في سورة طه قال الله تعالى : ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ١١٤﴾ (سورة طه).
في سورة المؤمنون قال الله تعالى : ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦﴾ (سورة المؤمنون).
في سورة الحشر قال الله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣﴾ (سورة الحشر).
في سورة الجمعة قال الله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ١﴾ (سورة الجمعة).
المعنى اللغوي
يُطلق اسم الملك في لغة العرب على كل من بيده مُطلق التصرف بالأمر والنهي والقوة والسلطان والجبروت سواء في نفسه أو في غيره أو في مملكته.
يتضح مما سبق أن اسم الملك يطلق على غير الله تعالى وهذا يتم بإذن الله ومن تمام حكمته ولا تتعدى على ملك الله بل أن كل هذا من ملك الله ، قال الله تعالى : ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٦﴾ (سورة آل عمران).
و إن شعور العبد بعظمة اللهالخالقالرازق الملك يجعل العبد يزداد طمعاً في ماعند الله ، خصوصا إذا علم العبد أن ملك الله لا يمكن أن ينقص منه شياً ولو أعطى كل عبد مسألته. ومن أعظم من عرف قدرة الله وتمام وكمال ملكه سبحانه وتعالى هو نبي الله سليمان ، حيث طلب من الله ما لا يستطيعه إلا الملك الحق ، قال الله تعالى على لسان سليمان : ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ٣٥﴾ (سورة ص)
الـمَلك يشتري مُلكه بِمُلكه
من عظمة الله الملك الحق سبحانه أنه تعالى يشتري ملكه من الأنفس والأموال بملكه، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١١١﴾ (سورة التوبة) ،يحث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على القتال في سبيله ويعبِّرعنها بالبيع والشراء بدلاً عن الأمر والطاعة وهذا من كرم الله حيث أن أنفسهم وأموالهم والجنة كلها لله يأخذ منها مايشاء وقت مايشاء ، و وصف الله تعالى الذي يطيع أمره بالقتال في سبيله بالذي يبيع نفسه وماله لله ووصف الله تعالى نفسه بالمشتري كما بشّرهم بمقدار الربح في هذا البيع وأنه ربح عظيم وفوز كبير ، وأن الله إذا وعد أوفى وليس هناك أوفى بوعده من الله سبحانه وتعالى فله خزائن السماوات الأرض وما بينهما وله الأولى والآخرة.
الله الـمَلك يأخذ القرض من ملكه ويضاعفه
يُعَبِّرُ الله الملك الحق سبحانه عن الصدقة ويسميها قرضاً حسناً ويَعِدُ سبحانه وتعالى بمضاعفته أضعافاً كثيرة ، و إذا قال الله (كثيرة) يعني بأنك لا يمكن أن تتخيلها أو تعدها من كثرتها والله إذا وعد أوفى وليس هناك أوفى بوعده من الله سبحانه وتعالى الملك الحق :
قال الله تعالى : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٤٥﴾ (سورة البقرة).
و قال الله تعالى : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ١١﴾ (سورة الحديد).
الـمُلك يوم القيامة للمَلك الحق
قال الله تعالى : ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ٢٦﴾ (سورة الفرقان) ، كل المسلمين يعلمون بأن الله هو المَلك وله مُلك الدنيا والآخرة ولكن لماذا يحدد اللهيوم القيامة بقوله (يومئذ) ؟ والمعنى واضح حيث يبين الله تفرده بالملك وأن جميع ملوك الدنيا يومئذ حفاة عراة لا يملك أي أحد منهم أي شي وهذا بيان تعظيم الله العظيم وبيان قوته وقدرته وأنه هو الملك حقاً.
الملك، المليك، مالك الملك
فهو الموصوف، بصفات الملك. وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، والأمر، والجزاء.
وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه. فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلاهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام، وأحسن سياق. رب الناس ملك الناس إله الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن (الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما الإله : فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وإن اسم الله هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى فكان المستعيذ بها جديراً بأن يعاذ، ويحفظ، ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه.
وإذا كان وحده هو ربنا، وملكنا، وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه، وتخافه، وتدعوه، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومتولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقاً وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلاهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك، وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم، وملكهم، وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجئوا إلى غير حماه فهو كافيهم، وحسبهم، وناصرهم، ووليهم، ومتولي أمورهم جميعاً بربوبيته، وملكه، وإلاهيته لهم. فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه، ومالكه، وإلهه.