ذكر الرحالة والمؤرخ ابن بطوطة جامع الزيتونة في رحلته المنشورة في كاتب: ((رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار))، وذلك في معرض حديثه عن أحد علماء الدين، وهو أبو علي عمر الهواري، إذ قال عنه: «ومن عوائده أنه يَسْتَنِدُ كلَّ يوم جمعة بعد صلاتها إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة، ويستفتيه الناس في المسائل، فلما أفتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه ذلك»[3]
الترميمات
نذ إنشائه، شهد الجامع عمليات ترميم وتبديل عبر مختلف السلالات الحاكمة التي مرت على تونس.
جامع الزيتونة يشبه جامع قرطبة و جامع عقبة بن نافع في القيروان، مع فنائه الخماسي، المحاط برواق من القرن العاشر. الرواق الذي يدير صحن الجامع يرتكز علي أعمدة ذات تيجان، بينما الأروقة الثلاثة الأخرى ترتكز على أعمدة من الرخام الأبيض المستورد من إيطاليا في منتصف القرن التاسع عشر. في منتصف الفناء أو الصحن، توجد مزولة شمسية، تساعد على تحديد أوقات الصلاة. قبة الصحن الموجودة في مدخل قاعة الصلاة، تتكون من زخارف من حجر المغرةوالطابوق الأحمر. المحارب الموجودة في المسجد ترجع للطراز الفاطمي. قاعة الصلاة المعمدة ذات الشكل المربع (56 متر على 24 متر)، تغطي مساحة 344 1 متر مربع، بينما حوالي 160 عمود يحددوا حدود 15 فناء و6 أروقة. الصحن (الفناء) الأوسط والرواق ورواقه أعرض من البقية بقليل (4.80 متر مقابل 3) يتقاطعون أمام المحراب الذي هو نفسه تسقبه قبة مكتوب عليها اسم الخليفةالعباسيالمستعين بالله. المنارة المربعة في الزاوية الشمالية الغربية للفناء، يبلغ طولها 43 متر، وهي تشبه زخرفة المنارة الموحدية في جامع القصبة، وهي مصنوعة من الحجر الجيري على خلفية الحجر الرملي.
الواجهة الشرقية، تم إتمامها بفناء مزخرف بأعمدة من الطراز الحفصي.
لم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي تمتع به جامع الزيتونة، بل شكل دوره الحضاري والعلمي الريادة في العالم العربي والإسلامي إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس، وذلك عبر جامعة الزيتونة، وقد لعب الجامع دورا طليعيا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقيا أشاعت روحا علمية صارمة ومنهجا حديثا في تتبع المسائل نقدا وتمحيصا، ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي بن زياد مؤسسها وأسد بن الفراتوالإمام سحنون صاحب المدونة التي رتبت المذهب المالكي وقننته.
ومع دوره كمكان للصلاة والعبادة كان جامع الزيتونة منارة للعلم والتعليم على غرار المساجد الكبرى في مختلف أصقاع العالم الإسلامي، حيث تلتئم حلقات الدرس حول الأئمة والمشايخ للاستزادة من علوم الدين ومقاصد الشريعة وبمرور الزمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة يتخذ شكلا نظاميا حتى غدا في القرن الثامن للهجرة، عصر ابن خلدون، بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها ونواميسها وعاداتها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها، وتشد إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبا للعلم أو للاستزادة منه.
وقد ساهم جامع الزيتونة خلال فترة الاستعمار الفرنسي في المحافظة على الثقافة العربية الإسلامية لتونس، وقاوم بصلابة محاولات القضاء على انتماء تونس العربي الإسلامي، وكان جامع الزيتونة هو المدافع عن اللغة العربية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ تونس بعد أن فقدت اللغة العربية كل المدافعين عنها تحت تأثير وسيطرة الاستعمار، مما جعل المقيم العام الفرنسي يقول: «عندما قدمت إلى تونس وجدت أكثر من عشرين ألف مدافع عن العربية», وهو يقصد طلاب العلم في جامعة الزيتونة.
معرض الصور
جامع الزيتونة المعمور
مئذنة جامع الزيتونة كما كانت تظهر من نهج سيدي بن زياد عام 1880
مئذنة جامع الزيتونة كما كانت تظهر من نهج سيدي بن زياد عام 1920
مئذنة جامع الزيتونة كما كانت تظهر من نهج سيدي بن عروس حوالي عام 1900
^محمد بن عبد الله ابن بطوطة; ابن جزي الكلبي (١٨٥٣). رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (بعربي).{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)