ولد في الموصل سنة 539هـ/1144م وذكر المنذري[8] أنه التقى بابن شداد عند ضريح الإمام الشافعي، وسأله عن مولده فأجاب: «في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمس مئة»، وبلغه عنه أنه قال: «في العاشر من رمضان بالموصل».
نشأته
توفي أبوه وهو طفل صغير، فنشأ عند أخواله بني شداد، ولهذا نسب إليهم. وقد تلقى علومه الأولى في الموصل، فحفظ القرآن الكريم في صغره، وقرأ على شيوخ الموصل كتباً في علوم الحديثوالتفسيروالفقه والقراءات والأدب، وتنقل بين بغداد والموصل طلباً للعلم.[9]
مكانته العلمية
أثنى عليه كثير من العلماء، وأكثروا من درجة توثيقه ومن هؤلاء:
عمر بن الحاجب الذي قال عنه: "«كان ثقة، حجة، عارفاً بأمور الدين. اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبو يوسف في زمانه»".
قال عنه زكي الدين المنذري: "«حدث بحلبودمشقومصر وغيرها من البلاد ودرس بغير مدرسته، وأقرأ، وولى قضاء العساكر في الأيام الناصرية مدة، وقضاء القضاء بمدينة حلب، وصنف تصانيف حسنة»".
قال عنه تاج الدين السبكي: "«كان إماماً فاضلاً ثقة، عارفاً بالدين والدنيا رئيساً مشاراً إليه، متعبدًا متزهداً، نافذ الكلمة، وكان يشبه القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة في زمانه»" وقال: "«اجتمعت الألسن على مدحه، والقلوب على حبه، لمكارمه وأفضاله ونفعه الطلبة في العلم والدنيا»".
أثنى عليه ابن خلكان وترجم له ترجمة كبيرة وقال: "«لقد أخذت عنه كثيراً»". وقال: "«وكان القاضي أبو المحاسن يسلك طريق البغاددة في ترتيبهم وأوضاعهم، والروؤساء الذين يترددون إليه كانوا ينزلون عن دوابهم على قدر أقدارهم، لكل واحد منهم مكان معين لا يتعداه»".
وذكره ابن كثير بقوله "«كان رجلاً فاضلاً، أديباً، مقرئاً، ذا وجاهة عند الملوك»".
قال عنه ابن قاضي شهبة "«قصده الطلبة للدين والدنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره، وارتفاع منزلته»".
وقد قدم عليه ابن خروف الشاعر فكتب إليه رسالة كان مطلعها:
بهاء الدين والدنيا
ونور المجد والحسب
طلب مخافة الأنواء
ومن نعماك جلد أبي
وفضلك عالم أني
خروف بارع الأدب
مرضه ووفاته
وقد استنفذ ابن شداد بقية عمره في العلم والتدريس في حلب إلى أن مرض ووهن الشيخوخة فلزم مكاناً دافئاً يقيم فيه متدثراً لا يقوم إلا لأداء الصلاة، ويؤرخ ابن خلكان لذلك بقوله «كنا نسمع الحديث ونردده إليه في داره وقد كانت له قبة تختص به وهي شتوية لا يجلس إلا فيها صيفاً أو شتاء، لأن الهرم كان قد أثر عليه حتى صار كفرخ الطائر من الضعف لا يقدر على حركات الصلاة إلا بمشقة، وكانت النزلات تعتريه في دماغه، فلا يفارق تلك القبة، وكان رحمه الله لا يخرج لصلاة الجمعة إلا في شدة القيظ، وإذا قام إلي الصلاة بعد الجهد يكاد يسقط».
ويقول ابن خلكان:«ولقد كنت انظر إلى ساقيه وإذ وقف للصلاة كأنهما عودان رقيقان لا لحم عليهما». فكانت وفاته في حلب يوم الأربعاء 14 صفر 632هـ، ودفن في قبره الذي بناه لنفسه بجوار مدرسته في حلب.
ويقول المنذري: «وصلينا عليه صلاة الغائب بحران في الشهر المذكور» ولم يرزق ابنًا ولا كان له أقارب.
المراجع
^ ابابن الأثير ، عز الدين أبو الحسن على بن أبي الكرم محمد الشيباني (ت 630هـ/1232م):
" الكامل في التاريخ " ، 12 جزء ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1987م .
" اللباب في تهذيب الأنساب " ، دار صادر ، بيروت ، 1980 م .
^الأسنوي ، عبد الرحيم ، (ت772هـ/1370):"طبقات الشافعية " ، تحقيق ، كمال الحوت ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط ا ، 1997م.
^ابن تغرى بردى، جمال الدين أبي المحاسن يوسف (ت 874هـ/1469م): " النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة "، 16 جزء، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، (بدون تاريخ).