نوح إبراهيم
نوح إبراهيم (1913- 28 تشرين الأول 1938)، الملقّب بـ «الشاعر الشعبي لثورة 1936» و«تلميذ القسّام»[1]، هو شاعر شعبي، ومغني، وملحن ومناضل فلسطيني، ولد في مدينة حيفا في فلسطين[2]، كتب الشعر منذ سن مبكرة. عبّر الشاعر نوح إبراهيم عن وجدانِ شعبهِ بأسلوب سلس، ولغة سهلة غنائية مفهومة، تقترب من الكلام العادي، وتحمل في ثناياها حب الوطن، وتدعو إلى الدفاع عنه، وتحث الناس على الثورة. لقد مثل شعره بداية العصر الذهبي للشعر الشعبي الفلسطيني، وحمل مع معاصريهِ من الشعراء الشعبيين أمثال: فرحان سلام، وأبو سعيد الحطيني وسعود الأسدي همَّ المجتمع الفلسطيني، ومقاومته الثورية ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني في ثلاثينيات القرن الماضي.[3][4] نظم نوح إبراهيم عدداً كبيراً من الأهازيج والقصائد الشعبية حول مختلف القضايا والأحداث الوطنية والسياسية الفلسطينية والعربية في تلك الفترة، وذاع صيت أغانيه بشكل واسع، فكانت أسطوانات أغانيهِ تعم كل أنحاء فلسطين[5]، فتحول الكثير من شعرهِ إلى هتافات على أفواهِ الناس في المسيرات والمظاهرات، وبعض أغانيهِ ما زالت متداولة حتى اليوم. سيرة ذاتيةعائلتهولد نوح في حي وادي النسناس في مدينة حيفا في بيت رقم 30، من أب فلسطيني عمل في بلدية حيفا وأم من أصل كريتي تسمى زيدة، وهي سبية جيء بها من جزيرة كريت إلى ميناء حيفا في العهد العثماني، فآواها الشيخ عبد السلام أحمد أبو الهيجاء من قرية عين حوض (قضاء حيفا) وزوّجها إلى شاب من أقاربهِ اسمه حسين أبو الهيجاء وسكنا في حيفا، فأنجبت منه ولداً اسمه مصطفى، ولكن توفي الزوج بعد فترة قصيرة. بعدها تزوجت السيّدة زيدة والد نوح الذي كان يسكن في حي وادي النسناس في حيفا ويملك بيتاً مكوناً من طابقين. أنجبت منه ولداً (نوح) وابنة (بديعة) ومن ثم أستشهد الوالد بعد 4 سنوات من الزواج عندما كان نوح صغيراً، ولم يخلف للعائلة سوى البيت، فعاشت عائلته في فقر من بعدهِ، حيث كان دخلها الوحيد أجرة الطابق الأول من البيت، الذي أجرته للحاج محمد عبد القادر أبو الهيجاء. في مرحلة لاحقة تزوّجت بديعة، أخت نوح، وأنجبت ابنتين، أما أمه زيدة فهاجرت إلى بيروت خلال أحداث النكبة عام 1948، وتوفيت فيها عام 1952.[3][6] نشأتهنتيجة لوفاة الوالد بجيل مبكّر وقلّة المدخولات عاشت عائلة نوح في فقر وحاجة، لذلك عاش نوح في دير للراهبات تحت رعاية الراهبة روت سنبل[7][8] سنوات قليلة، كان يزور أمه وهي تزوره، حتى عاد إلى البيت للعيش مع أمهِ. عندها التحق نوح بالمدرسة الإسلامية التي سميت فيما بعد مدرسة الاستقلال، وهي المدرسة الوحيدة في حيفا آنذاك عام 1929، وهي تقع في منطقة وادي الصليب.[9] تلقى نوح تعليمه في المدرسة من العلماء والمجاهدين في المدرسة الإسلامية أمثال مدير المدرسة آنذاك الشيخ كامل القصاب، ومدير المدرسة رشيد بك بقدونس، والرياضياتي درويش القصاص (خريج معهد السوربون الفرنسي)، ومدرّس اللغة الإنكليزية هاني (بكالوريوس إنكليزي من الجامعة الأمريكية)، الشيخ والمجاهد الإمام عز الدين القسام والشيخ رضا. ثم ترك الدراسة وعمل في أحد مطابع حيفا. وعند انتهائه من التعليم في المدرسة الإسلامية وذلك في الصف السادس تم إرساله في بعثة إلى مدرسة دار الأيتام في القدس حيث تعلم هناك تجليد الكتب وبناء الصناديق الكرتونية فضلاً عن الطباعة.[3] شبابهبعد تخرجه بدأ نوح حياته النضالية والعمالية، إذ عمل في شركة الدخان في مدينة حيفا، وكان في الشركة ينشر تعاليم النضال والجهاد، ويغرسها في نفوس العمال حتى نجح في تنظيم كثيرين منهم في جماعة الشيخ عزّ الدين القسّام. فيما بعد قرر نوح أن يترك العمل في شركة الدخان، ليتقدّم في مجال الصحافة والإعلام، وسافر إلى يافا فعمل محرراً في كثير من الصحف التي كانت تصدر فيها. وكذلك ساهم في تأسيس المطبعة التجارية الأهلية في مدينة حيفا.[10] لاحقاً، خلال عام 1934، انتقل نوح إلى العراق للعمل كخبيراً فنياً في إحدى مطابع بغداد وامتاز بعملهِ حتى اعتبرته معظم المطابع البغدادية أفضل الفنيين بها. وخلال عملهِ في هذه المطبعة، توجّه الأستاذ راشد بن صباح الجلاهمة، من أهالي البحرين، إلى مدير المطبعة في بغداد وطلب منه أن يقدّم لنوح عرض للعمل كخبير فني في مطبعة البحرين التي تستعد لإصدار أول صحيفة بحرينية. يعود هاجس إنشاء هذه الصحيفة البحرينية إلى عبد الله الزايد، تاجر لؤلؤ بحريني تعرضت أعماله للتراجع ففكر باستثمارِ قدراتهِ الفكرية والأدبية في احضار مطبعة إلى البحرين في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، ولذلك أرسل صديقه راشد الجلاهمة إلى بغداد لهدفين: الأول وهو التدرّب على أعمال الطباعة فمكث راشد سبعة أشهر يتدرّب في مطابع بغداد، وأما الأمر الثاني هو إحضار خبير في الطباعة من بغداد ليقوم بتدريب الفريق البحريني الذي سيعمل في المطبعة، فوقع الاختيار على شخص نوح إبراهيم.[11] تفاجئ نوح من العرض وطلب فرصة للتفكير، وبعد أسبوع وافق على العرض وسافر مع راشد الجلاهمة إلى بلاد اللؤلؤ بالمركب الشراعي الكبير المقبل من البصرة إلى ميناء المنامة، مرتدياً ثوبهُ الأبيض العربي الذي كان دائماً يصر على أرتدائهِ. بعد وصوله للمطبعة علم نوح أنه الوحيد الذي يعرف تشغيل آلات الطباعة الحديثة التي في المطبعة، لذلك بدأ بتدريب البحرينيين على آلات الطباعة وكيفية العمل معها. خلال الأشهر الثلاث الأولى استطاع نوح تدريب العديد من العمال في البحرين، ليكون هناك طاقماً بحرينياً كاملاً من صفافي الحروف والطباعين والعمال أمثال: عبد الرحمن الحسن، عبد الرحمن عاشير، محمد الجودر، أحمد فليفل، مصطفى بوعلاي، عبد الله المناعي وغيرهم .[12] ومن ثم قام بوضع نظام العمل في المطبعة، وقام بتوزيع العمل بين طباع، معاون، عامل بقسم التجليد، عامل بقسم الورق وعامل بقسم التسطير.[11] فأحبه من عمل معهم، وتسابقوا في استضافتهِ في بيوتهم ومجالسهم. عند نجاح المطبعة وتقدّمها راح يتذكّر نوح أشعاره وأهازيجه، وبالرغم من العمل الشاق في المطبعة إلا أن روحه الشاعرة جعلته يحرص على حضور جميع المجالس في المحرق والمنامة، التي دعي لها ليسمع الحاضرين أناشيده وأهازيجه الوطنية عن فلسطين والثورة ضد الانتداب الإنجليزي، فراحت المجالس تتنافس على حضورهِ لأناشيدهِ المميزة وروحه المرحة التي عرف بها. خلال هذه الفترة كتب نوح أيضاً أشعار وأهازيج خاصة بالبحرين، حيث يقول في أشهرها:[12] بحرين يا بلاد اللؤلؤ بحرين منج بن طولوا نخلج طويل بيشفى العليل والروح تفداك ... بحرين إحنا جيناك نحب انفرفش بهواك تكرمين الضيف في الشتاء والصيف كما يظهر في الأبيات، كانت حياة نوح مريحة في جزر اللؤلؤ وراح يرسل رسائل إلى أصدقائهِ وأهلهِ في بغداد وحيفا، يصف عمله الجديد والحياة المريحة والبلاد الخلابة. وعشية انتهاء العام الأول من عمله في البحرين بدأت المطبعة أعمالها التجارية مقبلة لإصدار أول صحيفة أسبوعية في الخليج لصاحب المطبعة عبد الله الزايد. لكن بعد انتهاء العام الأول من عمله بدأت أخبار ثورة 1936 تصل إلى البحرين. من هنا، وبالرغم من استقرارِ وضعهِ في جزر اللؤلؤ ونهضة المطبعة، عزم نوح على حزم أمتعته والالتحاق بالثوار ومحاربة الإنجليز واليهود في فلسطين، كما أوضح لصديقه راشد الجلاهمة «الكلام ما عاد ينفع مع هؤلاء الجلادين».[13] كل طلبات صاحب المطبعة وعمالها منه بالبقاء لم تجد نفعاً، فإنه كان ينتظر أول سفينة تقلهُ إلى البصرة ليعود من هناك إلى فلسطين بعد أقل من عام ونصف قضاها في البحرين. فكان طلبه الأخير من البحرينيين: إذا لم تجاهدوا في فلسطين بالنفس فجاهدوا بالمال. أما بعد عودته لفلسطين ولحياة الجهاد، فقد أبعدته القوات البريطانية عن شمال فلسطين لاشتراكهِ في النضال ضد الانتداب البريطاني، فمكث في قرية عين كارم، حيث اشتهر بعرض المسرحيات في القرية.[14] نضالهخلال عمله في يافا التحق نوح بعز الدين القسام، وكان يرافقه في رحلاته إلى قرى حيفا وجنين، ويتأثر بتعاليمه في جامع الاستقلال في حيفا. وفي عام 1931 أسس مع رفاقهِ عصبة من الكشافة، أطلق عليهم الشيخ عز الدين القسام «عصبة فتيان محمد الأباة» وتولّى نوح التدريب والتثقيف لهذه الجماعة، فكان يعلم الأشبال استعمال السلاح، ويحفّظهم الأناشيد الوطنية. زجّت حكومة الانتداب البريطاني في شهر شباط/فبراير عام 1937 نوح إبراهيم في سجن المزرعة ثم في سجن عكا، وذلك إثر انتشار أنشودته «دبّرها يا مستر دل» بها خاطب بسخريّة الجنرال دل عند تعيينه من قبل بريطانيا كالقائد العام للجيس البريطاني في فلسطين لقمع الثورة .[15] ووصف نوح إبراهيم في مذكراتهِ كيف دخل السجن
. إلا أنه كما يبدو أُعجب القائد دل بشخصية نوح إذ جيء به من السجن ليقابل المسؤول البريطاني الجنرال دل، فأطلق سراحه بعد خمسة أشهر من السجن.[18] استمر نوح يقاتل ويقارع الإستعمار والحركة الصهيونية من جهة، ويؤلف القصائد والأهازيج الشعبية وينشدها من جهة أخرى، حتى أصبحت هذه القصائد الشعبية شوكة في حلق سلطات المستعمر البريطاني الغاصب. فأصرت على منعها أو تداولها. وفي 22 شباط/فبراير 1938، أصدر مراقب المطبوعات البريطاني في فلسطين «أوين مريديت تويدي»، المعروف بإرهاقه للصحف الفلسطينية آنذاك، قراراً يمنع فيه السماح بنشر أو طبع قصائدهِ، وهذا نص القرار:[16][19]
وفاتهاستشهد نوح عندما كان عمره لا يتجاوز الـ 25 عامًا بعد التحاقه بالثورة حاملًا سلاحه، فضلُا عن قلمه وصوته. فبينما كان ذاهباً لزيارة أقاربه في قرية مجد الكروم، يرافقه ثلاثة من رفاقه، في طريقهم عند قرية طمرة كان الإنجليز يقومون بتحصينات لهم في الجبل. فانتبهوا إلى هؤلاء الخيالة، ورصدوا تحركهم، وبينما كانوا يصعدون من وادي عميق من أراضي كابول إلى قرية كوكب أبو الهيجاء الجليلية كمن الإنجليز لهم قريباً من خربة ضميدة، وفي موقع حرشي يسمى الصنيبعة بالقرب من طمرة[20] ترجّل الفرسان الأربعة ليستريحوا قليلاً ففاجأتهم قوة عسكرية بريطانية مدعومة بأسراب من طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني[21] بينما كانوا يهمون بالرحيل فسقط نوح شهيدًا مع كل من رفاقه الثلاثة: محمد خضر قبلاوي وعزّ الدين خلايلة، أبو رعد (من السوريين الذين تطوّعوا في الثورة)[16]، مساء يوم الجمعة أول يوم من رمضان عام 1357 هـ الموافق 28\10\1938 وألقى الإنجليز جثثهم في بئر، ثم جاء أهل طمرة وحملوا جثث الشهداء إلى الجامع القديم بالقرية، وصلوا عليهم صلاة الجنازة، ودفنوهم في طمرة في المقبرة القديمة في البلدة، وقد أقيم لهم نصب تذكاريّ في القرية عام 1986.[6] ذاع خبر وفاة نوح إبراهيم في البلاد العربية، فكتبت صحيفة «الشباب» في القاهرة، التي امتلكها المجاهد الفلسطيني محمد طاهر عن وفاة نوح الخبر الآتي:[22] أشهر قصائدهأصدر نوح قصائده في كتيب ما زالت طبعته الأولى محفوظة لدى عدد قليل جدًا من العائلات، كتب على غلافها الداخلي “مجموعة قصائد فلسطين المجاهدة – نظم وتلحين نوح إبراهيم الشاعر الشعبي الفلسطيني وتلميذ القسّام – حيفا- فلسطين – تحتوي على القصائد والأزجال الشعبيّة الاجتماعية الوطنية والحماسية والأسطوانات الشعبية الجديدة التي تصدر قريبا – حقوق الطبع والتأليف والتلحين محفوظة وخاصة”.[16] من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وكذلك نظم قصائد أخرى:
عز الدين با خسارتك رحت فدا لامتك
حطّة وعقال بعشر قروشْ والنذل لابس طربوشْ
أوسمة وتخليد ذكره
مؤلفات حولهصدر حوله عدد من المؤلفات هي:
وصلات خارجية
المراجع
مواقع خارجية |