحية منها: «نتفها أو بعضها بحُكم العَبَث والهوس، وذلك مكروه»، والنتف أشد من الحلق. كما نقل النووي (676هـ) في شرح مسلم (3|149) عن العلماء، حيث ذكر اثنا عشر خصلة مكروهة في اللحية، منها: «حلقها». ونص صراحة على الكراهية في كتابه «التحقيق» الذي كتبه بعد المجموع والروضة، كما في مقدمته. وكذلك فهم المتأخرون من الشافعية كلام الشافعي على الكراهة. ويكفي في ذلك الفقيه ابن حجر الهيتمي إذ هو عمدة المتأخرين، فانظر كلامه في «تحفة المحتاج» والحواشي عليه (9|376)، وفي الحاشية النص على أن الرافعي والنووي يريان الكراهة. وقال الرملي الشافعي في فتاواه (4|69): «حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام. وقول الحليمي في منهاجه: «لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه»، ضعيف». وفي حاشية البجيرمي على الخطيب (كتاب الشهادات)، الكراهية كذلك.
آراء أهل العلم
وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية ـ على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته ـ بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا «خالِفوا المُشركين..». وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: «إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم». (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي) مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة : سُئل عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ عن قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: «غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود». فقال: إنما قال النبي ذلك والدينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار. مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس. وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ـ وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير ـ إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان! وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة، والله أعلم.[16]
حمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الأمر، وسماها كثير منهم سنة يثاب عليها فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا دليل لمن قال إن حلق اللحية حرام أو منكر إلا الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين، والأمر في الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى الأفضل. والحق الذي ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات التي ينبغي على المسلم الالتزام فيها بما ورد في شأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ويعتادونه ما لم يخالف نصا أو حكما غير مختلف عليه، وإعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف على حكم الأمر الوارد فيها بالإعفاء على ما تقدم، (إلى قوله): ..وإذ كان إطلاق اللحية أو حلقها من الأمور التي اختلف العلماء في مدلول الأمر الوارد في السنة في شأنها، هل هو من باب الواجب أو السنة أو الندب.إذ كان ذلك كان على السائل الالتزام بالأمر الوارد في القرآن الكريم الثابت قطعا والذي يؤدى تركه إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر هي إغضاب الوالدين وإيذاؤهما، بينما حلق اللحية ليس من المعاصي الثابتة قطعا، إذ إعفاؤها من السنن، والسنة تفسر بمعنى الطريقة كما تفسر بما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. ولا شك أن الأولى تنفيذ الأمر بحسن الصحبة مع الوالدين.[17] المفتى: الشيخ جاد الحق على جاد الحق. 11 أغسطس 1981 م.
قول بالتحريم وهو الذي ذكره ابن تيمية وغيره. وقول بالكراهة وهو الذي ذكر في الفتح عن عياض ولم يذكر غيره. وقول بالإباحة وهو الذي يقول به بعض علماء العصر. ولعل أوسطها أقربها وأعدلها -وهو القول بالكراهة- فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما وإن علل بمخالفة الكفار، وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى، فإن بعض الصحابة لم يصبغوا، فدل على أن الأمر للاستحباب. صحيح أنه لم ينقل عن أحد من السلف حلق اللحية، ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها وهي عادتهم.والله أعلم.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول في مذهب الشافعية، إلى حرمة حلق اللحية لأنه مخالف للأمر النبوي بالإعفاء، والأصح في مذهب الشافعية أن حلق اللحية مكروه، وقال كثير من العلماء المعاصرين إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى وتوفيرها إنما يُحمل على الاستحباب وليس الوجوب، لذلك لم يجدوا شيئاً في حلق اللحية، وقالوا إنما هي من الأفعال العادية للرسول صلى الله عليه وسلم وليست من الأمور التعبدية الشرعية، والحق أن النهي عن حلق اللحية جاء في عدد من النصوص الصريحة الواضحة التي لا خلاف فيها. وإنما قيس على أمره صلى الله عليه وسلم بالتخضب أي صبغ الشعر، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب مخالفة لليهود والنصارى، وثبت أن بعض الصحابة خضب وبعضهم لم يخضب، وفهموا من أمر النبي الاستحباب وليس الوجوب، أما في موضوع اللحية فإنه لم ينقل عن واحد من السلف حلق اللحية، ولعل ذلك يرجع إلى عدم حاجتهم إلى حلقها وأنها عادتهم، أما إن كان هناك خوف على دين المسلم أو ماله أو نفسه أو عرضه، فإنها تكون ضرورة عند جميع المذاهب والضرورات تبيح المحظورات. حكمها عند الشيعةجاء في مستدرك الوسائل ج1 ص406، وفي وسائل الشيعة ج2 ص116: «باب عدم جواز حلق اللحية واستحباب توفيرها قدر قبضة» فتاوى دار الإفتاء المصريةفتوى رقم مسلسل 261 بتاريخ 11/15/ 2005: بالنسبة لحلق اللحية فإن من المقرر شرعًا أن إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبي صلى الله عليـه وآله وسلم، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة. وقد كان يعتني بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها. وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، كالأحاديث المرغبة في السواك وقص الأظافر والشارب.
أما دليل من قال بأن حلق اللحية حرام فهو الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين، وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قَالَ بعض الرواة: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ ويقول أصحاب الرأي الآخر وهم الشافعية: إن الأوامر المتعلقة بالعادات والأكل والشرب واللبس والجلوس والهيئة .. إلخ تُحْمَل على الندب لقرينة تعلقها بهذه الجهات، ومثلوا ذلك بالأمر بالخضاب والصلاة في النعلين ونحو ذلك . كما أفاد ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وبناء على ما سبق فهناك اختلاف بين الفقهاء بين الجواز وعدمه في مسألة حلق اللحية، والخروج من الخلاف مستحب، ومن ابتلي بشيء من الخلاف وتعذر عليه الخروج منه فليقلد من أجاز. وقد جعل الشرع الشريف للعرف مدخلا في اللبس والهيئة، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثوب الشهرة الذي يلبسه صاحبه مخالفًا به عادات الناس فقال: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[18] وينبغي للمسلم المحب للسنة :
كما أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال «وزارة الداخلية المصرية» حول مسألة «الضباط الملتحين» بإصدار فتوى تبين أن هناك ثلاثة أقوال في المسألة وليس قولاً واحداً ولا إجماعاً كما يصور بعض الدعاة وبعض الإتجاهات، وجاء في بيان دار الإفتاء ما نصه : "أشارت الفتوى إلى اختلاف الفقهاء في حكم إطلاق اللحية قديماً وحديثاً، لافتة إلى :
وعددت الفتوى بعض المصادر القديمة والحديثة التي اعتمدت عليها مشيرة إلى فتوى محمود شلتوت وأخرى لمحمد أبو زهرة والمفتَى به في مذهب الشافعي بكراهية الحلق لا بحرمته. وعقبت الفتوى مؤكدة أن هذا الخلاف ينبغي أن تحكمه القواعد الفقهية المقررة من عدم الإنكار في المختلف فيه، واستحباب الخروج من الخلاف، وتأكيد الفقهاء على أن من ابتلي بشيء من الخلاف فله أن يقلد من أجاز من أهل العلم." [19] مسائل جدلية حول مسألة حلق اللحية
والأرجح إنها ليست تغيير لخلقِ الله لأن المسلم من سنتهِ أن يحلق أبطه وشعر العانة وحتى شعر الرأس بل وشعر الشارب وإذا كان حلق شعر معين هو تغيير لخلقِ الله إذا فحلق جميع الشعر تغيير خلق الله وهذا الاستدلال ليس صحيحا والله أعلم. كما أن قولهم بأن الحلق تغيير لخلق الله: تغافل منهم عن قاعدة أن الحُكم الواحد لا يجوز أن يُعَلّل بعِلّتين عن جمهور الأصوليين. فالعلة الوحيدة التي ذكرها النبي محمد هي التشبه بالمجوس. فلا يجوز أن نزيد على ذلك من كَيسنا، كما أن الخلاف في جوز التعليل بعلتين محله «العلل المستنبَطة» لا «العلل المنصوصة للشارع»
ولكن المثلة تختلف باختلاف الأزمان والأماكن. فمثلاً إن عمر بن الخطاب كان يرى حلق الرأس مثلة. كما أن التعليل بأن عدم جواز حلق اللحية لأجل المُثلَة غير مُسلّم أيضاً. لأن النبي محمد نص على علة النهي عن ذلك، وهي مخالفة المشركين. فلا يجوز القول في ذلك بغير ما ورد بهِ النص، كما هو معلوم. ولأجل ذلك تجِد القول بأن العلة هي المُثلة لا يستقيم مع هذا الوقت. لأن عدم الحلق صار هو المثلة! يرى بعض المعاصرين أن السبب في قلة كلام السلف حول حكم اللحية هو أن حلقها لم يُعرف إلا في عصرنا، وقد ذكر ابن تيمية كلامًا يٌفيد غرابة حلق اللحية، فقال في أحدهم: ”فَإِنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يُجَنُّ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى الْمَارَسْتَانِ [يعني مشفى المجانين] وَيَحْلِقُ لِحْيَتَهُ” فيبدو أن حلق اللحية في عصرهِ كان لا يفعلهُ الرجال إلا مَن أصيب بالجنون أو ما شابه ذلك. وهكذا في شرح يتيمة الدهر قال الثعالبي: “(كل ممرور) قوم يلبسُونَ الثِّيَاب المخرقة ويحلقون لحاهم ويوهمون أَنهم موسوسون”. وكذلك ما قاله ابن الحاج: “وَكُنْتُ أَعْهَدُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ تُفْعَلُ عَلَى أَبْوَابِهَا وَيَتَضَاحَكُ النَّاسُ عَلَيْهَا فِي لَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ وَيَسْتَغْنُونَ بِسَبَبِهَا وَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ يَعُدُّونَهَا مِنْ الْكَرَامَاتِ ويَعْتَقِدُونَهُمْ بِسَبَبِهَا وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ اسْتَنَّتْ سَنَةً سَيِّئَةً وَهُمْ الَّذِينَ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، وَذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَارْتِكَابٌ لِلْبِدْعَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ.” جزء 3 صفحة 197. وقال أبو البقاء الهاشمي: “والعجب من النصارى منهم من يَجُبُ مذاكيره ويخصي نفسه. وآخرون يحلقون لحاهم.” تخجيل من حرف التوراة والإنجيل ج2 ص588 وقال ابن رشد الحفيد: “وأَما المخازي التي تلحق الإِنسان مما يناله من غيره أَو يذعن له أَو تتصل به بأَي وجه اتصل، فكل ما كان مما يؤدي به إِلى أَن يهوى بها عند الناس وأَن يعير به، وذلك مثل جميع الهئات البدنة القبيحة، مثل أَن تحلق لحيته، أَو يتزيا الرجل بزي المرأَة، ومثل جميع الفواحش التي تفعل بالنساءِ والصبيان. ومن هذا الفضيحة والهوان” [20] وقد كان الناس يرون حلق اللحية تشبهًا بالنساء، كما ذكر البغدادي في تاريخ أن شخصًا: “حلق لحيته وتشبه بالنساء”، بل حتى الخنثى قيل بمنعه من حلقها، فقال جلال الدين العدوي “وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ الْخُنْثَى مِنْ حَلْقِ لِحْيَتِهِ أَوْ نَتْفِهَا ” [21] وقال السبكي: “وقد تساهل في هذا الزمان كثير من المتعلمين فحلقوا لحاهم ووفروا شواربهم، وتشبه جماعة منهم ببعض الكافرين. فحلقوا أطراف الشارب ووفروا ما تحت الأنف واغترّ بهم كثير من الجاهلين، وأما المرأة إذا نبتت لها لحية فيطلب منها إزالتها. فهل اعتقد الذين يحلقون لحاهم أنهم نساء ففعلوا ما يطلب فعلهِ من النساء فلا حول ولا قوّة إلا باللهِ العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون” [22] مراجع
|