تبرير الإبادة الجماعية هو الادعاء بأن الإبادة الجماعية يمكن التسامح معها أخلاقياً أو الدفاع عنها أو أنها ضرورية و/أو معتمدة بموجب القانون.[1] يختلف تبرير الإبادة الجماعية عن إنكار الإبادة الجماعية، وهو محاولة لرفض حدوث الإبادة الجماعية. في كثير من الأحيان يزعم مرتكبو الإبادة الجماعية أن ضحايا الإبادة الجماعية يشكلون تهديدًا خطيرًا، ويبررون أفعالهم بالقول إنها كانت دفاعًا مشروعًا عن النفس لأمة أو دولة. وفقًا للقانون الجنائي الدولي الحديث، لا يمكن أن يكون هناك أي عذر للإبادة الجماعية.[2][3] غالبًا ما يتم إخفاء الإبادة الجماعية في صورة نشاط عسكري ضد المقاتلين، وغالبًا ما يكون التمييز بين الإنكار والتبرير غير واضح.[4]
حتى الآن، قامت 12 دولة فقط بتجريم تبرير الإبادة الجماعية، بما في ذلك أندورا، وكولومبيا، وليختنشتاين، ومقدونيا، ورواندا، وسويسرا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تبرير الإبادة الجماعية أثناء عمليات القتل المستمرة قد يشكل تحريضًا على الإبادة الجماعية، وهو ما يُجرّمه القانون الجنائي الدولي.[7][8]
بشكل عامّ
تعتبر جميع جرائم الإبادة الجماعية مصحوبة بروايات عقلانية تبررها من حيث التهديد والإلحاح،[9] ويعتبر الجناة أن أفعالهم صحيحة وضرورية.[10]
وفقًا لما ذكره مايكل رايزمان، "فإن العديد من الأفراد المسؤولين بشكل مباشر يعملون ضمن عالم ثقافي يقلب مفاهيمنا الأخلاقية ويعلي من أفعالهم إلى أسمى صور الدفاع عن المجموعة أو القبيلة أو الوطن." لاحظت بيتينا أرنولد إلى أنه "من المفارقات الرهيبة للإبادة الجماعية المنهجية لشعب على يد آخر أن تبريرها يُعتبر أمرًا ضروريًا." كما اعتبرت أن علم الآثار والتاريخ القديم يُستخدمان أحيانًا لتبرير الإبادة الجماعية.[11] إن تبرير الإبادة الجماعية يساعد الجناة على قبول أفعالهم ودورهم في الإبادة الجماعية، مما يحافظ على صورتهم الذاتية.[12] وقد كتب الأكاديمي عبد الوهاب الأفندي أن إحدى أهوال الإبادة الجماعية "هي عندما يبدو أن الجميع، بما في ذلك الأكاديميون والمثقفون البارزون، يصدقون الرواية، أو على الأقل يترددون في مدى معقوليتها".[13]
كان القادة السود يأملون في الاستيلاء على المزارع التي كانت مملوكة في السابق للبيض.
ويشير جيرارد إلى أن الرجل الذي أمر بارتكاب المذبحة، جان جاك ديسالين، صرح بعد ذلك قائلاً: "لقد رددنا على حرب آكلي لحوم البشر بالحرب، والجريمة بالجريمة، والغضب بالغضب". ويكتب جيرارد أن "الإبادة الجماعية بالنسبة لديسالين لم تكن سوى انتقام، بل وحتى عدالة".[14] كتب المؤرخ سي جيمس أن المذبحة كانت مجرد مأساة لمرتكبيها بسبب الممارسات الوحشية لاستعباد العبيد.[15]
وقد صنف آدم جونز ونيكولاس روبنسون هذه المذبحة باعتبارها إبادة جماعية ثانوية، بمعنى "إبادة جماعية من قبل المظلومين"، وأنها تحتوي على عناصر "معقولة أخلاقيا" من الانتقام. ويشير جونز إلى أن هذا النوع من الإبادة الجماعية أقل احتمالاً للإدانة وربما يكون موضع ترحيب، على الرغم من تعذيب وإعدام الآلاف من النساء والأطفال على الجزيرة.[15]
من الشائع أن يتم ربط التبرير والتسويغ بالإبادة الجماعية الأرمنية. وقد صور الجناة عمليات القتل باعتبارها دفاعًا مشروعًا ضد الأرمن الذين اعتبروا خونة متواطئين مع روسيا أثناء زمن الحرب.[3][17] وفي ذلك الوقت وفي وقت لاحق، زُعم أن ترحيل الأرمن كان مبررًا بـالضرورة العسكرية[الإنجليزية].[18] يشير المؤرخ هانز لوكاس كايزر إلى أن " طلعت باشا صاغ خطابًا كاملاً ومجموعة من الحجج لتبرير الإبادة الجماعية، بحيث ظل التبرير الذاتي للقتل والتدمير راسخًا في المذكرات اللاحقة والسياسة والتأريخ".[19] في مقابلة مع صحيفة برلينر تاجبلات في مايو 1915، صرّح طلعت، "لقد تم إلقاء اللوم علينا لعدم التمييز بين الأرمن المذنبين والأبرياء. [كان القيام بذلك] مستحيلاً. وبسبب طبيعة الأشياء، فإن الشخص الذي لا يزال بريئًا اليوم قد يكون مذنبًا غدًا. كان الاهتمام بسلامة تركيا ببساطة سببًا في إسكات جميع المخاوف الأخرى. كانت أفعالنا تحددها الضرورة الوطنية والتاريخية".[20] أثناء محاكمة سوغومون تهليريان، نشرت العديد من الصحف الألمانية مثل "دويتشه ألجماينه تسايتونغ"، أو "فرانكفورتر تسايتونغ"، أو "برلينر لوكال أنتسايغر" مقالات ودراسات، برّرت إبادة الشعب الأرمني.[21]
"كل ما حدث للعناصر غير المسلمة التي تعيش في بلدنا هو نتيجة السياسات الانفصالية التي انتهجوها بطريقة وحشية، عندما سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا أدوات للمؤامرات الأجنبية وأساءوا استخدام امتيازاتهم. هناك على الأرجح العديد من الأسباب والأعذار للأحداث غير المرغوب فيها التي وقعت في تركيا. وأريد بالتأكيد أن أقول إن هذه الأحداث بعيدة كل البعد عن العديد من أشكال القمع التي تُرتكب في دول أوروبا دون أي عذر."[22]
يعلق المؤرخ إريك جان زورشر قائلاً: "كل العناصر الكلاسيكية في الدفاع عن العدوان العنيف موجودة هنا: لقد طلبوا ذلك، ولم يكن الأمر سيئًا حقًا، وعلى أي حال، فعل آخرون الشيء نفسه أو ما هو أسوأ".[22]
"إن مسألة الترحيل هذه، كما تعلم، أثارت العالم بأسره ووصمتنا جميعًا بالقتلة. كنا نعلم حتى قبل تنفيذها أن العالم المسيحي لن يقبل بها، وأنهم سيوجهون غضبهم وكراهيتهم نحونا بسببها. ولكن لماذا يجب أن نصف أنفسنا بالقتلة؟ هذه الأمور التي تم القيام بها كانت لضمان مستقبل وطننا، الذي نعتبره أكثر قداسة وأهمية من حياتنا ذاتها."[23]
وفقًا لفاطمة موغي جوتشيك، فإن مشاعر الدولة التركية والسكان تجاه هؤلاء القادة من حزب الاتحاد والترقي تُجسَّد بشكل أفضل في إحدى المذكرات التي أشارت إلى:"
"لم يتبقَّ أي أرمن في شرق ووسط الأناضول، وإلى حد ما في المناطق الغربية. لو لم يتم تنفيذ هذه العملية التطهيرية، لكان من الصعب للغاية تحقيق نجاح النضال من أجل الاستقلال، ولكان قد كلفنا ذلك أكثر بكثير. رحم الله أنور باشاوطلعت باشا اللذين نفذا هذه [العملية التطهيرية]. لقد أنقذت رؤيتهما المستقبلية الأمة التركية."[24]
فضّل النازيون تبرير قتل اليهود بدلاً من دحضه، كما يتضح في نبوءة هتلر، وهو خطاب لهتلر حيث ذكر أنه حان الوقت "لطرح العدو اليهودي العالمي أرضًا"،[26] وأن الحكومة الألمانية عازمة تمامًا على "التخلص من هؤلاء الناس".[27][28][29] مثال آخر على التبرير النازي هو خطابات بوزن عام 1943، حيث زعم رئيس قوات الأمن الخاصة، هاينريش هيملر، أن القتل الجماعي المنظم لليهود كان ضروريًا ومبررًا، على الرغم من كونه مهمة غير سارة لأفراد قوات الأمن الخاصة.[30][31][32]
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لوحظت أيضًا حالات تبرير الهولوكوست في إيران والعالم العربي وأوروبا الشرقية، حيث يُزعم أن السلوك المزعوم لليهود يسبب معاداة السامية ويبرر قتل اليهود. يزعم بعض المؤرخين المولدوفيين أن الهولوكوست في رومانيا[الإنجليزية] كان مبررًا بسبب عدم الولاء الذي أظهره اليهود للدولة الرومانية في فترة ما بين الحربين العالميتين.[35][36]
الإبادة الجماعية في رواندا
برّر مرتكبو الإبادة الجماعية في رواندا الإبادة الجماعية باعتبارها ردًا مشروعًا على الحملة العسكرية التي شنتها الجبهة الوطنية الرواندية، بما في ذلك العقل المدبر لها، ثيونيست باجوسورا، الذي كرّر هذه الحجج في المحاكمة التي أسفرت عن إدانته بالإبادة الجماعية.[37] وتتضمن محاولات التبرير "تحويل اللوم من الحكومة إلى قوات الجبهة الوطنية الرواندية ومحاولة الادعاء بأن هذه الأفعال كانت دفاعاً عن النفس".
في أعقاب اغتيال رئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا، استغل دعاة الهوتو الصورة النمطية الموجودة مسبقًا والتي تساوي بين جميع التوتسي والجبهة الوطنية الرواندية. ومن خلال دمج المجتمع التوتسي عمدًا مع الجبهة، روّجوا للرواية التي تقول إن التوتسي هم المسؤولون عن اغتيال الرئيس. وتدعم هذه الرواية العبارة التي تقول: "اعتمادًا على التعرف السهل على جميع التوتسي مع الجبهة، قال دعاة الهوتو إن التوتسي استحقوا ما حلّ بهم من مصائب لأنهم هم من بدأوا الحرب في المقام الأول.".[38]
وقد شكل ظهور صحيفة الهوتو كانغورا (Kangura) نقطة تحول في نشر الدعاية المناهضة للتوتسي، والتي كثيراً ما كانت تحرض على العنف. تأسست حركة كانغورا في أوائل تسعينيات القرن العشرين، ولعبت دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام وتصعيد التوترات العرقية في رواندا. يُشكّل غلاف مجلة كانغورا الصادر في نوفمبر 1991 رمزاً لهذه الحملة الدعائية. وإلى جانب صورة مخيفة لسكين طويل، يطرح النص سؤالاً مخيفاً: "ما هي الأسلحة التي سنستخدمها لهزيمة الصراصير إلى الأبد؟" وقد استُخدمت هذه اللغة المهينة عمداً لتبرير العنف ضد السكان التوتسي. وكان الهدف من التلاعب بالشخصيات التاريخية في مثل هذه الصور هو إضفاء الشرعية على رواية الضحايا الهوتو وتغذية إيديولوجيات الإبادة الجماعية التي تجلّت لاحقًا في الأحداث المأساوية التي وقعت في عام 1994.
لقد لعب المشهد الإعلامي في المنطقة، والذي شمل برنامجًا إذاعيًا شعبيًا هو راديو رواندا، دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام للشعب التوتسي. في مارس 1992، حذّر راديو رواندا من أن "قادة الهوتو في بوغيسيرا سوف يُقتلون على يد التوتسي"، ونشر معلومات كاذبة عمدًا لتحفيز مذابح الهوتو ضد التوتسي. وقد أدى التواطؤ بين وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك كانغورا وراديو وتلفزيون التلال الألف الحرة، إلى تعزيز تأثير هذه الروايات الكاذبة، مما عزز بشكل أكبر الأيديولوجيات الخطيرة التي بلغت ذروتها في أحداث الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.[39]
يُبرّر القوميون الصربمذبحة سريبرينيتسا، حيث يزعمون أنها كانت ضرورية للدفاع ضد "التهديد الإسلامي"، أو باعتبارها انتقامًا مبررًا لهجوم كرافيتشا عام 1993. لا يعترف القوميين الصرب بوقوع إبادة جماعية في البوسنة على الرغم من حكم المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ويزعمون أن حصيلة القتلى البوسنيين أقل بكثير مما خلص إليه المؤرخون والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.[40][41] في مقابلات أجرتها مع الصرب في البوسنة، وجدت جانين ناتاليا كلارك أن العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أيدوا فكرة "أن القتلى في سربرينيتشا كانوا مقاتلين وبالتالي أهدافًا عسكرية مشروعة"، إلى جانب الاعتقاد بأن المذبحة قد تم تضخيمها.[42]
إبادة الروهينجا
تُدافع زعيمة ميانمار، أون سان سو تشي، عن تصرفات الجيش خلال ما تمّ وصفه بإبادة الروهينجا في ميانمار، نتيجة لكراهية الإسلام الخاصة والبنيوية في ميانمار، فضلاً عن زيادة التوترات والصراع "بين مسلمي الروهينجا والأغلبية البوذية في بورما".[43][44][45] في عام 2017، أفاد موقع ذا إنترسبت بأنها "مدافعة عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاغتصاب الجماعي".[46] بعد تصريحاتها في ديسمبر 2019 في محكمة العدل الدولية، كتب عالم السياسة الأمريكي ويليام فيليس أنها استخدمت "نفس الحجج التي استخدمها منظمو الإبادة الجماعية والتطهير العرقي طوال القرن العشرين لتبرير القتل الجماعي".[47] وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إن ميانمار "تواصل تبرير الإبادة الجماعية [للروهينجا] باعتبارها ردًا معقولاً على 'الأنشطة الإرهابية'".[48] وقالت منظمة اللاجئين الدولية إنها "تدافع عن أكثر الجرائم التي لا يمكن الدفاع عنها" - الإبادة الجماعية.[49] كان حزب التضامن والتنمية التابع للحكومة الديمقراطية في ميانمار عدائيًا وعنيفًا في اضطهاده وإساءة معاملته للمسلمين الروهينجا.[43] وقد تم تبرير أفعالهم "بذريعة العمل باسم نظام منتخب ديمقراطياً وليس باسم دكتاتورية عسكرية".[43]
^Elósegui، María (2017). "Denial or Justification of Genocide as a Criminal Offence in European Law". Racial Justice, Policies and Courts' Legal Reasoning in Europe. Springer International Publishing. ص. 49–90. ISBN:978-3-319-53580-7.
^Zajonc، R. B. (2002). "The Zoomorphism of Human Collective Violence". Understanding Genocide: The Social Psychology of the Holocaust. دار نشر جامعة أكسفورد. ص. 234. ISBN:978-0-19-984795-2. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط غير المعروف |مسار-الفصل= تم تجاهله (مساعدة)
^Girard، Philippe R. (يونيو 2005). "Caribbean genocide: racial war in Haiti, 1802–4". Patterns of Prejudice. ج. 39 ع. 2: 138–161. DOI:10.1080/00313220500106196. S2CID:145204936.
^Bytwerk، Randall L. (فبراير 2005). "The Argument for Genocide in Nazi Propaganda". Quarterly Journal of Speech. ج. 91 ع. 1: 37–62. DOI:10.1080/00335630500157516. S2CID:144116639.
^Weikart، Richard (2009). "Justifying Murder and Genocide". Hitler's Ethic: The Nazi Pursuit of Evolutionary Progress. Palgrave Macmillan US. ص. 179–195. ISBN:978-0-230-62398-9.
^ ابWolfe، Robert (يوليو 1980). "Putative Threat to National Security as a Nuremberg Defense for Genocide". The Annals of the American Academy of Political and Social Science. ج. 450 ع. 1: 46–67. DOI:10.1177/000271628045000106. JSTOR:1042558. S2CID:146521956. Ohlendorf stated, 'I believe that it is very simple to explain if one starts from the fact that [the Führer] order not only tried to achieve security, but permanent security, lest the children grow up and inevitably, being the children of parents who had been killed, they would constitute a danger no smaller than that of the parents.'
^Robiou، Marcia (29 مارس 2019). "What is Genocide? The Ultimate Crime, Explained". FRONTLINE. بي بي إس. مؤرشف من الأصل في 2025-01-20. اطلع عليه بتاريخ 2020-07-31. The Serbs' skepticism surrounding the Srebrenica genocide is not a denial that mass killings occurred: the dominant narrative among nationalist Serbs is that war crimes were justified to defend against the Muslims.