يتفق جميع الكتاب القدماء أن كاتانيا كانت مستعمرة إغريقية اسمها κατάνη كاتاني، كالسيسية الأصل ولكنها أسست فورا من مدينة ناكوس المجاورة، بتوجيه من قائد اسمه (يوارشوس). تاريخ تأسيسها بالتحديد لم يسجل، ولكن يبين لنا المؤرخ الإغريقي ثوسيديديس أنها أسست بعد فترة قصيرة من تأسيس Leontini ليونتيني (لينتيني الحالية)، التي يضعها في السنة الخامسة بعد سيراقوسة أو عام 730 م.
صقلية الإغريقية
الحدث الوحيد الذي وقع في وقت مبكر من تاريخها وحصلنا عليه هو تشريع شارونداس، وحتى تاريخ هذا الحدث غير مؤكد تماماً. ولكن من المعروف أن هذا التشريع امتد إلى المدن الكالسيسية الأخرى ليس فقط من صقلية، ولكن أيضا في Magna Graecia (المستعمرات الإغريقية في جنوب شبه الجزيرة الإيطالية) فضلا عن بلاده، من الواضح أن كاتانيا استمرت في علاقات حميمة مع هذه المدن الشقيقة. ويبدو أن تبقيت مستقلة حتى وقت هيرو الأول، وقام هذا الطاغية في عام 476 بطرد جميع السكان الاصليين، الذين استقروا في ليونتيني، بينما أخد يسكن فيها قوما آخرين من مستعمرات أخرى ويقال أن أعدادهم بلغت 10,000 وكانوا من سيراقوسة ومن بيلوبونيس. وقام في الوقت نفسه بتغيير اسمها إلى α ἴ τνη (ايتنا، أو اتنا، بعد المنطقة القريبة من بركان)، وأعلن نفسه Oekist ويكيست أو مؤسس المدينة الجديدة.
و قد احتفل بهذا الحدث الشاعر بينارد، وبعد وفاته اعتبر بطل من قبل مواطني مستعمرته جديدة. لكن هذا الوضع استمر مدة قصيرة، فبعد سنوات قليلة من وفاة هيرو الأول وطرد ثراسيبولوس اتحد السيراقوسيون مع دوسيتيوس ملك السيكوليين، لطرد المستوطنين الجدد من سكان كاتانيا، الذين أجبروا على التقهقر إلى القلعة من إنيسا (الذي أعطى اسم ايتنا)، في حين أن المواطنين الكالسيسيين القدماء أعيدوا إلى امتلاك كاتانيا عام 461 ق.م.
يبدو أن الفترة التي تلت حسم الأمور في هذا العصر كانت واحدة من كبرى فترات الرخاء لكاتانيا، فضلا عن صقلية عموما : لكن ليس لدينا تفاصيل عن تاريخها حتي حملة أثينا العظيمة على صقلية (الجزء من حرب البيلوبونيسية). وفي تلك المناسبة : بغض النظر عن أصول الكاتانيون الكالسيسية، فإنهم في البداية رفضوا استقبال الاثينيون في مدينتهم : لكن فيما بعد دخلوا، ووجدوا أنفسهم مضطرين إلى تبني تحالف الغزاة، وبالتالي أصبحت كاتانيا مقر الأثيني للتسلح طوال السنة الأولى من الحملة، وقاعدة لعمليات اللاحقة ضد سيراقوسة. ليس لدينا معلومات عن مصير كاتانيا بعد انتهاء هذه الحملة. عام 403 ق.م سقطت في قبضة ديونيسيوس الأول من سيراكوزا وباع سكانها كعبيد، وسلم المدينة للنهب ؛ بعدها استقر فيها مجموعة من المرتزقة الكامبان.
بيد أنهم خرجوا مرةً أخرى عام 396 ق.م، متوجهين إلى إيتنا على للانضمام للجيش القرطاجي العظيم تحت هيميلكو وماغو. خسر ليبتينيس المعركة البحرية الكبرى شقيق ديونيسيوس فخرج فوراً من كاتانيا وسقطت المدينة فيما يبدو نتيجةً لذلك، بأيدي القرطاجيين، وليس لدينا معلومات عما حدث فب ما بعد، كما أنه لا يعرف من شكل سكانها الجدد ؛ ولكن من المؤكد أنها استمرت عامرة. عندما كان طرد كاليبوس قاتل ديون من سيراقوسة لفترة من الزمن استولى على كاتانيا ؛ وعندما حط تيموليون في صقلية نجد أنها خضعت لطاغية اسمه ماميركوس، الذي انضم أولا إلى كورنث ولكن بعد ذلك تخلى تحالفه وتحالف مع القرطاجيين، والنتيجة كنت الهجوم عليه وطرده من قبل تيموليون. كاتانيا الآن استعادة الحرية، ويبدو أنها لا تزال تحافظ على استقلالها ؛ وخلال حروب اغاثوكليسية مع القرطاجيين انحازت كل فترة مع طرف ؛ وعندما حط بيرهوس في صقلية، كانت كاتانيا أول من فتح الأبواب له، واستقبلته بترحاب كبير.
الحكم الروماني
أثناء حرب بونيقية أولى كانت كاتانيا من أوائل مدن صقلية التي خضعت للرومان، بعد انتصارهم الأول في عام 263 ق.م وقول الكاتب بليني بأن فاليريوس ميسالا هو من استولى عليها هو خطأ بالتأكيد. يبدو أنها حافظت بعد ذلك على استمرار علاقاتها الودية مع روما، رغم عدم تتمتعها بمزايا المدينة الإتحادية (foederata civitas) كجارتيها تاورومينيوم (تاورمينا) وميسانا (ميسينا)، وقد ارتقت إلى لدرجة رخاء كبير في ظل الرومان. ذكر شيشرون مراراً على أنها في زمانه كانت مدينة غنية ومزدهرة ؛ احتفظت بمؤسساتها البلدية القديمة ؛ ويبدو أنها كانت من أهم موانئ صقلية لتصدير الذرة.
لاحقاً عانت بشدة من تخريب سكستوس بومبيوس، ومن ثم كانت إحدى المدن التي أرسل أوغسطس إليها مستعمرة ؛ الأمر الذي يبدو أنه ساهم بدرجة كبيرة في استعادة عافيتها، حتى أنها في زمن سترابو كانت من المدن القليلة بالجزيرة التي تعيش في رخاء.
و احتفظت برتبتها كمستعمرة وعلى ازدهارها طوال عهد الإمبراطورية الرومانية ؛ ويتضح ذلك بذكر أوسونيوس في القرن الرابع لكاتانيا وسيراقوسة فقط بين مدن صقلية في كتابه (Ordo Nobilium Urbium).
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية
استعاد بيليساريوس كاتانيا من القوط عام 535، فعادت تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية واحدة أهم مدن الجزيرة. أصابها دمار جرّاء زلزالين عامي 1169و1693 وجرّاء تدفق للحمم البركانية التي مرّت من فوقها وحولها حتى وصلت البحر. تأسست بها جامعة كاتانيا عام 1434 كأول جامعة صقلية.
^ اب«ومن لياج إلى مدينة قطانية ستة أميال، وهي البلد الجميل المعروف بـبلد الفيل الشامخة القدر العالية الذكر، وهي على ساحل البحر، وبها الأسواق العامرة والديار الزاهرة والمساجد والجوامع والحمامات والمنازل والخانات، وبها مرسى حسن، ويسافر إليها من جميع الآفاق ويحمل منها كل البضائع والأوساق، وجناتها كثيرة ومياهها من أنهارها وعيونها غزيرة، وبها نهر في أمره عجب عجيب وشأن مستطرف غريب، وذلك أنه في بعض السنين يفيض فيضاً كثيراً فتنصب عليه الأرحاء وتمتلئ منه الأودية وفي بعضها ينضب فلا يوجد فيه ما يشرب، وعمارتها واسعة وباديتها ومزارعها طيبة نافعة وأسوارها منيعة وأقطارها واسعة، والفيل الذي اشهرت به هو طلسم من حجر على صورة فيل كان منصوباً على بناء شاهق في سالف الزمان ثم نقل الآن فنصب داخل المدينة بكنيسة الرهبان. وبغربي قطانية وادي موسى، النهر العظيم، وهو يصب ببحرها وبه من السمك كل نهاية في العظم وحسن الذوق. ومدينة طبرمين ولياج وقطانية بسفح جبل النار المتقدم ذكره من الناحية الشرقية منه». الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.
^ اب«قطانية: مدينة كبيرة في جزيرة صقلية، وهي مدينة أولية وعليها نهر يسقي أرضها، ويقال إن مدينة قطانية كانت في القديم سبع مدن بأسوارها، وذلك بين في آثارها، وإلى تلك المدن جلب الماء على آزاج معقودة من جبل النار، كان فيه بركان حمة، وتسمى مدينة قطانية بـمدينة الفيل، وذلك أن في صفاة على سطح قصر عظيم من المدينة وهو القصر الذي يشرف على دار الملعب صورة فيل مجسد قائم قد نحتت من حجر صلد أسود يشبه حجر النشفة الذي يكون بالبركان، إلا أنه صلب شديد وكانت هذه الصورة قد انكبَّتْ على رأسها فلما كان بعد الخمسين والأربعمائة من الهجرة أتى القائد المعروف بابن الثمنة إلى تلك الصورة فأمر أن ترد إلى حيز الاستواء، وزعم أن من فعل ذلك يملك جزيرة صقلية. وبمدينة قطانية موضع يسمى بحمام فتيلة، ويزعم أهلها أن ابنة ملكها في غابر الزمان اشترطت على ملك آخر خطبها أن يبني لها حمّاماً تسخنه فتيلة، فبناه وجرى على الموضع ذلك الاسم». محمد بن عبد المنعم الحميريالروض المعطار في خبر الأقطار.
^ ابج«قَطَالِيَةُ: بتخفيف الياء: مدينة على سواحل جزيرة صقليّة، ويقال قَطَانِيَة، وهي مدينة كبيرة على البحر من سفح جبل النار وتعرف بمدينة الفيل، وهي قديمة البناء فيها آثار عجيبة وكنائس مفروشة بالرّخام المجزّع وفيها صورة فيل في حجارة وبه سميت مدينة الفيل». ياقوت الحموي. معجم البلدان. مادة «قطالية».