الوقوف على الموضوع:
عندما يعزم الباحث على وضع خريطة إقليمية لمنطقة ما يجب عليه أولا أن يتساءل عما يعرفه حول هذه المنطقة وسيجد في غالب الأحيان أن معلوماته جزئية وليست كاملة فيجدر به أن يتعرف علي الإقليم وعلى المقومات التي يتكون منها. وعندما يكون قد حصل على دراية كافية يتجه إلى المراجع المتخصصة ويدقق في البحث عن طريق طرح أسئلة متتالية على شكل حوار متواصل بينه وبين المصادر حتى تتبلور نتيجة ذلك في صورة متكاملة واضحة للإقليم يوقعها على الخريطة.
تشمل النصوص كل ما كتب من مراجع علمية وأبحاث في الجغرافيا العامة والأبحاث المتخصصة والمقالات المطبوعة في المجلات وغيرها وكثيرا ما تزخر المكاتب العامة والخاصة بهذا النوع من المراجع بحيث أنه لا يصح للباحث أن يستغني عنها حتى ولو قام عائق اللغة كما هو الحال في بعض الأحيان.
يجب الملاحظة هنا أن نظرة الدارس الذي يستعد لتحرير خريطة إقليمية إلى هذه المراجع تختلف بعض الشيء عن نظرة زميله الذي يستعد لكتابة مقال جغرافي لأنه يراعي دائما في اقتناء المعلومات إمكانية توقيع هذه المعلومات على الخريطة وهناك بعض الظواهر نقطية الانتشار يمكن تحديد مواقعها بسهولة وهناك بعض الظواهر الأخرى تتصف بالتوزيع المساحي الذي إذا لم يحدد بدقة في النص لا يمكن توقيعه عن طريق النص وحده ويجب على هذا الأخير أن يكون معززا بخريطة حتى تسهل الاستفادة منه.
ومقياس الدراسة مهم هنا كذلك لأن كبر المقياس يتبعه صغر المنطقة المدروسة وإذا صغرت المنطقة قلت المصادر الخرائطية.[1]
المصادر الخرائطية
تنقسم المصادر الخرائطية إلى قسمين:
القسم الأول: مصادر عامة كالأطالس العامة والخرائط التي تتضمنها المراجع الجغرافية وتتصف المصادر التي تدخل تحت هذا العنوان بدقة ضئيلة في التوقيع ودرجة تعميم كبيرة فلا تصلح للاستدلال أو كقاعدة لرسم حدود الخريطة الأساسية.[2]
القسم الثاني: يتكون من المصادر العامة التي تشمل الأطالس الوطنية والإقليمية والخرائط المرافقة للأبحاث والمقالات المتخصصة وتتميز هذه المراجع بالدقة الكبيرة وكثرة المعلومات بحيث أنه يصعب على الباحث أن يستغلها كما هي في رسم الخريطة الإقليمية ويجب عليه أن يعيد توقيعها بشيء من التلخيص والتعميم.
أما الإحصائيات فنحصل عليها في المنشورات الدولية عامة كانت أو كانت متخصصة بموضع معين وكذلك في المنشورات الوطنية التي تصدرها الوزارات والمؤسسات الحكومية ودور البحث العلمي ونحصل عليها أيضا في المجلات والأبحاث التي تنشرها الجامعات والجمعيات العلمية والمهنية المختلفة.
تحليل البيانات وتصنيفها
يشرع الباحث بعد جمع المصادر في تحليل المعلومات التي تتضمنها ويأتي بالعلاقات الموجودة بين الظواهر ويحدد درجة الاتفاق أو التباين في انتشارها عن طريق المقارنة. وكثيرا ما تدخل العلاقات هذه تحت عنوان الحتمية ويجب على الدارس أن يعرف هذه الحتمية ولا يبالغ في استعماله.
إن الحتمية الجغرافية ليست حتمية التربة أو التضاريس أو المناخ فقط بل هي حتمية تفرضها مجموعة من الظواهر الطبيعية التي إذا اجتمعت وتراكبت بدرجات متفاوتة كونت لنا وسطا خاصا وبيئة معينة، فحذري إذا من الاستنتاجات السريعة وقلة التمعن في العلاقات الظاهرية والارتباطات السطحية الخادعة. ويجب الملاحظة أن الارتباط لا يكون فقط بين العنصر الطبيعي من جهة والعنصر البشري من جهة أخرى بل أيضا بين مختلف المظاهر المكونة لكل عنصر.
و لا تأتي صعوبة رسم الخريطة الإقليمية من قلة البيانات والعلاقات الواصلة بينها لكنها بالعكس كثيرا ما تأتي من هذه المعلومات وهذه العلاقات حتى أن الباحث يحتار فيما سيقعه وما سيتركه، فهناك عملية اختيار وانتقاء يجب القيام بها.
نبدأ هذه العملية بتحديد ما سيدخل في تكوين شخصية الإقليم المدروس فنحتفظ به ونتنازل عما ليس له أهمية أساسية في هذا الميدان.
ولا يمكن أن يكون اختيار المقومات عفويا يرجع إلى محض الصدفة بل يجب على الباحث أن يتصور الخريطة قبل رسمها وينطلق من هذا التصور.
و ليست هناك طريقة خاصة معينة للقيام بعملية الاختيار لأن ذلك لا يكون إلا ببعد الاطلاع على ماهية الإقليم ليسمح هذا الاطلاع بتحديد العلاقات التي يجب توقيعها حتى تبرز وحدة الإقليم وتباينه عما يجاوره.
قد يكون الاختيار جبريا أي أننا نعلم من أول وهلة أن ظاهرة معينة (طبيعية أو بشرية) لا تعد من مقومات الإقليم فلا نهتم بها.
كما يرتبط الاختيار في كثير من الأحيان بمقياس البحث ووجوه الاختلاف الموجودة في منطقة صغيرة لا تكون ناتجة عن النظام المناخي السائد بها وليس صحيحا إذا أن نعطي أهمية فائقة لعنصر المناخ في تقويم هذا الإقليم.
و يفرض كبر مقياس الخريطة أيضا نوعا آخر من الاختيار فإذا صغرت المساحة قلت البيانات وتفاوتت درجة الدقة فها فلا نختار إلا المعلومات المتجانسة التي تتسم بدقة كافية.
و تسهل عملية الاختيار بفرز المعلومات وترتيبها تحت عناوين واضحة ويكون الفرز على جميع المستويات اللازمة، حسب الميدان الطبيعي والميدان البشري أولا ثم داخل عناصر كبيرة في هذين الميدانين وأخيرا ضمن الأنماط التي تتكون منها العناصر الكبيرة.
ويمكن أن تكون عملية ترتيب البيانات على الطريقة التي اتبعت في الفرز دون أن يكتفي بها بل يراعي أيضا أسسا أخرى تشمل البنية والعلاقات التاريخية ونشأة الظاهرات ونوعية التطور الذي تتصف به، فلا يكون الترتيب سطحيا واسميا فقط بل عميقا ويأتي عن تمعن في شخصية الإقليم (أي ترتيبا جغرافيا بمعنى الكلمة) يأخذ بعين الاعتبار كل ما يدخل في وصف بيئة معينة.
و بالترتيب هذا تبدأ عملية الشرح والتركيب التي تتضمنها الخريطة الإقليمية وهي الطريقة الوحيدة التي تسمح بتوقيع حقيقة الإقليم المعقدة ببساطة ودون غموض.[3][4]
صفات الخريطة الإقليمية
إن الخريطة الإقليمية ليست بلوحة فنية ولا تتطلب من وضعها معرفة كبيرة لنقد الرسم، إنها مجرد وسيلة تعبيرية شأنها شأن الرسوم الهندسية التي يستعملها علم الهندسة ويكفي لتحقيقها أن توفر بعض الشروط وتطبيق بعض القوانين.[5]
الوضوح وسهولة القراءة
يلعب هذا الشرط دور أساسيا في رسم الخريطة الإقليمية ويكون الوضوح في الشكل العام للخريطة كما يكون في الجزئيات والتفاصيل، إذ لجب أن تبرز لنا الخريطة أهم العناصر المكونة للإقليم من أول نظرة كما يجب أن تمكننا من الإطلاع بصورة واضحة على أدنى جزء منها.
و يأتي الوضوح من النظافة في التنفيذ قبل كل شيء فيجب رسم المستقيمات بالمسطرة والدوائر بالفرجار وتنظيف الخريطة من أي نقطة ومحو جميع الخطوط الثانوية التي تستعمل عادة لتوقيع الخريطة «شبكة المربعات المستعملة لتغيير مقياس رسم الخريطة مثلا» كما يتجلى الوضوح في حسن اختيار الرموز حتى إذا ركبت واحدة على الأخرى لا ينتج غموضا من ذلك التركيب أما سهولة القراءة فتأتي من الاقتصاد في استعمال الرموز وحسن اختيارها والصعوبة تزداد مع تعدد الرموز وكثرة تنوعها كما يلعب مقياس رسم الخريطة دورا مهما في تعيين درجة الدقة التي ترسم بها الرموز حتى لا تتداخل وتطمس الخريطة لكنه لا يسمح للوضوح أن يكون على حساب وفرة المعلومات لأننا لا نستطع وضع صورة تركيبية ذات قيمة كبيرة بتوقيع بيانات قليلة.[6] فإن لم تسمح لنا الخريطة بإعطاء جميع المعلومات عن الإقليم فلها على الأقل أن تبرز لنا أكثر الأمور عنه.
التبسيط والتعميم
ومما سبق ذكره يتبين أن التبسيط والتعميم شرط وجب توفره في الخريطة مهما كبر مقياس رسمها ويكون التعميم والتبسيط سواء في مستوى رسم الخطوط الأساسية للخريطة «من سواحل وأنهار وطرق» أو في مستوى توقيع البيانات التي قررنا الاحتفاظ بها.
و نقصد بالتعميم بساطة الرسم خاصة. فكثرة الدقة بدون لزوم تنقل الخريطة وتطمس معالمها الأساسية.
و درجة التعميم تكون تابعة لأهمية الظاهرة الموقعة فنكتفي بمجرد التلميح بظاهرة معينة لأنها تلعب دورا ثانوي في حين أننا نوقع ظاهرة أخرى ذات أهمية بالغة بكثرة من التفصيل فقضية التعميم نسبية إذا ولا يصح التفصيل أو المبالغة فيها كما لا يصح التعميم أن يكون على حساب الدقة أو صحة توقيع البيانات لأنه يجب على الخريطة أن تعطي صورة صادقة على الإقليم رغم بساطة التمثيل وتعميم البيانات فيها ويتطلب درجة كبيرة من الدقة في التفكير لأنه أمر يصعب الحصول عليه.
الدقة
تكون الدقة في التوقيع وجلب المعلومات الصحيحة، فالبيانات الموقعة في غير مكانها تغير مدلول العلاقات الناجمة من التركيب كما تشوه المعلومات المزيفة لشخصية الإقليم المدروس، فيجب على الباحث أن يكون أولا: دقيقا في اقتناء معلوماته وثانيا: في تحليل البيانات وثالثا: في توقيع الظواهر.
و الدقة في اقتناء المعلومات هي أن يبحث على البيانات الصحيحة الحديثة ويتحقق من صحتها. فلا يجوز له أن يستغل إحصائيات السكان لسنة 1967 ويترك إحصائيات سنة 1998 مثلا كما أن الدقة في تحليل البيانات هي ألا يكتفي بالظاهر ويترك الكامن ويسرع في الاستنتاج عندما يكون التعميم أمرا ضروريا أما الدقة في التوقيع فتقوم على اختيار الرمز المناسب من جهة وتوقيعه في المكان المعين له من جهة أخرى.
التعبير
نقصد بالتعبير شرط اختيار الرموز المناسبة لكل ظاهرة بحيث تتوفر فيها صفات تجعل الخريطة ناطقة يسهل الوقوف عما تتضمنه وتخص هذه الصفات شكل الرمز وحجمه فالشكل بما فيه اللون يوحي لنا بطبيعة الظاهرة الموقعة أما الحجم فيبرز أهميتها بين مقومات الإقليم.[7]
^"الخريطة | مجلة القافلة". web.archive.org. 7 مايو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-05-07. اطلع عليه بتاريخ 2024-08-05. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |تاريخ أرشيف= و|تاريخ-الأرشيف= تكرر أكثر من مرة (مساعدة) والوسيط |مسار أرشيف= و|مسار-الأرشيف= تكرر أكثر من مرة (مساعدة)صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)