Share to: share facebook share twitter share wa share telegram print page

 

مستخدم:الشيخ عمرفاروق محمود محمد/ملعب

حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام


إعداد

عمر فاروق محمود محمد

كبير ائمة أوقاف أسيوط

بحث مقدم إلى

هيئة قضايا الدولة

وقف المستشار/ محمد شوقي الفنجري

لصالح خدمة الدعوة والفقه الإسلامي.

2018م

الإهداء

أهدي بحثي العلمي في سبيل الله إلى هيئة قضايا الدولة مسابقة وقف المستشار محمد شوقي الفنجري لصالح خدمة الدعوة والفقه الإسلامي لخدمة الدعوة والفقة الإسلامي وإلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من غير أي مقابل مادي وأكتفي بشرف الإشتراك في مجال البحث العلمي.

    عمر فاروق

أوقاف أسيوط .

المقدمة:

        "بسم الله الرحمن الرحيم" الحمد لله رب العالمين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له قال الله تعالى : " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ " (سورة النور: الآية 61) وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله قال له الله  : " عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى . كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ " صدق الله العظيم ( سورة عبس: الآيات 1 – 11)

         اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين   . وبعد: أكتب بحثي في موضوع حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام لما له من أهمية خاصة في خدمة الدعوة الإسلامية وحاجة المجتمعات إليه وإبراز دوره السامي في الإسلام وعدم إستغلاله أو تشويهه أو السخرية من ذوي الإعاقة.

                                                                                                                                                                                                                 خطة البحث:

هي الأساسيات والخطوط العريضة التي أتبعها وأحددها كوسيلة إرشادية في تنفيذ دراستي للبحث، وأنها الخطوات الأولية التي أضعها لأنتهجها في كتابة بحثي العلمي والحصول على النتائج المطلوبة . ولقد قسمت البحث العلمي وعنوانه : حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام .

إلى ثلاث مباحث في كل مبحث مطلبين ، والنتائج والتوصيان والمصادر والمراجع .                                                                                                                                                       أهداف البحث:  ما أرجو تحقيقه من بحثي، شاملاً الأهداف الثانوية والرئيسية، في موضوع حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام ، المبحث الأول- الإعاقة ، المطلب الأول المعاقون في القرآن الكريم - رعاية السنة النبوية بذوي الإعاقة - الإعاقة في الإسلام - مراعات الله عزوجل لذوي الإعاقة - لمن لم يبتلى بالإعاقة - المطلب الثاني نظرة إسلامية على ذوي الإعاقة - نماذج لمعاملة ذوي الإعاقة في ظل الإسلام - المعاق في الحياة الإسلامية ومكانته الائقة - المبحث الثاني نظرة الإسلام لذوي الإعاقة - المطلب الأول حقيقة الإعاقة في الإسلام -الجانب الإيماني للمعاق - المعاق الحقيقي - نظرة تاريخية للمعاق - الحقوق التشريعية للمعاق - معاقون في المقدمة - ذوي الإعاقة ومنزلتهم عتد الله - مكانة المعاق - المطلب الثاني منزلة ذوي الإعاقة في السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع -عناية الإسلام بذوي الإعاقة - المبحث الثالث حقوق ذوي الإعاقة - المطلب الأول دمج المعاق في المجتمع كيف قرره القرآن الكريم والسنة النبوية؟- الأمور التي جعلها الإسلام للوقاية من الإعاقة - انواع الإعاقة - تأثير البيئة المحيطة على ذوي الإعاقة - المطلب الثاني النظرة السوية لذوي الإعاقة ، المعوقون في عهد الخلفاء الراشدين والحكام المسلمين ، سبل الوقاية من الإعاقة ، النتائج والتوصيات ، الخاتمة ، المصادروالمراجع .                                                                                                                                          إشكالية البحث:  هي سؤال شامل لكل ما يحتويه البحث بإجابته، مثل  ماهي الإعاقة؟ ، دمج المعاق في المجتمع كيف قرره القرآن الكريم والسنة النبوية ؟ ، واُجيب عليها في مختلف أجزاء البحث.

      اسأل الله العظيم أن يعمَّ الخير به على المؤمنين إنه سبحانه قريب مجيب .

                                                               إعداد الباحث

                                                 عمرفاروق - أوقاف أسيوط.

                                                                                                                                                                                                                                             

المتن والموضوع :

حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام .

المبحث الأول: ما هي الإعاقة؟

التعرف على لفظ إعاقة ، ورد في القاموس المحيط العَوْقُ : الحبس والصرف والتثبيط ، ويقول عوق ( عاقة) عن كذا ، حبسه عنه وصرفه

  مصطلح الإعاقة في الإسلام:

كلمة الإعاقة هي كلمة عربية أصيلة استعملها القرآن الكريم في سياق بمعنى سلبي يصف بها المنافقين الذين خذلوا المسلمين وحاولوا تثبيطهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا)      ( سورة الأحزاب، الآية 18).

                                                                                                  الإعاقة: هي الحبس عن أداء شيء ما .

الإعاقة: خلل ناتج عن فقد أو شذوذ في التركيب أو في الوظيفة السيكولوجية أو الفيزيولوجية المؤدي إلى العجز وعدم القدرة على القيام بنشاط بالطريقة الطبيعية ويطلق المصطلح على المقعدين والمشلولين ذوي العاهات ويندرج معهم الزمنى والمعاتيه والبله.                                                                                            

الإعاقة هي "قصور أو خَلل في القُدرات الجسميَّة أو الذهنيَّة، تَرْجِعُ إلى عواملَ وراثيَّةٍ أو بيئيَّة تُعيقُ الفردَ عن تعلُّم الأنشطة التي يقوم بها الفرد السليم المشابِه في السنِّ"، هذه الإعاقة قد تكون بسبب "خَلَلٍ جَسَدي أو عَصَبي أو عَقْلي للتركيب البنائي للجسم"، وأضافت المنظمَّة أنَّ هذا الخلل أو العجز يؤدي بالشخص إلى عدم تمكُّنه من أداء واجباته الأساسية معتمِدًا على ذاته، أو ممارسة عمله والاستمرار فيه بالمعدل الطبيعي .

المعاق: هو مَن به عاهةٌ تمنعه وتحبسه عن أداء شيء ما، أو بتعبير أدق: هو كل إنسان يُمنَع عن أداء شيء يستطيع القيامَ به الإنسانُ الطبيعي، يشمل هذا كل قصور يصيب الإنسان في بدنه أو عقله؛ مثل: الأخرس، والمشلول، والأعمى، والمجنون، وغير ذلك .

ذوي الإعاقة هو مصطلح واسع يبدأ من الأشخاص الذين يعانون من خللٍ بسيط في النمو أو الحس أو الإدراك إلى الأشخاص الذين يعانون من إعاقات واضحة جسديّة أو عقلية أو نفسية من جميع الأعمار والأجناس، والتي تنتشر بعدّة أنواع ومسميات مختلفة ما بين البسيط منها كبطء التعلم إلى الحاد كالتخلف العقلي، وما بين حساسية العظام إلى هشاشة العظام، وبالتالي تظهر أهميّة معرفة نوع وحدة الإعاقة التي يعاني منها كل فرد من ذوي الإعاقة بهدف تحديد نوعيّة العلاج المناسب والطرق المتبعة في ذلك.                                                                    الإعاقة حقيقتها إصابة الإنسان من آفات أو نقص في بدنه، وفقد بعض حواسه، وعقله وسلوكه .                                                  المعاق؟

هو الشخص المصاب بعجز كلي أو جزئي خلقي أو غير خلقي وبشكل مستقر في أي من حواسه أو قدراته الجسدية أو النفسية أو العقلية إلى المدى الذي يحد من إمكانية تلبية متطلبات حياته العادية في ظروف أمثاله من غير المعاقين .                    تعريف ذوي الإعاقة هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى معاملةٍ خاصةٍ للقدرة على استيعاب ما يدور حولهم؛ بسبب إصابتهم بنوعٍ من الإعاقات التي تعيق قدرتهم على التأقلم مع الأمور كما هم الأشخاص الأصحاء، ولا يستطيع هؤلاء الأشخاص التعلّم في المدارس العادية، وإنما يحتاجون إلى أدواتٍ خاصةٍ وطرق خاصة تتناسب مع قدراتهم ويعاني ذوي الإعاقة من الإعاقات منها السمعية أو البصرية، وتأخر النمو العقلي الذي قد يسبب بطء التعلّم، والاضطرابات السلوكية، والإعاقات النفسيّة.

                           المطلب الأول : المعوق في القرآن الكريم:

الإسلام هو الدين الشامل؛ لم يغفل حقًا ولم يفرط في أمر من أمور الحياة. والمعوق كجزء من هذه الحياة ذكر القرآن الكريم حقوقه وحث على الاهتمام به في غير موضع، نذكر منها سورة عبس وما جاء فيها من عتاب شديد للرسول صلى الله عليه وسلم حين اهتم بالرجل السوي الجسم صاحب الجاه والمال رغبة في إسلامه، وأعرض حتى لو كان بغير قصد عن ذلك الكفيف عبد الله بن أم مكتوم فلننظر إلى القرآن وحثه على الاهتمام بالناس دون تفريق في النواحي الجسمية وإنما بالنظر إلى أنفسهم. بسم الله الرحمن الرحيم(عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى . كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . ). ( سورة عبس: الآيات 1 – 11)

فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالإنذار أحدًا بل يساوي بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار، والله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.

إن الإسلام قبل أربعة عشر قرنا ضرب لنا درسًا ومثالا في رعاية المعوقين والالتزام بحقوقهم وأهمها حرية الرأي وممارستهم التعبير عما يجيش في صدورهم ففي هذه الآيات الكريمة من سورة (عبس) عاتب رب الخلق صفوة خلقة محمداً صلى الله عليه وسلم عندما أعرض عن الصحابي الكفيف وظل رسول الله الكريم عليه الصلاة والسلام يداعبه طيلة عمره كلما رآه قائلا (أهلا بمن عاتبني فيه ربي).

كما اهتم القرآن بموضوع دمج المعوقين في المجتمع قبل 14 قرنًا من الزمان وهي فكرة يعتبرها بعض المهتمين برعاية المعوقين من الأمور ذات الأهمية الكبيرة في هذه الأيام وهي تعبر عن مدى اتساع أفق الإنسانية في العناية بالمعوقين مع أن الإسلام سبقهم بقرون، فقال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). [سورة النور: الآية 61].

العجزة والضعفاء في السنة النبوية

إن الإسلام دين شامل عادل مساو بين الناس، جعل المقياس الذي يفاضل الناس به مقياسًا معنويًا وليس ماديًا، لأن منزل الإسلام عالم بأحوال عباده؛ فمنهم العاجز ومنهم الأعمى ومنهم المشلول ومنهم الأصم والأبكم فترفع عن صورة الجسم في النظر إلى أحوالهم ونظر إلي حال القلب، حيث روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم. من هذا الحديث تنطلق فكرة أن يحصل المعوق على جميع الحقوق التي يحصل عليه السوي من دمج في المجتمع، من تأهيل وتشغيل، من رعاية واهتمام، من احترام وإعطاء جميع الفرص للظهور على ساحة المجتمع كفرد له احترامه وقدره، ونظر إليه الدين الذي شمل الجميع كما نظر إلى الآخرين لم يستثنه ولم ينسه. والسيرة النبوية الشريفة تحفل بصور رعاية المعوقين واستهدف تشريع الزكاة تلك الشريحة من البشر التي ابتليت بالعوق وآيات الزكاة هي آيات آمرة وواجبة حيث بعد مانعها مرتدا عن الإسلام. قال تعالى ) وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ( (الذاريات : الآية 19) بل إن محمدا صلى الله عليه وسلم شدد على رعاية الإسلام لكل الفئات بحيث لا تطغى فئة على فئة فقال صلى الله عليه وسلم (لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ). والقرآن الكريم والسنة المطهرة يحملان السلوى والعلاج النفسي للمعوقين حماية لهم من اليأس وتحفيزاً لهم بالصبر والتوكل على الله فيقول جل شأنه ) وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور( (آل عمران : الآية 186) ومعناه أن الصبر والتقوى من الأمور العظام التي يجب العزم عليها والحزم فيها ... ثم قوله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان). فمكافحة اليأس وإذكاء روح العزم والإدارة في نفوس المعوقين أمر يحبذه الإسلام وينادي به وقال تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف : الآية 87]. وقد تجلى التيسير التشريعي والنظر إلى العجز الذي قد يعاني منه بعض الناس في أم العبادات الصلاة فيها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وإلا فأومئ إيماء). وقال الله تعالى في كتابه الكريم : (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) [النور: الآية 61].

وإذا كانت الإعاقة عقلية نجد أن الله يشرع الحجر، حيث يمنع من لا عقل له أن يتصرف في ماله حتى لا يعود عليه بالتلف، وتجاوز الأمر إلى النظر إلى الحالة النفسية، فدعت الشريعة المعوق أن يصبر على الإعاقة التي ابتلى بها، ووعد المعوق إن هو صبر بالأجر العظيم والثواب الجزيل الذي قد يصل به إلى أن يفوز بالجنة، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال " (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (يعني عينيه) فصبر عوضته عنهما الجنة). نظرة الإسلام عامة وشاملة للكون وما فيه من مخلوقات ومن أهم ما فيه من مخلوقات الإنسان حيث ميزه الله من حيث هو إنسان بدون تفريق أو تخصيص بالتكريم والتفضيل على سائر المخلوقات ودعوته إلى التدبر والتفكر في وحدانية الله دون شريك والمساواة بين بني آدم ووحدة الجنس البشري لا يتفاضلون إلى بالتقوى مما يدعو إلى المحبة والأخوة فيما بينهم. والإيمان بقضاء الله وقدره وأنه يصور الخلق كيف يشاء ، قال ـ تعالى ـ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن وقال ـ تعالى ـ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (156) سورة البقرة وقال ـ تعالى ـ: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (20) سورة الفرقان، وذلك يظهر من خلال ما شرعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فعله مع تلك المرأة التي كان في عقلها شيء فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي إليه حاجتك فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يهش ويبش لعبد الله بن أم كتوم الأعمى ويبسط له الفراش ويقول مرحباً بمن عاتبني فيه ربي. فعن سعيد بن المسيب أن المسلمين إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا. وذلك أن المجتمع المسلم لا يتحقق له الرفاه في العيش والسعة في الرزق والنصر على الأعداء إلا بكفالته لضعفائه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم». لقد راعى الإسلام ظروف وحالات تلك الفئة وسن من التشريعات ما يناسب حالهم فقد طرح عنهم فريضة الجهاد وقال ـ تعالى ـ : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} (سورة النور:آية 61) .                                  

رعاية السنة النبوية بذوي الإعاقة :                                                                                                         وصف الله تعالى رسالة خاتم أنبيائه بقوله :( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، فكان صلى الله عليه وسلم رحمة للضعفاء والمحتاجين كما كان رحمة للأقوياء الأسوياء الأصحاء، ورحمة لذوي الإعاقة بالذات :

فهاهو يجيب دعوة عتبان بن مالك الأنصاري – رضي الله عنه - وكان ضرير البصر والذي دعاه ليصلي في بيته ؛ ليتخذه مصلّى يصلي فيه ، فتعنى السير إلى أطراف المدينة صلى الله عليه وسلم تطييبا لخاطره ، وتقديرا لحاجته ، ومراعاة لظرفه !

قال عتبان : وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى .

فوعده صلى الله عليه وسلم بزيارة وصلاة في بيته !

قال عتبان :فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنتُ له ، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ"، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم. رواه البخاري ومسلم .

وصورة أخرى لعناية نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام بذوي الإعاقة تزيد المشهد جمالا تدلل على عظمة هذا الدين ورحمته بالناس ،فعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة! فَقَالَ: "يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها .رواه مسلم .

وهذا من حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة..

بل جاءت السنة بما يصبرهم على أقدار الله المكتوبة عليهم ، فهذا رسول الله يقول مسلِّيّاً لهم ومخففا عليهم : " يقول الله عز وجل : من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب ، لم أرض له ثوابا دون الجنة " رواه الترمذي وصححه الألباني، فالرضى بقضاء الله وقدره علامة على صدق الإيمان ، وسبب قوي لتحصيل الراحة والطمأنينة في الحياة ، فيعيش من ابتلاه الله بالعمى أو الصمم والبكم ، أو شيء من الإعاقة العقلية ، أو العضلية والعصبية بنفسية عجيبة تجعل الأصحاء المعافين يتخذونهم قدوة لهم في الصبر والتسليم لأقدار الله تعالى.

ثم إن في قصة عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه - مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - شاهداً يعطي صورة عناية الإسلام بذوي الإعاقة لمسة جمالية فريدة ، فقد جاء الرجل الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله ، وكان النبي في ذلك الوقت مشغولا بدعوة كبار القوم من قريش إلى الإسلام ، فلم يلتفت إليه ، وتغير وجهه صلى الله عليه وسلم ، ورغم أنه أعمى لم يرى وجه النبي صلى الله عليه وسلم وملامحه تلك اللحظة إلا أن الله عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى)( سورة عبس: الآيات 1 – 5).

ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛ لكونه صلى الله عليه وسلم انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس.

وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الإعاقة على حاجات من سواهم.

إن من أعظم صور العناية بذوي الإعاقة إتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في الحياة الاجتماعية ، و أن يندمجوا مع مجتمعاتهم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم رضي الله عنه على المدينة ، فاستخلفه مرتين يصلي بهم وهو أعمى !!رواه أحمد[وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (3/ 192) برقم (13023)إلا أنه نبه في تحقيقه لسنن أبي داود (4/ 555) برقم (2931) أن الحديث صحيح دون لفظة (مرتين) لأنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مرات كثيرة و ذكر بعض أهل السير أنه استخلفه عليها 13 مرة] .

وكان ابن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى !!رواه مسلم.

ومن عناية الإسلام بهم حثه المجتمع بالتأدب معهم بآداب الإسلام التي تزرع المحبة والود ، وتقطع أسباب الشحناء والحزن ، ومن ذلك :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]

كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْط الناس"رواه مسلم .."وغمط الناس": احتقارهم والاستخفاف بهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس، علمًا وجهادًا، وتقوى وعفة وأدبًا.. ناهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة: "فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ"رواه البخاري .

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبثا وسخرية، فقال: " مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ "رواه أحمد[

وحسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (1/ 217) برقم (1875) وصححه الألباني انظر حديث رقم : 5891 في صحيح الجامع] ؛ فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أو السخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصاحب الإعاقة ماهو إلا إنسان امتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.                            

فعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة! فَقَالَ: “يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ”، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها. وهذا من حلمه وتواضعه r وصبره على قضاء حوائج ذوي الإعاقة ،

وفي هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الإعاقة، صحيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسد احتياجاتهم.

ومن صور هذه الرعاية

– العلاج والكشف الدوري لهم.

– تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم.

– توظيف مَن يقوم على رعايتهم وخدمتهم.

ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لهذا المنهج النبوي السمح، فأصدر قرارًا إلى الولايات:

“أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه”، وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه، وأمر لكل اثنين من الزمنى -من ذوي الاحتياجات- بخادمٍ يخدمه ويرعاه .

وعلى نفس الدرب سار الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك -رحمه الله تعالى-، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ [عام 707م – 88هـ] مؤسسة متخصصة في رعايتهم، وظّف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًّا لذوي الاحتياجات الخاصة، وقال لهم: “لا تسألوا الناس”، وبذلك أغناهم عن سؤال الناس، وعين موظفًا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير.

الأولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم

وإذا كان الإسلام قد قرر الرعاية الكاملة لذوي الإعاقة ، والعمل على قضاء حوائجهم، فقد قرر أيضًا أولوية هذه الفئة في التمتع بكافة هذه الحقوق، فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الأكفاء، ففي حادثة مشهورة أن سيدنا محمد  عبس في وجه رجل أعمى -هو عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه- جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم إلى الإسلام، ورغم أن الأعمى لم يرَ عبوسه، ولم يفطن إليه، فإن المولى تبارك وتعالى أبى إلا أن يضع الأمور في نصابها، والأولويات في محلها، فأنزل سبحانه آيات بينات تعاتب النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا:

يقول الله فيها: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى [عبس: الآيات 1 – 5]

وقد كان النبي بعد ذلك- يقابل هذا الرجل الضرير، فيهش له ويبش، ويبسط له الفراش، ويقول له: “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي!”

ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛ لكونه انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس.

وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الإعاقة على حاجات من سواهم.

عفوه  عن سفهائهم وجهلائهم

وتجلت رحمة الحبيب بذوي الإعاقة، في عفوه عن جاهلهم، وحلمه على سفيههم، ففي معركة أحد [شوال 3هـ – إبريل 624م]، لما توجه الرسول بجيشه صوب أحد، وعزم على المرور بمزرعة لرجل منافق ضرير، أخذ هذا الأخير يسب النبي r وينال منه، وأخذ في يده حفنة من تراب وقال -في وقاحة- للنبي r: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها! حَتى همَّ أصحاب النبي بقتل هذا الأعمى المجرم، فأبي عليهم -نبي الرحمة- وقال: “دعوه!”.

ولم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير، فلم يأمر بقتله أو حتى بأذيته، رغم أن الجيش الإسلامي في طريقه لقتال، والوضع متأزم، والأعصاب متوترة، ومع ذلك لما وقف هذا الضرير المنافق في طريق الجيش، وقال ما قال، وفعل وما فعل، أبى رسول الله إلا العفو عنه، والصفح له، فليس من شيم المقاتلين المسلمين الاعتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب الإعاقات، بل كانت سنته معهم؛ الرفق بهم، والاتعاظ بحالهم، وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينا مما ابتلاهم.

تكريمه ومواساته  لهم

فعن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: سمعت رسول الله يقول: “إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه [يعني عينيه] أثَبْته عليهما الجنة…”

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، عن النبي ، عن رب العزة – قال: “إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين، لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة، إذا حمدني عليهما.

ويقول النبي : “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ”.

ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية، مواساة وبشارة لكل صاحب إعائقة؛ أن إذا صبر على مصيبته، راضيًا لله ببلوته، واحتسب على الله إعاقته، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة.

وقد كان النبي يقول عن عمرو بن الجموح رضي الله عنه، تكريمًا وتشريفًا له: “سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح” وكان أعرج، وقد قال له النبي ذات يوم: “كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة”، وكان رضي الله عنه يُولِم على رسول الله إذا تزوج.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى .

وعن عائشة رضي الله عنه أن ابن أم مكتوم كان مؤذنًا لرسول الله وهو أعمى.

وعن سعيد بن المسيب رحمه الله أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا.

وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيبت رجله في سبيل الله تعالى.

وهكذا كان المجتمع النبوي، يتضافر في مواساة ذوي الإعاقة، ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في تشريفهم، وكل ذلك اقتداء بمنهج نبي الرحمة مع ذوي الإعاقة.

زيارته لهم

وشرع الإسلام عيادة المرضى عامة، وأصحاب الإعاقات خاصة؛ وذلك للتخفيف من معاناتهم.. فالشخص المعاق أقرب إلى الانطواء والعزلة والنظرة التشائمية، وأقرب من الأمراض النفسية مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ إهمال المعاقين في المناسابات الاجتماعية، كالزيارات والزواج..

وقد كان رسول الله يعود المرضى، فيدعو لهم، ويطيب خاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة، وينشر على قلوبهم الفرح، ويرسم على وجوهه البهجة، وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف المدينة، خصيصًا؛ ليقضي له حاجة بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت المبتلى تلبية لرغبته.. فهذا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه -وكان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول للنبي : وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى.

فوعده بزيارة وصلاة في بيته قائًلا -في تواضع جم-: “سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”..

قال عتبان فغدا رسول الله وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله فأذنتُ له فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: “أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ”، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله ، فكبر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم .

الدعاء لهم

وتتجلى رحمة نبي الإسلام بذوي الإعاقة عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحمل البلاء.. ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم.. فذات مرة، جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة النبي .. فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني..

قَالَ الرحمة المهداة : “إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك”.

قَالَ: فادعُهْ. فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ ويدعو بهذا الدعاء: “الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ”.

وأَتَتْ النَّبِيَّ امرأة تُصرع، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي!

فقَال النبيَ : “إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ”.

فقالت: أَصْبِرُ. ثم قالت: إِنِّي أَتَكَشَّفُ! فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ.

فَدَعَا لَهَا  (.

وهكذا المجتمع الإسلامي؛ يدعو -عن بكرة أبيه لأصحاب الإعاقات والعاهات وما رأينا مجتمعًا على وجه الأرض يدعو بالشفاء والرحمة لأصحاب الإعاقة، غير مجتمع المسلمين، ممن تربوا على منهج نبي الإسلام!.

تحريم السخرية منهم

كان ذوي الإعاقة ، في المجتمعات  الجاهلية، مادة للسخرية، والتسلية والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين نارين، نار الإقصاء والإبعاد، ونار السخرية والشماتة، ومن ثَم يتحول المجتمع -في وجدان أصحاب الإعاقات- إلى دار غربة، واضهاد وفرقة.. فجاء الشرع الإسلامي السمح؛ ليحرّم السخرية من الناس عامة، ومن أصحاب البلوى خاصة، ورفع شعار “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك”. وأنزل الله تعالى آيات بينات تؤكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية، فقال:

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ [الحجرات: 11]

كما ثبت عن النبي أنه قال: “الكِبْر بطر الحق وغَمْط الناس”..”وغمط الناس”: احتقارهم والاستخفاف بهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس، علمًا وجهادًا، وتقوى وعفة وأدبًا.. ناهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة: “فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ”.

ولقد حذر النبي  أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبسًا وسخرية، فقال:

“مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ”

فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أو السخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصحاب الإعاقة هو أخ أو أب أو ابن امتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.

رفع العزلة والمقاطعة عنهم

فقد كان المجتمع الجاهلي القديم، يقاطع ذوي الإعاقة، ويعزلهم، ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، كحقهم في الزواج، والاختلاط بالناس.

فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولا أعمى ولا مريض، وكان الناس يظنون بهم التقذّر والتقزّز. فأنزل الله تعالى:

]لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون[ [النور: 61].

أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج، فهؤلاء بشر مثلكم، لهم كافة الحقوق مثلكم، فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا تهجروهم، فأكرمكم عند الله أتقاكم، “والله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم”.

وهكذا نزل القرآن، رحمة لذوي الإعاقة، يواسيهم، ويساندهم نفسيًّا، ويخفف عنهم. وينقذهم من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب المعاقين، جراء عزلتهم أو فصلهم عن الحياة الاجتماعية.

وبعكس ما فعلت الأمم الجاهلية، فلقد أحل الإسلام لذوي الإعاقة الزواج، فهم أصحاب قلوب مرهفة، ومشاعر جياشة، وأحاسيس نبيلة، فأقر لهم الحق في الزواج، ما داموا قادرين، وجعل لهم حقوقًا، وعليهم واجبات، ولم يستغل المسلمون ضعف ذوي الإعاقة، فلم يأكلوا لهم حقًّا، ولم يمنعوا عنهم مالاً، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:

“أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ؛ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلا”.

التيسير عليهم ورفع الحرج عنه

ومن الرحمة بذوي الإعاقة مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ من الأحكام التكليفية، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله r أملى عليه: “لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله”. قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها “علي” رضي الله عنه (لتدوينها)، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، قال زيد بن ثابت: فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله r، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي [من ثقل الوحي]، ثم سُرّي عنه، فأنزل الله عز وجل: ]غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ .

وقال تعالى مخففًا عن ذوي الإعاقة : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً[الفتح: 17 ]

فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال، فلم يكلفهم بحمل سلاح أو الخروج إلى نفير في سبيل الله، إلا إن كان تطوعًا.. ومثال ذلك، قصة عمرو بن الجموح رضي الله عنه في معركة أحد، فقد كان رضوان الله عليه رجلاً أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، يشهدون مع رسول الله المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك! فأتى رسول الله فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه. فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة! فقال نبي الرحمة : “أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك”، ثم قال لبنيه: “ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة”، فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد .

بيد أن هذا التخفيف الذي يتمتع به المعاق في الإسلام، يتسم بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدر استطاعته، يقول القرطبي:

“إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك”.

ومثال ذلك الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجلّ التكاليف الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد.. أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: “رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ” .

فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه، فعن ابن عباس  قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم، فمرّ بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. فقال: ارجعوا بها! ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟! قال: لا شيء. قال علي: فَأَرْسِلْهَا. فَأَرْسَلَهَا. فجعل عمر يُكَبِّرُ .

الإعاقة في الإسلام :

لقد أكرم الله عز وجل الإنسانية بأن أرسل رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فأرسله برسالة الإسلام السَّمْحة، التي تدعو إلى العدل بين خلق الله، وأنَّ الناس سوف تحاسَب على أعمالها وعلى تقوى القلوب، وليس على أشكالهم، أو ألوانهم، أو أجناسهم، أو عشيرتهم، أو قدراتهم الذهنية أو البدنية؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، سبحان الله، كأن الله تعالى يقول لنا: إن الحكمة من تعدد أجناسنا وأحوالنا هو أن نتعرف بعضنا على بعض.

حقيقة الإعاقة في الإسلام:

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وقال أيضًا: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 24].

ذكر الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: "هذا مثلٌ ضربَه الله للكافر والمؤمن؛ فأما الكافر، فصُمَّ عن الحق فلا يسمعه، وعَمِيَ عنه فلا يبصره، وأما المؤمن، فسمع الحق فانتَفع به، وأبصَره فوعاه، وحفظَه وعملَ به".

وقال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

هذه الآيات الكريمة تصف مَن لم يستعملْ حواسه وجوارحه مِن سمْعٍ وبصرٍ وقلوبٍ تَعقِل للوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وَصفَهم بأنَّهم كالأنعام، بل هم أضلُّ؛ لأنَّ الأنعام تؤمن بالله عز وجل.

تأملوا معي هاتين الآيتين الكريمتين من أواخر سورة الكهف: ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ [الكهف: 100، 101].

سبحان الله العظيم! يا له من وصف دقيق وعجيب لأهل الكفر، وصَف الله تعالى المُعرضين عن الحق الكافرين (والكفر لغةً هو الستر والتغطية على الشيء) بأنَّ أعينهم لا ترى الحق، وآذانَهم لا تسمع الحق أو حتى تستطيع السمع، أو "لا تعقل كلام الله عز وجل" كما ورد عن مجاهد رضي الله عنه، وفي هذا فَصَل القرآن الكريم ما بين القدرة على السماع والقدرة على الفهم، والله أعلم.

إنَّ الإعاقة في نظَر الإسلام هي وصف لمَن لم يستعمل حواسه وجوارحه في الوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وليس من ابتُلي بإعاقة عقلية أو سمعية أو بصرية.

لنتأمل كلمات الله عز وجل في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

• الإسلام ينظر إلى الإعاقة على أنها ابتلاء وامتحان من الله تعالى؛ ليُمحِّص الله تعالى المؤمنين الثابتين الصابرين على تلك البلية؛ ففي إيمان العبد لا بد أن يكون هناك ثقة تامة أن ما أصابه لم يكن لِيخطئَه، وأن ما أخطأه لم يكن لِيصيبَه، وأن كل شيء مكتوب في علم الغيب عند الله، وأن الله تعالى ما شاء فَعَل، وأنَّ بيده تصاريف الأمور كلها. هذا الإيمان يقضي بالتصديق بأنَّ ما أصاب العبد هو أمر مكتوب، ربما كان فيه الخير ولو أن فيه عُسرًا ومشقةً؛ قال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وقال عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وهنا التفاتةٌ إلى أنَّ الله تعالى خَتَم الآية بقوله: إنَّ العلم محصورٌ عنده وإننا - نحن البشر - قاصرون عن فهم الصورة الكاملة لواقع أمور قد يبدو ظاهرها أن فيها السوء.

• المسلم ينظر إلى الإعاقة على أنها دفع للضرر، أو كفارة للذنوب، أو رفع للدرجات، أو تقرُّب إلى الله تعالى، وأنَّ هناك منحة في المحنة مِن الله تعالى، كما ورد عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: ((إنَّ عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم))، وقال أيضًا: ((أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلَى الرجل على حسب دينه، إن كان دينه صلبًا اشتَد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركَه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))، ووَرد عنه أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد إذا سبقت له من الله منزلةٌ لم يَبلغْها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك، حتى يُبلِّغه المنزلة التي سَبَقت له مِن الله تعالى)).

• الإعاقة تدفع إلى الحمد من جهتين؛ من جهة المحيطِين بالمريض أو المعاق، كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضَّلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلًا، كان شكر تلك النعمة))، ومن جهة المعاق الذي يحمد الله تعالى ويرضى بقدر الله. لنتأمل في هذا الحديث العظيم، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: ((أولُ من يُدعَى إلى الجنة الحمَّادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء))، يا ألله ويا لَرحمته وفيض عطائه!

• تصبير لكل ذي إعاقة: قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يُشاك شوكةً فما فوقها إلَّا رفَعه الله بها درجةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً))، فإذا كان الإنسان يؤجَر على الشوكة وهي أمر عرَضي لا يؤلم إلا للحظات؛ فما بالك بمن حياتهم كلها أشواك وآلام؟ فهنيئًا لأصحاب الأَسِرَّة البيضاء وأصحاب الابتلاءات وذويهم على بشرى برضا ورضوان من الله، ومغفرة وحط للخطايا عن كل لحظة، وكل دمعة، وكل ألم.

مراعاة الله عز وجل لذوي الإعاقة:

نتأمل كيف راعى الله الرحمن الرحيم ذوي الإعاقة من خلال النقاط التالية:

الاستبشار بهم وعدم التذمر منهم، والسعي في تعليمهم:

كلنا نعرف قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجل الأعمى في سورة ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ [عبس: 1]، ولو تفكرنا قليلًا في هذه الآية الكريمة، لوجدنا أن الأعمى في هذه القصة - عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه - لم يكن له أنْ يرى عُبُوس الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ومع ذلك لام الله تعالى نبيَّه على ذلك التصرف... ووَرَدَ أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان بعد نزول تلك الآيات يستبشر عندما يرى ابن أم مكتوم ويقول: ((مرحبًا بمَن عاتبني فيه ربي!)).

فهل لنا - نحن البشر - أن نتفكر في كيفية تعاملنا مع  المعاقين مِن البشر الذين قد يسمعون أو يرون أو يفقهون ما يقال لهم، فيتألمون ويُجرَحون؟ أيضًا الآية الكريمة تذكرةٌ لنا ألَّا نتوانى في تعليم ذوي الحاجات الخاصة، وعدم التقليل من قدراتهم، وتوفير الفرص لهم للنجاح والتفوق.

الدعاء لهم وتثبيتهم وتصبيرهم:

ولنا في قصة المرأة التي كانت تُصرَع عِبرة، كما جاء في الحديث عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: "أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟"، قُلْتُ: "بَلَى"، قَالَ: "هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي"، قَالَ: ((إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ))، فَقَالَتْ: "أَصْبِرُ"، فَقَالَتْ: "إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ"، فَدَعَا لَهَا.

وورد عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه أمرَنا بأنْ نعين المريض على مرضه، بأن نرفعَ من روحه المعنوية والنفسية؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا دَخَلْتُمْ على المريضِ، فَنَفِّسُوا لَهُ في أجَلِهِ؛ فإنَّ ذلك لا يَرُدُّ شيئًا، وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ))، فإن كان الحديث يتكلم عن أصحاب الأمراض المتأزِّمة أو مَن لا يُؤمَّل في برئه وشفائه، فما بالك بأصحاب الإعاقة وذويهم وحاجتهم الماسة إلى الدعم النفسي والمعنوي المستمر حتى يبقوا قويِّين وقادرِين على تحمُّل كل جوانب الإعاقة الصعبة؟

ومن الأمور التي تعين على تصبير أهل الابتلاءات أو ذويهم أنْ يُغيِّروا من مفهوم الألم. لا بد من تغيير فكرة الألم في ذهن الإنسان كما نصح بذلك الدكتور وليد فتيحي في برنامجه الرائع "ومحياي" حول موضوع الألم، عندما قال: إنَّ الألم في جسد الإنسان يتجاوب مع نظرتنا إليه، فكأن الألم يتغذى على إحساسنا به، فكلما قال أحدنا في نفسه: "أنا أتألم"، يزداد إحساس الدماغ بالألم، وينصح الدكتور أنه بدلًا من تغذية ألمنا أننا كلما تذكرنا كلمة "ألم" نتذكر قول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]، ونُذكِّر أنفسنا بالنعم التي أكرمنا الله تعالى بها، ألم يَهدِك الله وآخرون في الضلال تائهون؟ ألم يرزقك الله؟ ألم..؟ ألم...؟ هذا التأمل والتفكير يُحوِّل المنع إلى عطاء، والمحنة إلى منحة، ولعل هذا التفكير الإيجابي هو الذي أعان الصحابي الجليل عروة بن الزبير الذي قُطعَت رجلُه وتُوفِّي أحد أبنائه في نفس اليوم - على أن يقول: "اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا، وكان لي أولاد سبعة فأخذت واحدًا، ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ".

عدم السخرية منهم: أمَر الله تعالى بعدم السخرية من أي أحد؛ عسى أن يكونوا خيرًا منهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يَحْقِرُه، التقوى ها هنا - وأشار إلى صدره - بحسْب امرئ من الشر أن يَحْقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعِرضُه))، ولو تفكَّرْنا بعض الشيء في مساوئ الاستهزاء والسخرية، لوجدناها كثيرة، لا تقتصر فحسب على تشتيت الروابط الاجتماعية والأخوية، وتقليل الشأن بالشخص المُستهزَأ به؛ مما يولِّد الأحقاد والأضغان، وربما الرغبة في الانتقام، بل ربما وصل الحد إلى قطع الصِّلات وقطع الأرحام.

مؤاكلتهم ومجالستهم والرعاية النفسية لهم:

قال تعالى حول جواز مؤاكلة ذوي الإعاقة : ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61]، لقد حيَّرتني هذه الآية الكريمة! فلماذا خَصَّص الله تعالى الأعمى والأعرج والمريض؟ ولكن زال عجبي بعد أنْ قرأت ما قاله ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن": "كان المسلمون في صدر الإسلام حين أُمِروا بالنصيحة، ونُهُوا عن الخيانة، وأُنزِل عليهم: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]؛ أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق - أَدقُّوا النظر، وأَفرَطوا في التوقِّي، وترَك بعضُهم مؤاكلةَ بعض، فكان الأعمى لا يؤاكِل الناس؛ لأنه لا يبصر الطعام، فيَخاف أن يُستأثَر، ولا يؤاكله الناس؛ يخافون لضرره أن يَقْصُر، وكان الأعرج يتوقَّى ذلك؛ لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يَتفسَّح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناسُ أن يسبقوه لضعفه، وكان المريض يخاف أن يُفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض، مِن رائحة تتغير، أو جرح يَبِضُّ، أو أنف يَذِنُّ، أو بول يَسْلَس، وأشباه ذلك؛ فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس".

إذا نظرنا بعمق إلى هذه الآية الكريمة، وجدنا فيها الإنقاذ لهذه الفئة الكريمة من البشر مِن أهم مشاكل الإعاقة، ألا وهي الانعزال الاجتماعي والوَحدة.

التخفيف في الأحكام: قال الرؤوف الرحيم: ﴿ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 16، 17]، ولا بد من التذكير هنا أن هذا التخفيف يختلف من حالة إلى غيرها؛ ففيه التوازن والاعتدال ليناسب كل شخص حسب إعاقته ودرجة قدرته واستيعابه، ومِن هنا ما ذكره القرطبي في تفسيره "أن الله رَفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه التكليف من المشي، وما يتعذر مِن الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها والجهاد".

ولقد ورد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله"، قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُمِلُّها عليَّ لتدوينها، فقال: "يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ" - وكان رجلًا أعمى - قال زيد بن ثابت: "فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفخذه على فخذي، فثَقُلت حتى خِفت أن تُرَضَّ فخذي (مِن ثِقَل الوحي)، ثم سُرِّي عنه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾؛ [النساء: 95].

فيا لَرحمة الله في العطف على عباده! ومراعاة مشاعر وقدرات ذوي الحاجات الخاصة في اليسر والتخفيف في الأحكام التكليفية ورفع الحرج، مِن باب ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، فسبحان الله العظيم الذي هو أرحم بنا مِن أمهاتنا! فله الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.

ولنا أنْ نتذكر أنَّ المعاق إن كان ذا إعاقة شديدة كالجنون والعته، فإن القلم مرفوع عنه؛ روت عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: ((رُفِع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)).

عدم نعتهم بألفاظ وأوصاف جارحة: أود أنْ أذكر الْتِفاتةً ذكرها الدكتور أحمد نوفل، وهي أنَّ كلمة مجنون قد وردت 11 مرة في القرآن الكريم، وأنَّ العجيب في ذلك أنها جميعًا وردت في وصف أقوام الأنبياء لرسلهم بالجنون، وأنَّ القرآن الكريم ينفي صحة هذا النعت؛ تأملوا الآيات:

1. ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6].

2. ﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27].

3. ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 36].

4. ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴾ [الدخان: 14].

5. ﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 39].

6. ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].

7. ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴾ [الطور: 29].

8. ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9].

9. ﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [القلم: 2].

10. ﴿ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم: 51].

11. ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: 22].

هنا خاطرة لنا: أنَّ مَن ينعت ذوي الإعاقة بالجنون والتخلف، فهو - أو هي - على منهج أهل الجاهلية، فلنحذر مما تجنيه ألسنتنا وخواطرنا؛ قال تعالى في محكم كتابه: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 29، 30]. هذه الفئة الكريمة تستحق كل احترام وكل تقدير في التعامل والتحاور والتفكير.

عدم التقليل من شأنهم ودورهم في المجتمع: قال تعالى في سورة طه على لسان موسى عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 25 - 36]، لطالما أحببْنا هذا الدعاء وقرأْناه مستبشرين به وبحلاوته، فهلا تفكرنا أنه - حسب ما ورد - كان لأن موسى عليه السلام كان عنده عثرة في الحديث؛ ولهذا طلب مِن الله تعالى أنْ يعينه ويشد من أَزْره بأخيه هارون، وهي التفاتة لأهل الإعاقة ومَن حولهم أنه لا بأس مِن طلب المساعدة ومِن توفيرها لمساعدة شخص على تأدية عمله.

لقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف عبدالله ابن أم مكتوم مرتين على المدينة، وكان يؤذِّن مع بلال بن رباح لجمال صوته، وهو رجل أعمى، ولم يبالِ ابن أم مكتوم بفقد بصره، فشارَك في معركة القادسية تحت قيادة سعد بن أبي وقاص، ووقف مستندًا على ذراع أحد المسلمين يعتلي ربوةً عاليةً وهو يصيح: "ادفعوا إليَّ اللواء؛ فإني أعمى لا أستطيع أنْ أفِرَّ، وأقيموني بين الصفَّين"، ويحاول المسلمون ثَنْيه عن عزمه وهو يصيح ويطالب باللواء، حتى نال نعمة الشهادة في هذه المعركة.

ولنا مثال آخر في الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، حيث أصيب في معركة أُحُد عدة إصابات في مختلف أنحاء جسده، سَبَّبت إحداها عرَجًا دائمًا في ساقه، والأخرى أسقَطت ثناياه وتركت تأثيرًا واضحًا في نُطقه، فإذا به يستمر بالتصدُّق ولم يَعزل نفسه عن المجتمع.

ولنا في كثير من العلماء والصالحين قدوة، فكثير منا لا يعلم أن الفقيه عطاء بن أبي رباح كان أسودَ، أعرج، أشلَّ، ولكن كان يُرجَع إليه في الفتوى في مواسم الحج، وكثير منا لا يعلم أنَّ العالم الجليل ابن الأثير صاحب كتاب "الأصول" (11 مجلدًا) وكتاب "النهاية في غريب الحديث" (4 مجلدات)، كان مُقعَدًا لا يستطيع القيام، وكثير منا لا يعلم أن محمد بن سيرين أحد أتباع التابعين كان أصمَّ، ورغم صعوبة ذلك، فإن سيرته حافلة بالعلم والتقى، والحرص على الحلال في التجارة.

حفظ حقوقهم المالية والمعنوية:

كلنا يعلم أن التكليف مرهون بالعقل؛ أي: إنَّ المصاب بالجنون أو التخلف العقلي مرفوعٌ عنه القلم وأنه غير مسؤول عن واجبات العبادة والمعاملات، كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن عدم مسؤوليته شرعيًّا لا تعني أنه لا يَستحِق أن يُحافَظ على حقوقه المالية والإنسانية؛ فقد أجمع العلماء أن حقوق المصاب بالجنون لا تسقط بسبب عجزه عن إدارة أمواله والمحافظة عليها؛ وإنما تُعطَى له مِن خلال وليِّه والقائم على رعايته.

لكن ماذا عن أصحاب الإعاقة العقلية التي هي دُون درجة الإصابة بالجنون؟ هنا يجب فهم الفرق ما بين معنى كلمة "المجنون" و"السفيه"، فـ"الجنون" هو الفقد الكلي للتمييز ما بين الصواب والخطأ، أما "السفيه" فهو مَن يبذر المال على غير مقتضى العقل والشرع ولو كان في جوانب الخير، فهو ناقص للعقل، خفيف الحِلم، لا يُحسِن التصرُّف.

قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 5، 6]، هذه الآية الكريمة يجب أنْ تكونَ أساسًا، بل قانونًا في فنِّ التعامل المالي مع ذوي الحاجات الخاصة، فكثير من هذه الفئة الكريمة ينطبق عليهم الوصف القانوني والشرعي لمعنى "السفيه" مِن نقص أو قصور في القدرات العقلية، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.

﴿ أَمْوَالَكُمُ ﴾ [النساء، 5] بأن المعنى هنا هو أموالهم وليس أموالكم، وأن هذا التعبير هو كما جاء في قوله عز وجل: ﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]، قال: "لِمَ لمْ يقل الله عز وجل: لا تأكلوا أموال بعضكم؟ قال: ﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾ [النساء: 29]؛ لأن مال أخيك هو مالُك، من زاوية واحدة، مِن زاوية وجوب المحافظة عليه: يجب أن تحافظ عليه وكأنَّه مالُك، فلأَن تمْتَنِعَ عن أكله بالحرام مِن باب أولى، فهذه لطائف بلاغِيَّة في كتاب الله عز وجل"، ولو تأملنا أكثر في هذه الآيات من سورة النساء، لوَقَفنا على رحمة الله وعطفه بأن يُذكِّر الوصي الشرعي بأنْ يكون قولُه معروفًا، وأنْ يعطي الفرصة للشخص الذي تحت رعايته والمجال إن أَثبت أنه تطوَّر أو تمكَّن مِن السيطرة على قدراته العقلية بأن تدفع له حقوقه وتُرفَع عنه الوصاية إن أثبت أهليته، وختَم الله الكريم الآيةَ بوعدٍ بأنه الحسيب الذي سيحاسب الناس على كل حق أُهدِر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

هذه الآية الكريمة تعطي قمة الرحمة، وقمة العدل، وقمة الحرص على مستقبل كريم، وقمة الاحترام لإنسانية وحقوق ذوي الإعاقة المادية والمعنوية.

  لمن لم يُبتلَى بالإعاقة:

تذكَّر أنَّ الإعاقة في الإسلام هي وصف لمن لم يَستعمل حواسَّه وجوارحه في الوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وليس من ابتُلي بإعاقة عقلية، سمعية، بصرية، أو تعليمية، أو غيره.

لا تحكم على الآخرين بأن الله تعالى ابتلاهم لضعف فيهم، أو عاقبهم بالابتلاء جزاءً على ما اقترفوه من معاصٍ؛ فالحَكَم هو الله الجبار الذي يَجْبُر القلوب المكسورة، ويُنَفِّس عن كرب المكروبين ولَوْعة المصابين.

كن رفيقًا في اختيارك لكلماتك في وصف الشخص المعاق، تذكَّر أنه شخص وإنسان أو طفل؛ فلا تقل: "طفل منغولي" أو "طفل مُتوحِّد" أو "رجل أعمى" أو "امرأة طَرشَاء"، وإنما قل: "طفل مصاب بالمنغولي"، و"طفل مصاب بالتوحُّد"، و"شخص مصاب بفقد البصر"؛ فرُب كلمة عطوفة تَجبُر بها خاطرًا وترفع بها همةً؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرَّجُلَ ليتكلمُ بالكلمةِ مِنْ رضوان الله لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من سَخَطِ الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جهنَّم)).

حثَّ الإسلام على زيارة المريض والسعي في خدمته؛ ولنتأمل الحديث القدسي: ((إنَّ الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم، مرضتُ فلَم تعُدْني، قال: يا ربِّ، كيف أعودُك وأنتَ رب العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلانًا مرض فلم تعُده؟ أما علمتَ أنك لو عُدتَه لوجدتني عنده؟ يا بن آدم، استطعَمتُك فلَم تُطعِمني، قال: يا رب، وكيف أُطعِمك وأنت رب العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنه استَطعمَك عبدي فلان فلم تُطعِمه؟ أمَا علمتَ أنك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ يا بن آدم، استَسقيتُك فلَم تَسقِني، قال: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقِه، أمَا إنك لو سَقَيتَه وجدتَ ذلك عندي .

                              المطلب الثاني : نظرة إسلامية على ذوي الإعاقة :

نادى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بالمحافظة على المعوقين وأعطاهم حقوقهم كاملة في إنسانية أخاذة ، ورفق جميل ، مما أبعد عن المعوقين شبح الخجل ، وظلال المسكنة ، وجعلهم يعيشون فى المجتمع كأفراد ناجحين بل أن البعض منهم وصل لكونه صار قصة نجاح يحتذى بها .. بل إن الإسلام لم يقصر نداءه الإنساني على المعوقين فقط ، بل امتد النطاق فشمل المرضى عامة ، واستطاع المريض - أياً كان مرضه - أن يستظل براية الإسلام التي تحمل في طياتها الرأفة والرحمة والخير ، وأن يتنسم عبير الحياة ، في عزة وكرامة ، كما أن الإسلام لم يقصر هذا النداء على مناسبة خاصة بالمعوقين لأن القواعد التي أرساها الإسلام سارية المفعول منذ أن جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

( إن الإسلام ينظر لذوي الإعاقة نظرة رحمة فهؤلاء النمط من العاجزين وأصحاب العاهات يجب أن يلقوا من الدولة وأبناء المجتمع وذوي اليسار والغِنى كل رعاية وعطف ورحمة ؛ تحقيقًا لقوله عليه الصلاة والسلام :- ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم :- ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى له سائر جسده بالسَّهَر والحُمَّى )

ولنا أن نقول أنه في ظل الإسلام وصل ذوي الإعاقة إلى أعلى المراتب فكان منهم العلماء والمحدثون ، مثل :- ابن عباس وعاصم الأحول ، وعمرو بن أخطب الأعرج ، وعبد الرحمن الأصم ، والأعمش ، وغيرهم.

نماذج لمعاملة ذوي الإعاقة في ظل الإسلام:

أما نبي الرحمة عليه ألف صلاة وتسليم من عند رب العزة والجلالة، فقد كان قدوةً في معاملة ذوي الإعاقة، وكثيرًا ما كانت مواقفه اتجاه هؤلاء، دروسًا كثيرةً نهلَ منها المسلمون وتعلموا منها كيفية معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة.

ففي قصة رجل ضرير أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يدعو له بالشفاء، فقال له صلى الله عليه وسلم: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك"

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه كان متوجهًا بالجيش إلى جبل أحد، ومر بمزرعة لرجل ضرير وقام هذا الاخير بسب النبي، فهمّ أصحابه بقتله، فأبى عليهم، فحمل الضرير حصاةً وقال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها، فلم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير، ولم يأمر بقتله أو حتى أذيته، بل عفا عنه، وقال: دعوهُ فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر، وليس من شيم المسلمين الاعتداء على أصحاب العاهات أو النيل منهم، رفقا بهم واتعاظًا بحالهم، واقتداءً بسنة نبينا الحبيب.

وفي قصة عمرو ابن الجموح، الذي كان أعرجا وأراد الجهاد مع رسول الله، فأبى أهله وذهبوا لرسول الله وأخبروه عله يعدله عن رأيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد عذرك"، فقال: "والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة"، فجاهد حتى سقط شهيدا في سبيل الله.

وكثيرا ما حاول رسول الله ليخفف من وقع المرض على المصاب في قوله هذا: "ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقه، إلا كفّر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها" أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود.

وكلنا يعرف قصة سورة عبس التي نزلت في الرجل الأعمى الذي أعرض عنه الرسول، وأصبح بعد ذلك يناديه مداعبًا: "أهلا بمن عاتبني فيه ربيّ"

وفي قصة تلك المرأة المجاهدة الصابرة (والتي لم يحضرني اسمها) بعد أن جاهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات وفقدت إحدى ذراعيها، ولم يهدأ لها بال حتى عرفت أن رسول الله بخير.. وبعد مدة يسيرة أصبحت قليلة الخروج والاختلاط بالنسوة، ولما سألها النبي قالت: إنني أستحي من النساء بذراعي المقطوعة فقال لها النبي الكريم، لا تقنطي أو تيأسي يا (أم ....) فشيء من جسدك سبقك إلى الجنة، وأمرها أن لا تخجل من ذراعها فهي في الجنة قد سبقتها..

لقد كان نبينا الكريم رؤوفا بذوي الإعاقة رحيما بهم، عطوفا عليهم، وليس ذلك إلا دليلٌ لنا وقدوةٌ لنا وسبيلٌ لنا حتى ننتهج نهجه ونسير على نفس خطاه ونتعلم منه كيفية معاملة ذوي الإعاقة.

لقد أتى ديننا الحنيف ليرسم لنا الطريق الواجب اتباعها والسير عليها، ورسم لنا الملامح التي علينا اتباعها والتحلي بها، وكل ذلك موجود بالقرآن والسنة النبوية الشريفة، وفي الاقتداء بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وبصحبه الطاهرين الكرماء..

تكريمه ومواساته صلى الله عليه وسلم لهم

عن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت :- يا رسول الله إن لي إليك حاجة! فَقَالَ :- يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها .. رواه مسلم

عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- (إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه [يعني عينيه] أثَبْته عليهما الجنة... ) رواه البيهقى ..

ويسَّر الإسلام عليهم ورفع الحرج عنهم ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه :- ( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه ) ، قال: فجاءه ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت. وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله عز وجل: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} سورة النساء : 95 ..

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :- ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ :- عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه ابن ماجة وابن خزيمة

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبسًا وسخرية، فقال :- ( مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ ) رواه أحمد

وتتجلى رحمة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بذوي الإعاقة عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحمل البلاء.. ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم.. فذات مرة، جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم .. فقَالَ الضرير :- ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني .. فقَالَ الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم :- ( إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك ) .. قَالَ :- فادعُهْ. فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ ويدعو بهذا الدعاء :- الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ ) رواه الترمذى وابن ماجة ..

وأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امرأة تُصرع .. فقالت :- إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي!

فقَال النبيَ صلى الله عليه وسلم :- إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ

فقالت :- أَصْبِرُ .. ثم قالت: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ .. فَدَعَا لَهَا .. متفق عليه

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن عمرو بن الجموح رضي الله عنه؛ تكريمًا وتشريفًا له :- سيِّدُكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح ، وكان أعرجَ. وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم :- كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه :- : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين، يصلي بهم وهو أعمى.والخلافاء على نهج الرسول صلى الله عليه وسلمَّ فى وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الإعاقة صحيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسدِّ احتياجاتهم.

ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لهذا المنهج النبوي السمح ، فأصدر قرارًا إلى الولايات :- أن ارفعوا إليَّ كُلَّ أعمى في الديوان، أو مُقعَد، أو مَن به فالج، أو مَن به زَمَانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة". فرُفعوا إليه، وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه، وأمر لكل اثنين من الزَّمْنَى - من ذوي الإعاقة - بخادمٍ يخدمه ويرعاه.

وكذلك قام عمر بن عبد العزيز أيضاً بعمل إحصاء للمعاقين، وخصَّص مُرافِقًا لكل كفيف، وخادمًا لكل مُقعَد لا يَقْوَى على القيام، أو أداء الصلاة واقفًا.

وعلى نفس الدرب سار الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك رحمه الله تعالى ، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ (عام 88هـ/ 707م) مؤسسة متخصصة في رعايتهم، وظَّف فيها الأطباء والخدام، وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًّا لذوي الإعاقة، وقال لهم: "لا تسألوا الناس". وبذلك أغناهم عن سؤال الناس، وعيَّن موظفًا لخدمة كل مقعد، أو كسيح، أو ضرير.

وأيضًا في العصر المملوكي نجد السلطان قلاوون يُنشِئ مارستانًا - ما زالت بقاياه موجودة حتى الآن وتحمل اسمه - كان المريض يلقى الرعاية والاهتمام مدة وجوده بالمستشفى، ويُعطى المريض بعد خروجه بعض المال؛ حتى لا يضطر للعمل في فترة نقاهته.

معاقين أفذاذ فى ظل الإسلام

المعاق في الحياة الإسلامية ومكانته اللائقة :

فنجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف عبد الله ابن أم مكتوم :- وينيبه عنه عليه السلام على المدينة أربع عشرة مرة في غزواته وفي حجة الوداع، كما شهد هذا الصحابي الجليل فتح القادسية، وقُتل فيها شهيدًا، وكان مع اللواء يومئذٍ وهو الرجل الأعمى، فلم تنقص إعاقته من مكانته وأهميته في الإسلام شيئًا.

وهذا صحابي آخر هو معاذ بن جبل رضي الله عنه :- يختاره الرسول صلى الله عليه وسلم من بين المسلمين ويرسله إلى اليمن عاملاً له عليها، بل ويكتب إلى أهلها قائلاً: "إني بعثت عليكم خير أهلي". وقد كان معاذ رضي الله عنه أعرجَ، فلم يمنعه العرج من تبوء المكانة التي يستحقها في الحياة السياسية والاجتماعية الإسلامية.

الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه :- حَبْر الأمة وترجمان القرآن الذي استطاع أن يجمع العلم في زمانه حتى أصبح مرجع الأمة في العلم الشرعي على مر الزمان، بل أصبح المبصرين يسألونه ويستفتونه في مسائلهم الخاصة، على الرغم من فَقْده لحاسة البصر. يقول ابن عباس في وصف حاله:

إن يأخذ الله من عيـني نورهمـا *** ففي لساني وسمعي منهما نـور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي عـوج *** وفي فمي صارم كالسيف مأثور

بشَّار بن بُرْد :- الشاعر الذي تميز على أقرانه المبصرين، وفاقهم في الكثير من قصائده التي ما زالت منتشرة ومتداولة إلى وقتنا الحاضر، فهل يستطيع مبصر أن يأتي بمثل ما أتى؟

وعيرني الأعداء والعيـب فيهـم *** فليس بعار أن يقال ضريـر

إذا أبصر المـرء المروءة والتقـى *** فإن عمى العينين ليس يضـير

رأيت العمى أجرًا وذخرًا وعصمة *** وإني إلى تلك الثلاث فقـير

وقد كان عطاء (رضي الله عنه) :- أسود البشرة، مفلفل الشعر، أعور العين، أفطس الأنف، أشل اليد، أعرج القدم، لا يؤمل الناظر إليه منه طائلاً، لكن شريعتنا السمحة الغرَّاء جعلته إنسانًا عالمًا إمامًا، يرجع إليه الناس في الفتوى، ومدرسة يتخرج على يده الألوف من العلماء، وهو عندهم في محل الإكبار والحب والتقدير والاحترام

والمتأمل في تاريخنا العلمي الإسلامي يجد الكثير من العلماء الذين أًصبحت إعاقتهم أو عاهتهم عَلَمًا يدل عليهم، ونذكر من بين هؤلاء العلماء :-

1- الأحول :- هو عاصم بن سليمان البصري (تُوفِّي 142هـ) من حُفَّاظ الحديث ثقة، واشتهر بالزهد والعبادة.

2- الأخفش :- وقد سُمِّي بهذا الاسم من أهل العلم أربعة، هم: الأخفش الأكبر، والأوسط، والأصغر، والدمشقي؛ أما الأكبر فهو عبد الحميد بن عبد المجيد (توفي 177هـ) من كبار علماء اللغة العربية. وأما الأوسط فهو سعيد بن مسعدة المجاشعي (توفي 215هـ)، وكان عالمًا باللغة والأدب. وأما الأصغر فهو علي بن سليمان بن الفضل (توفي 315هـ)، أحد علماء النحو. وأما الدمشقي فهو هارون بن موسى بن شريك التغلبي (توفي 292هـ) شيخ القرَّاء بدمشق، كان عارفًا بالتفسير والمعاني والشعر.

3- الأصم :- وقد سمي بهذا الاسم من أهل العلم اثنان، هما: حاتم بن عنوان (توفي 237هـ) الذي اشتهر بالورع والزهد والتقشف، وكان يقال: حاتم الأًصم لقمان هذه الأمة. والثاني محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي، ولقب بالولاء أبو العباس الأصم (توفي 346هـ)، وكان من أهل الحديث، وكان ثقة أمينًا.

4- الأعرج :- هو عبد الرحمن بن هرمز (توفي 117هـ)، من موالي بني هاشم، حافظ، قارئ أخذ عن أبي هريرة، وبرز في القرآن والسنن، وكان وافر العلم، خبيرًا بأنساب العرب.

5- الأعمش :- هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء (توفي 148هـ) تابعي، مشهور، وكان عالمًا بالقرآن والحديث والفرائض، حتى إنه قيل: لم يُرَ السلاطين والملوك في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش، على الرغم من شدة حاجته وفقره.

6- الأعمى :- هو معاوية بن سفيان (توفي 220هـ)، شاعر بغدادي من تلاميذ الكسائي.

7- الأفطس: هو علي بن الحسن الهذلي (توفي 253هـ) مُحدِّث نيسابور، وشيخ عصره فيها، وكان من حفَّاظ الحديث، وله مسند ..  دين الإسلام.. يا لهُ من رحمة حطت على البشرية جمعاء، ويا لهُ من خير حط على العالم أجمع..

ويا للرحمة التي عمّت علينا نحن المسلمون بدخولنا فيه وباعتناقنه له..

دينٌ وقد خصّ اهتمامه بالفرد المسلم، والمسلمة سواء.. بالصحيح، والعليل سواء.. بالكبير، والصغير سواء..

لم يمنع حقًا عن فردٍ دون الآخر، ولم يعزل فردًا من مكان وزمان دون سواه..

فقد أعطى لكل فرد من أفراد الأمة الحق بالحياة، وبطلب العلم، وبالعمل، والسعي

ووعد كل ساعٍ وراجٍ ومبتهل ونائب وعاملٍ، بجزاء ولم يخص أحدا عن غيره

لهذا فإن جزاء المسلم المؤمن الساعي لرضا الله لن يكون بجنسه أو لونه أو غير ذلك بل بتقواه وعمله..

فالإسلام ينظر إلى جميع الأفراد بسواسية ولا يميز فردًا عن آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح..

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" صحيح مسلم.

لقد كان الإنسان منذ عهدٍ قديمٍ مضى الكائن صاحب المكانة والكرامة في الإسلام، له واجبات وحقوق وقائمٌ بالحياة لينال أجره على أعماله

فما بالنا بأصحاب ذوي الإعاقة، ما بالُنا بالمعوقين الذين قد منحهم الله أجسادًا غير كاملة.. أو قد نزع منهم أحد الحواس، أو ابتلاهم بمرض وضعف ووهن..

لم يكن ذلك ولن يكون إلا لسبب واحد.. ووحدهُ العاقل النبيه صاحبُ النظرة الواعية لهذا الدين القيم من يعرف المغزى من ذلك

لم يمنعك الله من شيء إلا ليبتليك، وما ابتلاك إلا ليمتحنك، وما امتحنك إلا ليجزيك

فما تفعل إن عرفت أن ابتلاءك هو ثواب لك إن عليه صبرت، وإلى ربك حمدت وشكرت وأنبت

وما أنت بهذه الحياة إلا عابر سبيل، فهل تصبر على سفرك بالدنيا التي لن تدوم، لتلقى ربك بعدها وقد أعاد إليك صحتك، وبرأك من سقمك وأصبحت سيد أهل الجنة بصبرك على ما ابتلاك الله في دنياك..؟؟

بلى.. لو عرفتَ لفهمتَ.. وعملتَ بما علمتَ.. ونلتَ.. وجُزيتَ.. بإذن الله عز وجل..    

لمحة عن نظرة المجتمعات القديمة ( قبل الإسلام) لذوي الإعاقة :

لقد كان ذوي الإعاقة قبل عهد الإسلام، وقبل نزول هذه الشريعة السمحة على العالم أجمع، يُعاني في حياته، سواء في المجتمعات العربية، أوحتى الغربية، رغم أن النظرة الغربية بالعالم الغربي كانت أكثر حدة ونبذا لهؤلاء..

لقد كان الشخص المعاق فألاً سيئًا على أسرته، وكان ذلك هو التفكير السائد حينذاك لدى الغرب.. وكانت كل أسرة تُبتلى بطفلٍ معاقٍ إلا ويصيبها الهلع والجزع.. والخجل والحياء من الناس، فتُخفيه عن أعينهم، وتُبعده عن ناظرهم، حتى لا يختلط بهم، فلا يهزؤون منه، ولا يُعايرون أهله به..

وكانت الأسر التي تُرزقُ بمعوقين تُنبذ من الناس وتُرى بعين الدونية والقصور، وكثيرًا ما كانت بعض الأسر تقتل أبناءًا معوقين رُزقت بهم، فقط كي لا ينظر إليها المجتمع نظرة دونية، وحتى وإن رضَتْ به فإنها تبقى طيلة حياتها تخفيه عن الآخرين..

وقد وصلت بعض الأمم الغابرة إلى إعدام ونبذ المعوقين، أو رميهم بالغابات والقفار لتنال منهم الوحوش الضارية، وترى أن ذلك هو جزائها حتى لا تبقى تخالط الآخرين وتفسدُ حياة الأسوياء..

أما لدى العرب فالأمر كان أقل حدةً، مع أنه كانت ميزة نبذ المعوقين أيضًا سائدةً، فقد كانت العرب تنظر إلى ذوي الإعاقة نظرة احتقار وازدراء، وأنه لا جدوى من وجودهم بالحياة، وكثيرا ما كان يُخاف منهم من العدوى أو انتقال المرض لغيرهم..

والبعضُ كان يرى أنهم مسكونون بعفاريت وأشباح ستنتقل إلى الآخرين إن احتكوا به وكلموهم، فكان النبذ والضرب، والشدة تميز علاقتهم بهؤلاء المعوقين.. وحتى وإن عاش بينهم فإن التحاشي كان سمة أفرادهم، وعدم الأكل معهم وعدم مقاسمتهم الأكل أو المجلس أو الحديث احتقارا وازدراءًا لهم.. كما أن السخرية والازدراء كانت من طبع المحيطين بالمعوق، وكان يستهزؤون منهم ومن مرضهم وإعاقاتهم وابتلائاتهم.

وفي بعض الأمم ولدى بعض الديانات كالهندوسية، وغيرها .. كانت ترى أن المعوق لعنة أُصيبت بها أسرته، وطامة حلت بهم وكان الأمر يصل بهم إلى تقديمه قربانًا تأكله النار، أو يُرمى في الغياهب حتى يتقربوا من الآلهة ويعودوا لسابق عهدهم وترضى عنهم الآلهة.

المبحث الثاني :نظرة الإسلام لذوي الإعاقة:

بعد أن بزغت شمس الإسلام، وبعد أن أطلت سماحته وعدالته وعمت الأمة جمعاء، فقد خلّصت العباد والبلاد من تلك النظرة القاصرة للمعوقين..

وقد جاء الإسلام ليصحح للناس النظرة الخاطئة التي حملوها عن المعوق، وحمل رسول الله عليه ألف صلاة وسلام رسالة سماوية لجل البشر حتى يعدّلوا من سلوكاتهم مع المعوقين، وغرس فيهم الكثير من القيم والخصال التي لم تكن سائدة في وقتهم، وجعلهم يعاملون المعوق كشخص له روحٌ ونفسٌ وحقوقٌ مثله مثل غيره من البشر..

بل وأكثر من ذلك فإن المعوق له الأولوية في الحقوق قبل الأسوياء، وله الحقوق المضمونة قبل غيره من الأصحاء..

وصار المعوق يعيش في ظل وعزة الإسلام في أمن وسلم وهدوء وسكينة لم يذق طعمها قبل نزوله، وقد عمد الإسلام إلى ضرورة معاملة المعوقين معاملة حسنة تضمن لهم الكرامة الإنسانية، وعزة النفس.

وجاء ليغير بعضًا من سلوكاتهم المشينة اتجاه المعوقين، وقد نبذ بعض تصرفاتهم، كالسخرية منهم والتهكم عليهم وعلى أمراضهم وإعاقاتهم، إذ قال تعالى في هذا المضمون: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون " الحجرات، الآية11. فاحتقار الناس والاستخفاف بهم حرام وقد حذر منه الله عز وجل، كما حذر النبي الكريم منه أيضًا.

  كما قد جاء دين الإسلام للمساواة بين الناس، وجعل المعيار الفاصل بين التفضيل بينهم هو التقوى، في قوله عز وجل: "إن أكرمهكم عند الله أتقاكم"، كما أكد لنا الإسلام أن الإنسان مكرّم في أصل خلقه لقوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء الآية 70.

كما جاء الإسلام ليبين لنا أن أمر الخلق ونقص الصفات الجسمية، أو الابتلاء بالإعاقة هو أمر من عند الله، وليس للإنسان يد فيه، لقوله تعالى: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم" آل عمران، الآية 6.

كما بين لنا أيضا ديننا الكريم معاملة الناس بالحسنى وعدم نبذ أو نفور من ابتلاه الله من ذوي الاحتياجات الخاصة، لقوله تعالى: " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" النور، الآية 61.

كما قد بشر نبينا الحبيب كل مبتلى بإعاقة وقد صبر عليها بأن له الجنة، والجزاء الحسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يُشاك شوكةً فمَا فوقهَا إلاَّ كُتبت له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة"

لقد كانت، ولازالت، نظرة الإسلام للمعوق نظرةً كريمةً قويمةً، أعادت له حقه المسلوب في زمنٍ غابرٍ، وأعادت له إنسانيتهُ التي انتُهكت من خرافاتٍ لا أساسَ لها من الصحة ولم يكن لها من سلطان، سوى تلك العقول المتحجرة التي لم يُنرها الله إلا بنور الإسلام الذي أنار العقول والقلوب والحياة أجمع..                                                                             ولقد أكرم الله عز وجل الإنسانية بأن أرسل رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فأرسله برسالة الإسلام السَّمْحة، التي تدعو إلى العدل بين خلق الله، وأنَّ الناس سوف تحاسَب على أعمالها وعلى تقوى القلوب، وليس على أشكالهم، أو ألوانهم، أو أجناسهم، أو عشيرتهم، أو قدراتهم الذهنية أو البدنية؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، سبحان الله، كأن الله تعالى يقول لنا: إن الحكمة من تعدد أجناسنا وأحوالنا هو أن نتعرف بعضنا على بعض.                                                                                        

المطلب الأول :

حقيقة الإعاقة في الإسلام:

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وقال أيضًا: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 24].

ذكر الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: "هذا مثلٌ ضربَه الله للكافر والمؤمن؛ فأما الكافر، فصُمَّ عن الحق فلا يسمعه، وعَمِيَ عنه فلا يبصره، وأما المؤمن، فسمع الحق فانتَفع به، وأبصَره فوعاه، وحفظَه وعملَ به".

وقال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

هذه الآيات الكريمة تصف مَن لم يستعملْ حواسه وجوارحه مِن سمْعٍ وبصرٍ وقلوبٍ تَعقِل للوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وَصفَهم بأنَّهم كالأنعام، بل هم أضلُّ؛ لأنَّ الأنعام تؤمن بالله عز وجل.

تأملوا معي هاتين الآيتين الكريمتين من أواخر سورة الكهف: ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ [الكهف: 100، 101].

سبحان الله العظيم! يا له من وصف دقيق وعجيب لأهل الكفر، وصَف الله تعالى المُعرضين عن الحق الكافرين (والكفر لغةً هو الستر والتغطية على الشيء) بأنَّ أعينهم لا ترى الحق، وآذانَهم لا تسمع الحق أو حتى تستطيع السمع، أو "لا تعقل كلام الله عز وجل" كما ورد عن مجاهد رضي الله عنه، وفي هذا فَصَل القرآن الكريم ما بين القدرة على السماع والقدرة على الفهم، والله أعلم.

إنَّ الإعاقة في نظَر الإسلام هي وصف لمَن لم يستعمل حواسه وجوارحه في الوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وليس من ابتُلي بإعاقة عقلية أو سمعية أو بصرية.

لنتأمل كلمات الله عز وجل في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

• الإسلام ينظر إلى الإعاقة على أنها ابتلاء وامتحان من الله تعالى؛ ليُمحِّص الله تعالى المؤمنين الثابتين الصابرين على تلك البلية؛ ففي إيمان العبد لا بد أن يكون هناك ثقة تامة أن ما أصابه لم يكن لِيخطئَه، وأن ما أخطأه لم يكن لِيصيبَه، وأن كل شيء مكتوب في علم الغيب عند الله، وأن الله تعالى ما شاء فَعَل، وأنَّ بيده تصاريف الأمور كلها. هذا الإيمان يقضي بالتصديق بأنَّ ما أصاب العبد هو أمر مكتوب، ربما كان فيه الخير ولو أن فيه عُسرًا ومشقةً؛ قال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وقال عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وهنا التفاتةٌ إلى أنَّ الله تعالى خَتَم الآية بقوله: إنَّ العلم محصورٌ عنده وإننا - نحن البشر - قاصرون عن فهم الصورة الكاملة لواقع أمور قد يبدو ظاهرها أن فيها السوء.

• المسلم ينظر إلى الإعاقة على أنها دفع للضرر، أو كفارة للذنوب، أو رفع للدرجات، أو تقرُّب إلى الله تعالى، وأنَّ هناك منحة في المحنة مِن الله تعالى، كما ورد عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: ((إنَّ عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم))، وقال أيضًا: ((أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلَى الرجل على حسب دينه، إن كان دينه صلبًا اشتَد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركَه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))، ووَرد عنه أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد إذا سبقت له من الله منزلةٌ لم يَبلغْها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك، حتى يُبلِّغه المنزلة التي سَبَقت له مِن الله تعالى)).

• الإعاقة تدفع إلى الحمد من جهتين؛ من جهة المحيطِين بالمريض أو المعاق، كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضَّلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلًا، كان شكر تلك النعمة))، ومن جهة المعاق الذي يحمد الله تعالى ويرضى بقدر الله. لنتأمل في هذا الحديث العظيم، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: ((أولُ من يُدعَى إلى الجنة الحمَّادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء))، يا ألله ويا لَرحمته وفيض عطائه!

• تصبير لكل ذي إعاقة: قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يُشاك شوكةً فما فوقها إلَّا رفَعه الله بها درجةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً))، فإذا كان الإنسان يؤجَر على الشوكة وهي أمر عرَضي لا يؤلم إلا للحظات؛ فما بالك بمن حياتهم كلها أشواك وآلام؟ فهنيئًا لأصحاب الأَسِرَّة البيضاء وأصحاب الابتلاءات وذويهم على بشرى برضا ورضوان من الله، ومغفرة وحط للخطايا عن كل لحظة، وكل دمعة، وكل ألم.

الجانب الإيماني للمعاق:

لا شك أن مَن به إصابة أو عاهة ممتحَن في إيمانه، فينبغي أن يعلم كلُّ مَن به إعاقة أن هذا من القضاء والقدر الذي أُمِرنا أن نؤمن به، هذا الإيمان يجعل النفس في اطمئنان ورضًا؛ إذ لا ينبغي السَّخَط على قضاء الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، روى أحمدُ وابن ماجه عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أن الله تعالى عذَّب أهل سمواته وأرضه، عذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك أُحُدٌ أو مِثْلُ أُحُدٍ أنفقتَه في سبيل الله عز وجل، ما قُبِلَ منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلمَ أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإنك إن مِتَّ على غير هذا دخلتَ النارَ))، والمؤمنُ صادقُ الإيمان يوقن تمام اليقين أن أمره كله في السراء والضراء خيرٌ؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي يحيى صُهَيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجَبًا لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابَتْه سرَّاءُ شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبر؛ فكان خيرًا له))، ويكفي هذا المعاقَ أجرًا إن صبر أن يدخل الجنةَ دون حساب؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل قال: إذا ابتلَيْتُ عبدي بحبيبَتَيْه (أي: بفَقْدِ عينيه)، فصبَر، عوَّضْتُه منهما الجنةَ)).

المعاق الحقيقي:

يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة حينما يأتي ذكر كلمة المعاق أنه المبتلى والمصاب بعاهة في بدنه، إلا أن الله تعالى أعطانا في القرآن الكريم معنًى للمعاق قد يغيبُ عن الأذهان؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، قال ابنُ كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "أي: ليس العَمَى عَمَى البصَر، وإنما العَمَى عَمَى البصيرة، وإن كانت القوةُ الباصرة سليمةً، فإنها لا تنفُذُ إلى العِبَر، ولا تدري ما الخَبَر"، ثم ذكر شعرًا لابن حيان الأندلسي، منه:

إن كنتَ لا تسمَعُ الذِّكرى ففِيمَ ترَى

في رأسِك الواعيانِ السَّمعُ والبصَرُ

ليس الأصمُّ ولا الأعمَى سوى رجُلٍ

لم يَهْدِه الهاديانِ العينُ والأثَرُ

كذلك بيَّن الله تعالى أن مِن أصناف أهل النار هؤلاء الذين يعطِّلون جوارحَهم مِن سمع وبصَر وعقلٍ عمدًا؛ بابتعادهم عن طريق الهدى، وسلوكِهم طريقَ الضلالِ والرَّدى؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، فهؤلاء خُلِق لهم جوارحُ لكنهم لا ينتفعون بها، وعطَّلوها عمدًا؛ بعدم قبول الحق، وعدم سماع الهدى، تمامًا كما للأنعام جوارحُ لا فائدة منها، إلا أن تسمعَ صوت صاحبها يصرخ فيها، لكنها لا تعقِل.

نظرة تاريخية للمعاقين:

إن الذي يقرأ في كتب التاريخ يتأكد لديه أن المعاق في الأزمنة والعصور قبل الإسلام كان منبوذًا؛ ففي زمن الفراعنة كانوا يتخلَّصون بالموت من المعاقين، وفي زمن الفلاسفة اليونانيين كانوا ينادون بإخراج المعاقين مِن مدينتهم الفاضلة؛ لأنهم أرواحٌ شريرة، وفي بعض دول أوربا كانوا يسُنُّون القوانين التي تمنع هؤلاء المعاقين حقوقَهم في الوظائف العامة والمناصب الهامة في الدولة، أما في الإسلام فقد لاقى المعاقُ كل تكريم وعناية ورعاية من الناحية الأدبية، ومن الناحية التشريعية؛ فقد جعل الإسلام مِن أبواب الصدقات أن تعين المصاب، ومَن به عَجْزٌ؛ عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على كل نفس، في كل يوم طلعَتْ فيه الشمس، صدقة منه على نفسه))، قلت: يا رسول الله، مِن أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: ((لأن مِن أبواب الصدقةِ التكبيرَ، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكَر، وتعزِل الشوك عن طريق الناس، والعَظْم والحجَر، وتَهْدي الأعمى، وتُسمِع الأصمَّ والأبكم حتى يفقَهَ، وتدُلُّ المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدَّةِ ساقيك إلى اللهفانِ المستغيث، وترفَعُ بشدَّةِ ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جِماعِ زوجتك أجرٌ))؛ (الحديث رواه أحمد واللفظ له، ومعناه أيضًا في مسلم)، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله، والجهاد في سبيله))،قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: ((أنفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا))،قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تُعين صانعًا، أو تصنَعُ لأخرَقَ))، (والأخرقُ: هو الذي لا عقل له، أو الذي لا صنعةَ له)، قال: قلت: يا رسول الله، إن ضعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: ((تكُفُّ شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقةٌ منك على نفسك))؛ رواه مسلم في كتاب الإيمان، كذلك حرَّم الله تعالى الاستهزاء والسخريَّة مِن أهل البلاء، أو حتى على وجه العموم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]، كذا علَّمنا الإسلام التأدُّبَ عند رؤية أهل البلاء؛ روى الترمذيُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رأى صاحبَ بلاءٍ، فقال: الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممَّن خلَق تفضيلًا، عُوفِيَ مِن ذلك البلاء)).

واهتمَّ الخلفاء المسلمون بالمعاقين بعد ذلك؛ فمنهم من أعطى لهم راتبًا ثابتًا من بيت المال؛ كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنهم من أحصى عددهم، وقدَّم لهم الخدمات التي تناسب كل واحد منهم؛ كعمر بن عبدالعزيز، كما أقام بعض الخلفاء مستشفيات للمجذومين؛ كالوليد بن عبدالملك، وفي الفقه الحنفي أجاز أبو حنيفةَ الإنفاقَ على المعاقين من بيت مال المسلمين، وفي العصر الحالي وسَّعت الدول والحكومات دائرة الاهتمام بالمعاقين؛ فخصَّصَت نسبة ثابتة من الوظائف العامة لهم، ولم تمنَعِ المعاق من تقلد المناصب، ما دام كفئًا في عمله، كما خصصت لهم الأندية والمتنزهات التي تناسب أحوالهم، وهناك مقترحات لابتكار الطرق والوسائل التي تعين المعاق على إبداء رأيه، وإشراكه في الحياة السياسية في كثير من دول العالم.

الحقوق التشريعية للمعاقين:

اهتمَّ الإسلام بحقوق ذوي الإعاقة ، فجعلهم مع غيرهم من الأسوياء متساوين في حقوق العيش، والحرية، والتعليم، وإبرام العقود، والتملُّك، وإبداء الآراء السياسية؛ كالانتخاب وغيرها، وتولِّي الوظائف التي تصل إلى الإمارة، كما أعفاهم من مهمة القتال والدفاع عن الأوطان لهذه العلة؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17]، كما أمَر الإسلام بزيارة ذوي الاحتياجات الخاصة، وعدمِ تركهم وعزلهم، وهذا مِن باب الرحمة بهم؛ فقد كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يُكثِر من زيارته لهم؛ روى البيهقي والبزار والمنذري من حديث جبير بن مطعم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((اذهبوا بنا إلى بني واقف نزور البصير)) (وكان هذا رجلًا أعمى).

وقد حثَّ الإسلامُ على التعامل بالرحمة مع كافة الناس؛ فمن باب أولى أن توجه هذه الرحمة إلى أمثال هؤلاء؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن، كذلك فإن أُسَر هؤلاء المعاقين ينبغي أن تكون في دائرة الاهتمام على مستوى الدول، بتقديم العون المادي والاجتماعي، وتوفير فرص عمل ملائمة، وصنعة تناسب حالة كل منهم، فالأمة كلها جسد واحد، تتألم لتألُّم عضو فيها، فلا تجد تكافلًا على وجه الأرض أفضل وأكمل مما حث عليه ديننا الحنيف، وفي هذا يكون التعاون والتكاتف؛ ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

معاقون في المقدمة:

وفي السيرة النبوية نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولَّى إمارة المدينة لعبدالله ابن أم مكتوم أكثر من عشر مرات، وبعث معاذ بن جبل عاملًا على اليمن وأميرًا لها وكان شديدَ العَرَج، واشترك عمرو بن الجموح في القتال في غزوة أُحُد، وكان من أوائل الشهداء فيها، وتسابق الناس إلى التعلم من عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وكان قد كُفَّ بصرُه في آخر حياته، وكان ينشد قائلًا:

إنْ يأخُذِ اللهُ مِن عَيْنَيَّ نورَهما

ففي لساني وسَمْعي منهما نورُ

قَلْبي ذكيٌّ وعَقْلي غيرُ ذي عِوَج

وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثورُ

وكان عطاءُ بن أبي رباح من كبار المفتين في زمنه، ورغم ذلك كان أعور العين، أفطس الأنف، أعرج الرجل، أشلَّ اليد، أقطع الأذن، وغيره ممن كانت إعاقته عَلَمًا عليه في علمه؛ كالأصم حاتم بن عنوان (توفي 237هـ)، وكان مشهورًا بالزهد والتقشف، ووصاياه معروفة ومشهورة، والأعمش سليمان بن مهران الأسدي بالولاء (توفي 148هـ)، وهو تابعي حافظ للحديث وعالم فيه، والأخفش عبدالحميد بن عبدالمجيد (توفي 177هـ)، وكان عالِمًا في اللغة العربية والنحو، والأحول عاصم بن سليمان البصري (توفي 142هـ)، وهو مِن حفَّاظ الحديث، والأعرج عبدالرحمن بن هرمز (توفي 117هـ)، وكان عالِمًا في القرآن والسنة، وخبيرًا بأنساب العرب، وغير هؤلاء الكثير.

كما لا يخفى علينا كلُّ نابغة في عصرنا في العلوم المتعددة، الدِّينية منها والدنيوية، ممَّن اشتهروا وذاع صِيتهم، وكل بلد أدرى بمَن فيه من هؤلاء الأفذاذ من ذوي الإعاقة الذين تفوَّقوا على أقرانهم مِن الأصحَّاء.

إن دِيننا الإسلامي لا يُغفِل فئة في مجتمعه، خاصة إذا كانت هذه الفئة تحتاج إلى تعامل مِن نوع خاص، وكيف له أن يُغفلها أو يُهملها ورسالته رحمة للعالمين؟! ولكن يبقى لمنتسبي الإسلام فهم هذا الدِّين فهمًا صحيحًا؛ لينشروا هذه الرسالة المحمدية التي رحِمَتِ الإنسان والطير، حتى الجماد؛ فقد التزم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جِذْع النخلة، وضمَّه إليه حينما حَنَّ لفِراقه بعد أن اتخذ منبرًا للخطابة؛ فالرحمةَ الرحمةَ بالمعاقين .

                         


ذوي الإعاقة ومنزلتهم عند الله :

وفي زمن صدر الإسلام نجد أنفسنا أمام منزلة كبيرة وضعها الله سبحانه لهؤلاء الضعفاء,ولعله من المناسب أن نذكر مكانة هؤلاء عند الله بعد أن آمنوا به وبرسوله ونصروا الدعوة الإسلامية منذ بدايتها وتحملوا في سبيلها الكثير, موضحا أن المتأمل في القرآن الكريم يجد أمامه مثلاإيجابيا من أمثلة الاهتمام والرعاية,وهذا المثل القائم والخالد بخلود كتاب الله تعالي وهو عتاب الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم في قصة الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم ذلك الأعمي الذي حضر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ليجلس معه كما تعود فأعرض عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم لعدم فراغه وانشغاله بدعوة كفار مكة وسادتها ومحاولة جذبهم إلي توحيد الله وأدار وجهه عنه والتفت إليهم,وبالطبع لم ير ابن أم مكتوم ما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم لأنه أعمي, فجاء عتاب الله لنبيه عبس وتولي أن جاءه الأعمي...., وبهذه الآيات البينات أوضح الله تعالي لنبيه ولأمته أن المؤمن الضرير الكفيف هو أطيب عند الله من هؤلاء الصناديد الكفرة, فكان صلي الله عليه وسلم كلما رآه هش له ورحب وقال أهلا بمن عاتبني فيه ربي..., ورغم فقر ابن أم مكتوم وثراء هؤلاء القوم إلا أنه عند الله أثقل ميزانا وأحسن حالا وأفضل مقاما وربما يكون ابن أم مكتوم نبراسا لهؤلاء الضعفاء وكذلك الأغنياء.

اننا لا نبالغ إذا قلنا إن الخليفة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين,قد حث علي إحصاء عدد المعاقين في الدولة الإسلامية, ووضع الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الحنفي تشريعا يقضي بأن بيت مال المسلمين مسئول عن النفقة علي هؤلاءالمعاقين,أما الخليفة الوليد بن عبد الملك فقد بني أول مستشفي للمجذومين عام88 هـ وأعطي كل مقعد خادما وكل أعمي قائدا, ولما ولي الوليد إسحاق بن قبيصة الخزاعي ديوان الزمني بدمشق قال: لأدعن الزمن أحب إلي أهله من الصحيح, وكان يؤتي بالزمن حتي يوضع في يده الصدقة,والأمويون عامة أنشأوا مستشفيات للمجانين والبلهاء, فأنشأ الخليفة المأمون مأوي للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة,وقام السلطان قلاوون ببناء مؤسسات لرعاية المعاقين,بل وكتب كثير من علماء المسلمين عن المعاقين مما يدل علي اهتمامهم بهم مثل: الرازي الذي صنف( درجات فقدان السمع) وشرح ابن سينا أسباب حدوث الصمم.

دمج المعاقين في المجتمع

وأن من العلماء المسلمين من كان يعاني من إعاقة ومع هذا لم يؤثر ذلك عليهم بل أصبحوا أعلاما ينصرون هذا الدين بالقول والفعل فمنهم علي سبيل المثال وليس الحصر,أبان بن عثمان حيث كان لديه ضعف في السمع ومع هذا كان عالما فقيها,وايضا محمد بن سيرين كان ذا صعوبة سمع شديدة ومع هذا كان راويا للحديث ومعبرا للرؤي,وفي هذا الزمان نجد أمثلة كثيرة, ويكفي ان الله سبحانه وتعالي قد انعم عليهم بحفظ كتاب الله تعالي مما يدل علي رفعة شأنهم عنده تعالي.

وحول دمج المعاق في المجتمع, وان الإسلام أعطي لهؤلاء المعاقين حقوقهم,فحرص علي دمج المعاق في مجتمعه, فقد ولي الرسول صلي الله عليه وسلم ابن أم مكتوم علي المدينة عندما خرج لإحدي غزواته,كما يتجه الإسلام إلي المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه المعاق فيعلمهم ويربيهم علي السلوك الذي يجب عليهم أن يسلكوه في معاملتهم لإخوانهم وأهليهم من ذوي العاهات فهو يعلن بصريح العبارة أن ما حل بإخوانهم من بلاء لا ينقص قدرهم ولا ينال من قيمتهم في المجتمع فهم جميعا سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوي فقد يكون صاحب العاهة أفضل وأكرم عند الله من ألف صحيح معافي كما اخبر بذلك رب العزة تبارك و تعالي إن أكرمكم عند الله أتقاكم..., فالميزان الحقيقي هو التقوي وليس المال أو الجاه أو الصحة أو الصورة الخارجية أو غير ذلك لأنه لا يمكن أن تتحقق الغاية السامية من هذه الحياة إلا إذا تحقق ميزان التقوي, هذا الميزان الذي له وقع أخاذ في ضمير المسلم بما يحويه من الخير والاستقامة والصلاح والإصلاح للفرد والمجتمع وللإنسانية جمعاء, فالتقوي شاملة لكل فضيلة.

وقد أكد الرسول صلي الله عليه وسلم هذه القيمة في أكثر من حديث ففي حجة الوداع التي حوت جوامع الكلم وأخطر قواعد الإسلام قال صلي الله عليه وسلم أيها الناس, إن ربكم واحد وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي علي عجمي ولا لأسود علي أحمر إلا بالتقوي, خيركم عند الله أتقاكمولكي ينزع من النفوس بقايا القيم الأرضية قال صلي الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم, ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم.

مكانة المعاقين:

أن لأهل البلاء مكانة في المجتمع بإسهامهم في خيره وإسعاده فقد رأي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن له فضلا علي من دونه, فقال صلي الله عليه وسلم هل تنصرون, وترزقون إلا بضعفائكم رواه البخاري,وعند النسائي إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعواتهم وصلا تهم وإخلاصهم قال ابن بطال( تأويل الحديث إن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا), وقال الحافظ المهلب( أراد صلي الله عليه وسلم بذلك حض سعد علي التواضع ونفي الزهو علي غيره وترك احتقار المسلم في كل حاله), وقد نهي الإسلام عن الغيبة وذكر المسلم أخيه بما يكره, فبذلك يكون المجتمع ميدانا رحبا أنشأه الإسلام للحياة السعيدة الكريمة فيكون مجتمعا لا يستخف بهؤلاء الضعفاء والمعاقين ولا يزدريهم,مشيرا الي انه في مقابل ذلك يتوجه الإسلام إلي خير علاج وأصلحه لنفس المعاق ليجتث منه القلق والشعور بالنقص ويحل مكانه الرضا والثقة والسعادة حيث يرشده إلي أن ما يعانيه من شدة العاهة لا ينقص من كرامته كما لا يحط من قيمته في الحياة, لأن العاهة الحقيقية هي تللك التي تصيب الدين والخلق للمسلم وبمعادلة بسيطة يقارن الإنسان بين فقد البصر مثلا وفقد الشرف ويقارن بين بتر اليد أو الرجل وبتر الكرامة والأخلاق وتشوه الدين والضمير, إن تلك المقارنة لتحمل علي الحمد والرضا بسلامة ذي العاهة الجسدية من الإصابة بعاهة النفس علي النحو الذي ذكر في قوله تعالي فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

       

عناية الإسلام بذوي الإعاقة :

تشريعات الإسلام السامية التي ضمنت لذوي الإعاقة حقوقهم ، وأتاحت لهم حياة كريمة طيبة ، فمن ذلك :

1- أن المسلم لا يعذر في تقصيره تجاه هذه الشريحة ، فصاحب البلاء إما أن يكون ابناً أو بنتاً أو أخاً أو أختاً أوأباً أو أماً أو ..وهؤلاء هم من الرعية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع فمسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري، وهذه المسؤولية تأخذ أنواعاً عدة من أهمها مسؤولية تعليمه أمور دينه .

وينبغي أن يعلم الصلاة بالفعل؛ فيصلي عنده وليه أو غيره ويشار له أن يفعل هذا الفعل ، مع بيان الأوقات بالطريقة التي يفهمها أو بتعليمه الصلاة كل وقت بالفعل بعد أن يعلم أنه عاقل ، ويكتب له إن كان يعرف الكتابة حقيقة العقيدة الإسلامية وأركان الإسلام مع بيان معنى الشهادتين . وهكذا بقية أحكام الشرع توضح له كتابة . ومن ذلك أحكام الصلاة من الوضوء والغسل ومن الجنابة وبيان الأوقات وأركان الصلاة وواجباتها وما يشرع فيها وبيان السنن الراتبة وسنة الضحى والوتر إلى غير ذلك مما يحتاجه المكلف لعله يستفيد من الكتابة . ومتى علم عقله بأي وسيلة ، ثبت أنه من المكلفين إذا بلغ الحلم بإحدى علاماته المعلومة ولزمته أحكام المكلفين حسب علمه وقدرته . أما إن ظهر من حاله أنه لا يعقل فلا حرج عليه ، لأنه غير مكلف ، كما جاء في الحديث الصحيح : رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ والمعتوه حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ .

2- جعل الإسلام العمل من أجلهم ، وخدمتهم ، ونفعهم من أجل الأعمال قال صلى الله عليه وسلم : " أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا ، ومن كف غضبه ، ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل ، كما يفسد الخل العسل " حسنه الألباني في صحيح الجامع.

وقال صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " رواه البخاري ، وجعل إيثارهم على الغير ، وتخصيصهم بالعطاء ، من الصفات الحميدة ، قال تعالى واصفا للمؤمنين : {.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر آية : 9 .

3- جعل منهم من هو أهل للزكاة ، حيث ورد في رسالة الفقيه ابن شهاب الزهري رحمه الله لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله وهـو يوضح لـه مواضع السُّنة في الزكاة : " إنَّ فيها نصيباً للزَّمْنى والمقعدين ، ونصيباً لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عَيلة ولا تقليباً في الأرض".

و يدخل المعاقون ضمن الفئات المخصصة للزكاة ؟

إذا كان المعوق لا يقدر على الكسب ولا العمل وليس له من ينفق عليه من أب أو أخ أو أحد عصبته الذين يرثونه، فإنه أهل للزكاة، ويدخل في الفقراء والمساكين، فأما إن كان أحد ورثته ثرياً فإنه يلزم بالنفقة عليه، ولا يستحق الزكاة، أو كان يحسن صنعة كناسخ أو كاتب أو محترف بخياطة أو خرازة أو تجارة ونحو ذلك، فإنه لا تحل له الزكاة ، وذلك إن كثيراً من المعاقين معهم ذكاء وفطنة ، فتعلموا وعملوا في أعمال يدوية يستطيعون مزاولتها وهم قعود، ويكتسبون منها مالاً كافياً لهم، فهو أولى من اعتمادهم على ما في أيدي الناس، فإذن أحل وأطيب ما أكل الرجل من كسب يده.

4- أما الأوقاف فهي شامة في جبين تشريعات الإسلام ، وقد تعددت صور الأوقاف وتنوعت منافعها ، وكان ذلك واضحاً في حياة المسلمين الأوائل ؛ فالإسلام شجع الناس على إحياء سنة الوقف الخيري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم ، فكانت الاستجابة سريعة في تخصيص أوقافهم إلى ذوي الإعاقة .

إنَّ جزءاً مقدّراً من ريع الأوقاف  كان يُصرف على اللقطاء واليتامى والمقعدين والعجزة والعميان والمجذومين والمسجونين ليعيشوا فيها – أي الدُّور المخصّصة لهم – ويجدوا فيها السّكن والغذاء واللباس والتعليم والمعالجة .

إنَّ الوقف بابٌ مفتوح للبر والخيرات لمرضاة الله تعالى واكتساب الثواب ، ثم إدخال السرور والراحة إلى نفوس أفرادٍ من هذا المجتمع هم أوَلَى من غيرهم .

5- يسر لهم في الأحكام التكليفية ، ورفع الحرج عنهم ، {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح: 17 ].

بيد أن هذا التخفيف الذي يتمتع به المعاق في الإسلام، يتسم بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدر استطاعته، يقول القرطبي:

"إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك".

ومثال ذلك : الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجلّ التكاليف الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد.. أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل " رواه أبو داود وصححه الألباني .

ونختم هذه الجولة الماتعة بأمرين :

الأول : أعمال الخلفاء في مختلف العصور ، بما يؤكد الاهتمام بذوي الإعاقة اهتماماً خاصاً لخصوصية وضعها ، فمنها :

ما أثر عن عمر رضي الله عنه: " أنه منع التسوُّل ، وفرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال ، حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال " .

وورد أنَّ عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كتب إلى أمصار الشام: " أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه ، فأمر لكل أعمى بقائدٍ ، وأمر لكل اثنين من الزمنى بخادمٍ ".

وقد فعل مثله الوليد بن عبدالملك رحمه الله حيث اهتم بالمرضى والمكفوفين والمعوَّقين ، فرتب لهم النفقات اللازمة والعطاء المناسب ، وجعل لكل مُقعدٍ خادماً ، ولكل ضرير قائداً ، كما بنى مستشفى للمجذومين في ضواحي دمشق لا يزال قائماً ويحمل اسمه.

وقد قام كذلك أبو جعفر المنصور رحمه الله ببناء مستشفى للمكفوفين ومأوى للمجذومين وملجأ للعجائز في بغداد .

الثاني : أن نذكر بأن الاحترام ، والتقدير ، والأمن ، وإعطاء الحقوق ، هي من صور العدل التي ينشدها كل البشر ، وقد جاءت بتحقيقها كل الأديان السماوية ، وكان الإسلام الدين الخاتم من أعظم ما أعطى هذه المطالب البشرية حقها .

فقد سعد الناس ومنهم ذوو الإعاقة بشروق شمس الإسلام ، في الوقت الذي لم ينتبه أصحاب المناهج البشرية القاصرة لهذه الفئة إلا في وقت متأخر بعدما نحّى جانبًا نظريات عنصرية، فاسدة، تدعو إلى إهمالهم، بزعم أن هؤلاء -أمثال الصم والبكم والعمي والمعاقين ذهنيًّا- لا فائدة منهم ترتجى للمجتمع.

صفات ذوي الإعاقة: يشترط توافر عدّة صفات في الشّخص ليُطلَق عليه بأنّه من ذوي الإعاقة ، منها: وجود مَشاكل في وظائف الجسم والهيكل، وصعوبة الحركة والقيام بالأنشطة، بالإضافة إلى وجود عوائقَ تحول دون المُشاركة الطبيعيّة في الحياة. أنواع الإعاقة يُطلَق على الشّخص بأنّه من ذوي الإعاقة نتيجةَ وجود اضطرابات تُقسم إلى عدّة أنواع: اضطرابات جسديّة، أو حسيّة، أو نفسيّة، أو عصبيّة وفكريّة. أكثر أنواع الإعاقات انتشاراً هي الإعاقة الجسديّة يليها في المقام الثّاني الإعاقة الذهنيّة والحسيّة.


المطلب الثاني:

منزلة ذوي الإعاقة في السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع:

لا شك أن منـزلة ذوي الإعاقة من مبادئ الإسلام كسائر ما ينـزل بساحة الفرد أو الجماعة من المسلمين من ابتلاء، وبمقتضى العقيدة الإسلامية ينبغي استقباله على أنه قدر الله عز وجل المكتوب في الأزل لا رادّ له إلا هو، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) (البقرة:155-157).

أسس معاملة  ذوي الإعاقة في السنة النبوية:

ينبغي في البدء إقرار المبدأ الإسلامي العظيم، الذي تحددت به مكانة النوع دون النظر إلى أي اعتبار عداه ألا وهو تكريم الإنسان، فقد تقرّر في محكم التنـزيل غير المتشابه القطعي الثبوت والدلالة أن الأصل في النوع التكريم، قال تعالى: ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر (الإسراء:70)، وعـلى هذا فكل تنقّص من جهة أصل الخلقة الإنسانية موضـوعٌ في الإسـلام، وتجاوزٌ في حق الخالق الذي منح الإنسان هذه المكانة المميزة.

كما تمثل هذه الآية الكريمة منطلق كل تكريم للإنسان في القرآن والسنة النبوية، وإذا كان البحث قد استفاض في تناول التكريم الإنساني من جهة القرآن الكريم، فنرى السياق هاهنا يوجهنا نحو التماس بعض ذلك في السنة النبوية الشريفة، فقد ترجمت عن مظاهر كثيرة لهذا التكريم؛ من ذلك ما رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: « إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»، فالضمير في صورته هنا -كما نقـل النووي في شرحـه للحديث عن طائفة- يعود إلى الله تعـالى، ويكون المراد إضـافة تشريف واختصاص، وعليه فالحديث يخبر عن منـزلة رفع إليها المولى تبارك وتعالى الإنسان لم يخبرنا عن رفع مخلوق آخر إليها.

وتتأكد صور هذا التكريم الإنساني لدى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم من خلال احترام الكيان الإنساني الجسماني، حياً وميتاً؛ فعن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا».

كما يُلتمس تكريم النفس الإنسانية في البيان النبوي لقول الله تعالى تعقيباً على النهـاية المأساوية لقصة ابني آدم: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة:32) من تحميل ابن آدم القاتل أوزار المجرمين الذين يزهقون الأرواح بغير حق منذ اقتراف جريمته في حق أخيه إلى يوم القيامة؛ فعن عبد الله، رضي الله عنـه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»،

وهذا المبدأ الإسلامي العظيم في تكريم الإنسان يتيح لنا إمكانية أن نفهم كيف اتسمت معاملة ذوي الإعاقة بالصفة الخُلُقية السامية، والأدلة على ذلك كثيرة منها:

على المستوى النفسي:

من وجوه حفـظ هذا الاعتبـار الأدبي لذوي الإعاقة في أحـكام الإسلام ما ورد من النهي عن السخرية من الآخرين والتنـابز بالألقـاب؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (الحجرات:11)، فعن التنابز بالألقاب في الآية يقول الإمام الطبري: «إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك، ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها»؛ ولا شك أن مناداة صاحب الاحتياجات الخاصة بها من أكره الأشياء إلى قلبه، فالتحريم في الآية كفٌ لعامل من عوامل زيادة الأسى النفسي إلى أسى العاهة، ولا عجب أن نرى - بعدئذ- من يُنادى بعاهته في حالة يُرثى لها من الصراع النفسي، والحقد الاجتماعي، والنظرة المتشائمة للحياة.

وتجاوز الأمر إلى اتخاذ العاهة موضوعاً للسخرية، التي قد تأتي على سبيل التلهي الفارغ، يستـحق أن يقع تحت طائلة الوعيد، الذي تضمنـه حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

لهذا ينبغي أن «يقوم المربون بواجب النصح والتحذير لكل من كان حول المُصاب من خلطاء سواء أكانوا أقارب أم أباعد، حيث يحذرونهم مغبة التحقير والإهانة، ونتائج الاستهزاء والسخرية وما تتركه من أثر سيئ في نفوسهم، وما تحدثه من مضاعفات أليمة في أعماق أحاسيسهم ومشاعرهم».

فتحريم السخرية من الآخرين تُمثل في هذا المقام ضماناً نفسياً للمعاق فيتكيف مع إعاقته، واجتماعياً فلا يضيف للمجتمع عبء كراهيته إلى جانب عبء إعاقته.

كما يندرج في هذا السياق نهي الله تعالى عن النجوى بالإثم والعدوان أو بغيرهما في أحوال معينة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (المجادلة:9)، والحديث المتفق عليه، الذي رواه ابن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ»، في أحوال الناس الاعتيادية، أما إذا كان من يُتناجى دونه من ذوي الاحتياجات الخاصة المبتلين بنقص أو إعاقة فالظرف يُصبح مُشدّداً؛ إذ قد يتوهم في النجوى دونه ما يقع في إعاقته، فيزداد شعوره بالنقص، ويتأزم نفسياً.

لقد وضع الإسلام عن ذوي الإعاقة كثيراً من التكاليف، وخفف عنهم في أخرى؛ كما دلت على ذلك أحكام كثيرة وشواهد عديدة كسبـب نزول قوله تعالى: غير أولي الضرر (النساء:95)، فقد أخرج البخـاري في صحيحـه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُـومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ، لكن مـع هـذا فإنه يقبـل ما يصـدر من ذوي الاحتياجات الخاصة إذا بذل ما يفـوق جهـده تحدياً للإعاقة، وقـد ضرب لنا الصحابي الجليل عمرو بن الجموح، رضي الله عنه، المثل الأعلى في هذا المعنى.

أَتَى عَمْـرُو بْنُ الْجَمُـوحِ، رضي الله عنه، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُـولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِي بِرِجْلِي هَـذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ -وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ، فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ: هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا وَبِمَوْلاهُمَا فَجُعِلُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . فصرف طاقته الزائدة هنا يتحـول إلى رصيـد اجتمـاعي في إنجازات المجتمع الحضارية، خاصة إذا ارتبط الإنجاز بمعاني البطولة في سبيل الله.

على المستوى الاجتماعي:

1- قد يكون من المناسب في هذا المقام تبيان المكانة الاجتماعية لذوي الإعاقة من خلال حدث مهم سجله القرآن الكريم، قال تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) (عبس:1-10)، نزلت هذه الآيات في الصحابي الضرير عبد الله بن أم مكتوم، رضي الله عنه، فقد روى الإمام الطبري في تفسيره أن ابن مكتوم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه وهو يناجي أمية بن خلف وغيره فـأعرض عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون ... ، وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرتين على المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها. وقال أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء وعليه درع له؛ وكذلك روى الترمذي في سننه عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: «أُنْزِلَ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْـرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِـلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُـولُ: أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لا، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ »، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ويقول: إذا رآه «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول: له هل لك من حاجـة»، وأصبـح بذلك من خيرة الصحابة، شارك في الحكم زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحمل الراية في القادسية ففتح الله على بصيرته عوضاً عن بصره، فكان يحس بالأعداء ويقاتلهم، وبقي يحارب الفرس حتى قُطعت يده اليمنى التي يحمل فيها الراية وسقط شهيداً، وهذا يدل على عمق التشريع الإسلامي وإدراك الصحابة لذلك .

2- الدمج والانسجام الاجتماعي: وحرصاً من الإسلام على الانسجام الاجتماعي من جهة ودمج ذوي الإعاقة في النسيج الاجتماعي نقرأ قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (النور:61)، وقد نزلت هذه الآية «ترخيصاً للمسلمين في الأكل مع العميان والعُرجان والمرضى وأهل الزمانة (العاجزين بسبب أمراض مزمنة) من طعامهم من أجل أنهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم خشية أن يكونوا قد أتوا بأكلهم معهم من طعامهم شيئاً مما نهاهم الله عنه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً

يُلاحـظ هنا الحس الحضـاري الذي كان يتمتع به الصحابة، رضي الله عنهم، تجاه إخوانـهم الزمنى، ذوي الإعاقة ؛ إذ كانوا يخشون إذا أكلوا معهم أن يأكلوا من نصيبهم فيكونوا بذلك قد أكلوا أموالهم بالباطل. لكن الله تعالى غلّب النـزعة الإنسانية الاجتماعية في دمج ذوي الإعاقة اجتماعياً، فنفى عنهم الحرج في ذلك ودعاهم للالتئام فيما بينهم على موائد الطعام أُلفة وتمازجاً. وقيل أيضاً في سبب نزول الآية - وهو ملمح آخر في التمازج الاجتماعي بين الأصحاء وذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمع الصحابة - إن المسـلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا زمناهم وكانوا يدفعون إليهم مفـاتيح أبوابهم يقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، وكانوا (أي الزمنى) يتحرجون من ذلك، يقولون: لا ندخلها وهم غُيّب، فأنزلت هذه الآية رخصة لهم، هكذا يُشعر المسلمون هذه الفئة منهم أنهم أهل لكل التقدير ورفعة المنـزلة والقرب الاجتماعي منهم.

3- الأهلية والرعاية الاجتماعية: أما ما يعرض لذوي الإعاقة من انتقاص أهلية أدائهم بسبب الإعاقة وما يترتب عنها من عوارض الأهلية، فلا يمس بأهلية الوجوب لهم، وعليه فالإرث والعطايا تستحق لأشد أنواع ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين تُصبح إرادتهم غير معتبرة، وينوب عنهم في حيازتها وحمايتها وتثميرها من يقوم على ولايتهم، ولا يجوز لهؤلاء التصرف في أموال من تحت ولايتهم إلا بما فيه مصلحتهم، وتندرج الولاية على النفس ضمن الرعاية لحقوق ذوي الإعاقة.

وعمـل الولي عـلى النفس في هذا الصـدد يتجلى في حفظ المجنون أو المعتوه وصيانتـه، والمحافظة على ماله، ولا يتركه في الطرقات بحيث يتعرض الناس لأذاه، أو يؤذونـه، ويكون مظـهره معلناً فَقْد كرامته، والمطـالبة بعقـوبة من يؤذونه، والضمـان من ماله إذا أتلف مال غيره، أو جـنى جناية؛ إذ تُعـد أعماله من قبيل الخطأ، فلا تكليف عليه بفقد مناط التكليف.

كما منعت الشريعة بالإجماع تعزير ذوي الإعاقة ولو على وجه التأديب؛ لأنه ليس أهلاً للعقاب، ولا رجاء في تأديبه، فهو مريض يعالج بالرفق، ولا يعالج بالعنف، وهكذا تمثل الولاية على النفس أساساً متيناً من أُسس رعاية ذوي الإعاقة في الإسلام على المستوى المادي والاجتماعي والخلقي والعلاجي.

4- الرعاية المالية: وقد تضمنت الأحكام المالية في الإسلام، خاصة منها النفقات والزكاة، رعاية مالية عالية المستوى، فقررت الضمان الاجتماعي للضعفاء والعاجزين؛ فلهم في أموال القادرين حق معلوم، يحقق لهم تمام كفايتهم، فيكفل لهم مستوى العيش الكريم، بتوفير الغذاء والكساء والمسكن والدواء؛ قال تعالى: والذين في أموالهم حق معلوم (المعارج:24-25)، وهذا ما يُعبر عنه في عصرنا باسم الضمان الاجتماعي، وهو مما ابتكره الإسلام منذ خمسة عشر قرناً.

وتحقيق هـذا التكافـل من مسؤوليات الدولة الإسلامية؛ ذلك أن: «من ترك مالاً فـلورثته، ومن ترك كلاّ (عاجزاً) ومن ترك عيالاً لا عائل لهـم، فإن محمدّ رسول الله يعـوله»  وهذا مادلّ عليه الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَـالَ: «مَـنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاً فَإِلَيْنَا»، «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاهُ»، ولا أشك أن ذوي الإعاقة يندرجون ضمن المعنى الذي وردت به السنة في هذين الحديثين بخـاصة، ومما يـؤكد ذلك ما نقله الإمام ابن حجر في فتح البارئ عن الخطابي في شرحه للفظ «ضياع» أنه جُعل اسماً لكل ما هو بصدد أن يضيع من ولد أو خدم.

وهذه النفقات واجبة الإنفاذ من المسؤولين عنها حتى بالقضاء؛ «إن الإنفاق على العاجز من بيت المال بفرض أرزاق تُجرى على العاجزين، ونفقات الأقارب ينفذهما القضاء، بحيث إذا امتنع ولي الأمر عن إعطاء العاجز حقـه، فإن له أن يلجأ إلى القضاء ليلزم ولي الأمر بالإنفاق، وكذلك الأمر بالنسبة لنفقـات الأقارب فيما بينهم، فإنّ القضاء يلزم جبراً، إن لم ينفذها طوعاً» .

وتنـظيـماً لهـذا التـكافل وأداءً لفئـات العـاجزيـن، ومنهم ذوي الإعاقة ، ينبغـي إجراء رواتب على العاجزين كالزمنى والأعمى والشيخ الهرم والأرملة والطفل ونحوهم، لا بأس بإعطاء الواحد منهم كفاية السنة، أي راتباً دورياً، أو توزيعه على أشهر السنة إن خيف من المستحق الانحراف وبعثرة المال في غير حاجة ماسة، مثلما هو الحال في عصرنا ، ولا ينبغي أن تظل هذه الرواتب في حدود سدّ الرمق وحد الكفاف بل ينبغي أن تحقق الكفـاية المـالية أي كفـالة مستـوى للمعيشة لائقاً به، يحقق المطالب أو الحاجات المادية والنفسية، يسد حاجة العاجز بصفة دائمة. والكفاية تشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن وغـيرها مـن كل مـا لابدّ منه، على ما يليق بحاله، من غير إسـراف ولا تقتير، لنفس الشخص ولمن يعوله. وقد ذكر الفقهاء أن من تمام كفاية المرء، كتب العلم إن كان من أهله، وأثاث البيت المناسب، والفرس الذي يركبه، وحتى الزواج.

وهـذا الـذي ذهب إليه الفقهاء المسـلمون منسجم مع مذهب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في قوله عن توزيع الزكاة على مستحقيها: «إذا أعطيتم فأغنوا»، كما يُستخلص منه أيضاً كيف راعى الحاجات الأساس لذوي الإعاقة (المأكل، المشرب، الملبس، المسكن، العلاج، الذي يعوله)؛ والكماليات (كتب العلم، المركب المناسب لحاله، الزواج، وغيرها)، وراعى التكفل بنفقة من يقوم على خدمة ذوي الإعاقة، كما يمكن للدارس المحايد أن يلاحظ السبق التشريعي الإسـلامي لأرقى النظـم في ديمقراطيتها الاجتماعية خاصة في هذا المضمار.

ومن الآراء الفقهية المميزة في هذا الصدد ما ذهب إليه بعض الفقهاء المعـاصرين من إمكان إقامة الدولة المؤسسات الاقتصادية؛ مصانع وعقارات ومؤسسات تجارية ونحوها للمعاقين؛ من أموال الزكاة، وتُملّكها لهم، كلها أو بعضها؛ لتُدرّ عليهم دخلاً يقوم بكفايتهم كاملة، ولا تجعل لهم الحق في بيعها ونقل ملكيتها، لتظل شبه موقوفة عليهم وبذلك يكون النظام التشريعي الإسلامي قد بلغ غايته في الرعاية الاجتماعية لذوي الإعاقة.

التربية العلاجية وسبلها:

التربية العلاجية لذوي الإعاقة  يتقاسمها طرفان: المعني والمجتمع، وهو ما يُستفاد من المبادئ والتوجيهات الإسلامية:

1- بالنسبة للمعني (ذوي الإعاقة):

نجد كثيراً من الآيات والأحاديث النبوية تعمل على تقويم المشاعر الذاتية، وتدفع بها للتسامي ككظم الغيظ، كما في قوله تعالى: ْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) (آل عمران:133-134)، وأخرج الترمذي في سننه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».

وما العفو عن الإساءة إلا عز في الهدي المحمدي، وما أحوج صاحب المعاق إلى الشعور بهذا الإحساس الذي يرتفع به عن إحباط مشاعر النقص التي تخـلفها الإعاقة، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ»، ترفعٌ عن رد إساءة الجاهلين بالقول سلاماً وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا (الفرقان:63).

وطاعة الله ورسـوله كما دل الحـديث المتفق عليه، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قـال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».

وكذلك التنـزه عن حسـد الآخـرين على ما آتاهم الله تعالى: أم يحسدون الناس على ما ءاتاهم الله من فضله (النساء:54)؛ ولما للحسد من آثار نفسية مدمرة على الكيان النفسي والجسماني للإنسان نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الحسد، وشبَّه المشاعر المشتعلة التي تعتلج في فؤاد الحاسد بالنار التي تأتي على الحسنات؛ روى أبو هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ».

ومن التسـامي والترفع بالمشـاعر عـدم الأسى على ما مضى وعلى ما أصاب لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم (آل عمران:153) فالمؤمن عند نزول المصيبة به من عجز مقدور -مثلاً- مطـالب شرعاً بالتسـليم بقدر الله تعالى فيه، ثـم عـدم الأسى على أنه لم يفعل كذا وكذا مما لا يرد قضـاء الله تعـالى ولا يحقق له نفعاً يُزيل عنه ما وقع به. فيكون من التربية النفسية الناجعة توجيـه مشاعره إلى عـدم الأسى وتمنـى ما فـات؛ وهـذا ما يمكن استلهامه من الحديث الذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتـَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَـزْ، وَإِنْ أَصَـابَكَ شَـيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».

كما يوجه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن في مثل هذه الأحوال إلى النظر إلى أحوال من هم أكثر ضرراً وأفدح مصاباً، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» .

وقد تستبد بذوي الإعاقة مشاعر الضيق واليأس وكراهية الحياة وتمني الموت تخلصاً مما هو فيه من عجز. فمراعاة لهذه الحال النفسية المتردية نجد في التوجيهات النبوية الحكيمة ما ينأى بالمسلم المصاب ببلاء الإعاقة عن تلك المشـاعر؛ من ذلك حديث أنس، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» فتربية فئات من ذوي الاحتياجات الخاصة على هذه المعاني تساعدهم كثيراً على التغلب على العقد النفسية التي قد تُصيبهم جرّاء إعاقتهم، ومتابعتهم لما يتمتع به الأسوياء غيرهم من صحة ونشاط.

ويمثل خُلقا الصبر على الابتلاء والرضى بما قسم الله تعالى وكتب في هذه الأحوال أكثر المبادئ الإسلامية فعالية في العلاج النفسي الإسلامي المتميز بعدة خصائص، وتظهر آثاره في تحمل الشدائد والكوارث والمصائب. وهنا يظهر الفرق جلياً بين الإنسان المؤمن وما يمنحه له إيمانه من قدرة على تحمل ما يحل به من نوائب الدهر، وبين الإنسان الملحد أو قليل الإيمان، حيث يستطيع المؤمن تحمل هذه الصعاب بقلب المؤمن وإيمان العاقل الذي يؤمن بقضاء الله وقدره.

ولهذا حظي الصبر بنصيب وافر من الآيات والأحاديث النبوية كقوله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (البقرة:155-156)، وقوله: إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب (الزمر:10)؛ وعن أبي يحي صهيب بن سنان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ -وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ- إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».

ويكافأ الصابر من ذوي الإعاقة تحديداً بالجنة؛ فعن أنس، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ، يُرِيدُ عَيْنَيْهِ»، وجزاؤه على الصبر على الابتلاء في الجسـد الغفران؛ فعـن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَـمٍّ حَتَّى الشَّـوْكَةِ يُشَـاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».

كما يكافأ كذلك باستمرار حسبان أجره مما كان يعمله وهو سليم؛ ورد في الحديث: «إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلاءٍ فِي جَسَدِهِ قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ»، بل في ذلك دليل على رفعة المنـزلة عند الله تعالى، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ»، ولا يقدح في ذلك أن ذا الإعاقة والمبتلى قد يشعر بالألم ويبدو عليه ذلك الشعور والإحساس، فالإسلام دين الواقعية والفطرة.

يقول ابن القيم، رحمه الله: «وليس في استكراه النفوس لألم ما تصبر عليه، وإحساسها به، ما يقدح في محبتها وتوحيدها، فإن إحساسها بالألم، ونفرتها منه، أمر طبعي لها، كاقتضائها للغذاء من الطعام والشراب، وتألمها بفقده. فلوازم النفس لاسبيل إلى إعدامها أو تعطيلها بالكلية، وإلا لم تكن نفساً إنسانية، ولارتفعت المحنة وكانت عالماً آخر».  

 

عناية الإسلام بذوي الإعاقة :

لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بكل فئات المجتمع ومنها ذوي الإعاقة, حيث أولاها الإسلام اهتمامًا خاصًا, حيث جاءت الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى لتؤكد للجميع أن الله تعالى يحث على نصرة الضعيف وإعانته قدر الاستطاعة, وكذلك الهدي النبوي حث على العناية والاهتمام بذوي الإعاقة  ومن مظاهر عناية الإسلام بذوي الإعاقة:-

الاهتمام بذوي الإعاقة:

يقاس تقدم المجتمعات بتفعيل جميع الشرائح الاجتماعية , وذلك ما يتجلى من خلال المجتمع الإسلامي فليس هناك فئة مهمشة بل الكل يسهم في عملية التنمية مساهمة فعّاَلة والكل يلقى التقدير والاحترام.

فالمتأمل في القرآن الكريم يجد أمامه مثالاً إيجابياً من أمثلة الاهتمام والرعاية لهذه الفئة، وهذا المثل القائم والخالد بخلود كتاب الله تعالى وهو عتاب الله تعالى لنبيه في قصة عبد الله بن أم مكتوم  ذلك الأعمى الذي حضر إلى رسول الله ليجلس معه كما تعود فأعرض عنه رسول الله لعدم فراغه وانشغاله بدعوة كفار مكة وسادتها ومحاولة جذبهم إلى توحيد الله وأدار وجهه عنه والتفت إليهم، وبالطبع لم يرى ابن أم مكتوم ما فعله الرسول لأنه أعمى، فجاء عتاب الله تعالى لنبيه في سورة عبس فقال جل وعلا:{ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}.

وبهذه الآيات البينات أوضح الله تعالى لنبيه ولأمته أن المؤمن الضرير الكفيف هو أطيب عند الله من هؤلاء الصناديد الكفرة، فكان كلما رآه هش له ورحب وقال: [ أهلاً بمن عاتبني فيه ربي... ]، ورغم فقر ابن أم مكتوم وثراء هؤلاء القوم إلا أنه عند الله أثقل ميزاناً وأحسن حالاً وأفضل مقاماً وربما يكون ابن أم مكتوم نبراساً لهؤلاء الضعفاء وكذلك الأغنياء.

ولم يقتصر الأمر على ما في القرآن بل كان رسول الله يكرم ابن أم مكتوم في تعامله دائماً, فقد استخلفه النبي على المدينة مرتين عند خروجه إلى الغزو, فهو يتولى الخلافة نيابة عن رسول الله  rوذلك دليل الثقة ورمز على أمانته واحترام المعاقين في المجتمع الإسلامي.

رفع الحرج عند المعاق :

لقد رفع الإسلام الحرج بالنسبة لذوي الإعاقة وأصحاب العاهات فقال سبحانه وتعالى: { لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.

كما أن تخفيف التكليف عن ذوي الإعاقة يدل دلالة واضحة على الرفق بهذه الفئة, فالمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد نفسه أمام آيات كثيرة توحي بهذا المعنى منها قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وجه الدلالة من الآية: تدل الآية دلالة واضحة على أن الضعفاء والمرضى ليس عليهم أية مشقة إذا لم يقاتلوا مع إخوانهم الأصحاء, فالآية أصل في سقوط التكليف عن العاجز؛ فكل من عجز عن شيء سقط عنه.

تشريع الرخص لذوي الإعاقة  :

كما أن هناك العديد من الرخص الشرعية التي شرعت تدل على عناية الإسلام بذوي الإعاقة ومن هذه الرخص ما يتعلق بالطهارة كالتيمم  قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِن الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُم النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}, فيبين لنا النص القرآني أن من كان مريضا فله أن يتيمم حتى لو كان الماء موجودا, فإنَّ من أسباب التيمم كما يقرر الفقهاء تعذر استعمال الماء.

فقد يكون المعاق في حرج شديد إذا ما استعمل الماء عند الوضوء، فالتشريع الاسلامي رخص له في التيمم لهذا العذر, وكذلك تشريع المسح على العصائب والجبائر.

ومن الرخص ما يتعلق بالصلاة كسقوط ركن القيام مع القدرة للجريح والعاجز عن الصلاة قائماً, فعن عمران ابن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت رسول الله عن الصلاة فقال: ( صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ).

ومن الرخص أيضا ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).

فقد رُخص للمعاقين ترك الجهاد بسبب إعاقتهم والدليل على ذلك ما جاء عن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَمْلَى عَلَيْهِ { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ (تُرَضَّ) فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) .

القيام بشئونهم وقضاياهم على أكمل وجه:

أيضا من مظاهر عناية الإسلام بذوي الإعاقة الحث على القيام بشئونهم وقضاياهم على أكمل وجه, فكثير من الأحاديث تحث على معاونة الضعيف أو المعاق ومن هذه الأحاديث ما جاء عنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ( رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ : هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُم) .

كما يروي لنا التاريخ الإسلامي نماذج للسلف الصالح رضوان الله عليهم وكيفية معاملتهم لهذه الفئة ومن هذه النماذج:

1 –  تخصيص مرافقين لذوي الإعاقة لمساعدتهم:-

فقد تحدث ابن الجوزي عن الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما كتب إلى أمصار الشام طلباً أن يرفعوا إليه " كل أعمى في الديوان أو مقعد أو من به فالج أو من به داء مزمن يحول بينه وبين الصلاة" وعندما فعلوا ذلك أمر بقائد لكل أعمى وبخادم لكل اثنين ممن بهم داء مزمن.

إلى جانب ذلك يروي ابن بطوطة ما شاهده في احدى رحلاته إلى بغداد موضحاً كيف يؤمر لكل أعمى كسوة وبغلام يقوده وبنفقة تجرى عليه.

والإمام أبو حنيفة وضع تشريعاً يقضي بأن بيت مال المسلمين مسئول عن النفقة على المعوقين.

2 – إنشاء مستشفيات خاصة بذوي الإعاقة:

فالخليفة الوليد بن عبد الملك بنى أول مستشفى للمجذومين عام 88 هـ وأعطى كل مقعد خادماً وكل أعمى قائداً, كما خصص لكل مجنون خادمين ينزعان عنه ثيابه كل صباح, ويحممانه بالماء البارد, ويلبسانه ثياباً نظيفة, ويحملانه على أداء الصلاة, ويسمعانه قراءة القرآن من قارئ حسن الصوت, ثم يفسحانه في الهواء الطلق, ويسمح له بالاستماع إلى الأصوات الجميلة.

كما أن الأمويين أنشئوا مستشفيات للمجانين والبلهاء فأنشأ الخليفة المأمون مآوٍ للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة ،وقام السلطان قلاوون ببناء بيمارستان لرعاية المعوقين.

أن الإسلام في معاملة ذوي الإعاقة، تُعد سبقاً حضارياً مميزاً غير مسبوق، وتضاهي أرقى النظم المعاصرة التي ينعم الإنسان المعاصر بامتيازاتها، بل وتتفوق عليها من جهة كونها مبادئ واقعية قابلة للتجسيد والتكيف حسب مقتضيات الزمان والمكان، إلى جانب اعتبارها ذات خاصية روحية إيمانية تصل هذه الفئة بالبعد الأخروي، وبالخالق -عز وجل- مما يصرف مشاعرهم إلى وجهة إيجابية، ويخفف من وطأة الإصابة عليهم.

كما يمكن تأكيد أن الإسلام في رعاية ذوي الإعاقة تمثل قاعدة وإضافة في استشراف البحث العلمي في مجال الإعاقة ، على المستويات المذكورة، فتقدم باسم الإسلام، عقيدة وشريعة، طريقة مثلى في العناية بهذه الفئة، وتؤكد الرحمة المهداة من الله تعالى للبشرية من خلال الهدي النبوي في العناية بذوي الإعاقة.

المبحث الثالث

حقوق ذوي الإعاقة

لقد وضع الإسلام جملة من الحقوق لذوي الإعاقة ومن هذه الحقوق:-

1 – دمج ذوي الإعاقة في المجتمع:

حرصاً من الإسلام على الانسجام الاجتماعي من جهة ودمج الجرحى و ذوي الإعاقة في النسيج الاجتماعي من جهة أخرى, فقد جاء النص القرآني واضحا في  قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

حيث كانت العرب ومن بالمدينة قبل المبعث تتجنب الأكل مع أهل الأعذار؛ فبعضهم كان يفعل ذلك تقذرا لجولان اليد من الأعمى، ولانبساط الجلسة من الأعرج ، ولرائحة المريض وعلاته؛ وهي أخلاق جاهلية وكبر، فنزلت الآية {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.

وبعضهم كان يفعل ذلك تحرجا من غير أهل الأعذار، إذ هم مقصرون عن درجة الأصحاء في الأكل، لعدم الرؤية في الأعمى، وللعجز عن المزاحمة في الأعرج ، ولضعف المريض؛ فنزلت الآية في إباحة الأكل معهم. وقال ابن عباس في كتاب الزهراوي: إن أهل الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس من أجل عذرهم؛ فنزلت الآية مبيحة لهم. وقيل : كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب به إلى بيوت قرابته ؛ فتحرج أهل الأعذار من ذلك؛ فنزلت الآية.

2 – عدم حرمانهم من الوظائف:

إنَّ من الحقوق التي قررها الإسلام لذوي الإعاقة أن منحهم الحق في تولي الوظائف في الدولة كغيرهم من أبناء المجتمع, ويظهر ذلك جلياً حيث اختار النبي عبد الله ابن أم مكتوم مؤذنا معتمداً لصلاة الفجر, حيث كان رجلاً أعمي, فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ مُؤَذِّنَانِ بِلاَلٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ), قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا), وكذلك عَيَّنَه النبي والياً على مكة عندما ذهب إلى الخندق.

3 – الأهلية والرعاية الاجتماعية:

أما ما يعرض لذوي الإعاقة من انتقاص أهلية أدائهم بسبب الإعاقة وما يترتب عنها من عوارض الأهلية، فلا يمس بأهلية الوجوب لهم، وعليه فالإرث والعطايا تستحق لأشد أنواع ذوي الإعاقة ، الذين تُصبح إرادتهم غير معتبرة، وينوب عنهم في حيازتها وحمايتها وتثميرها من يقوم على ولايتهم، ولا يجوز لهؤلاء التصرف في أموال من تحت ولايتهم إلا بما فيه مصلحتهم، وتندرج الولاية على النفس  ضمن الرعاية لحقوق ذوي الإعاقة.

4 – الرعاية المالية لذوي الإعاقة:

لقد تضمنت الأحكام المالية في الإسلام، خاصة منها النفقات والزكاة، رعاية مالية عالية المستوى، فقررت الضمان الاجتماعي للضعفاء والعاجزين؛ فلهم في أموال القادرين حق معلوم، يحقق لهم تمام كفايتهم، فيكفل لهم مستوى العيش الكريم، بتوفير الغذاء والكساء والمسكن والدواء؛ قال تعالى: {والَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ  * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وهذا ما يُعبر عنه في عصرنا باسم الضمان الاجتماعي، وهو مما ابتكره الإسلام منذ خمسة عشر قرناً.

5 – عدم التعرض لهم أثناء النزاعات المسلحة:-

لقد قضى الإسلام بعدم التعرض لغير المقاتلين، وفئة الجرحى والمعاقين الذين لم يعودوا قادرين على مباشرة القتال أو الإعانة عليه حكمهم حكم من لم يقاتل من النساء والولدان والشيوخ والفلاحين، يجب حمايتهم من القتل أو تعريضهم للموت أو الأخطار كعدوى المرض أو تلوث الجروح.

ومبادئ الرحمة والكرامة الإنسانية والأخوة والفضيلة التي أقرها الإسلام توجب حماية المعاقين ومعاملتهم معاملة إنسانية وعدم تعذيبهم بتركهم يعانون آلام جروحهم وأمراضهم، خاصة وأن هذه الفئه من المقاتلين لم يعودوا قادرين على القتال ووقعوا في قبضة المسلمين فحكمهم حكم الأسير تشملهم وصية الرسول بالإحسان إلى الأسرى، والإسلام نهى عن تعذيب الأصحاء فضلا عن الجرحى والمرضى والغرقى وحذر من هذا المسلك فأخبر : أن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا.

هذا بالإضافة إلى أن الحرب في الإسلام اقتضتها الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فإذا زال خطر هؤلاء فإن الضرورة تزول فيتعين حمايتهم وعدم الإجهاز عليهم أو تعذيبهم، خاصة وأن قتلهم أو تعذيبهم أو انتهاك إنسانيتهم لا يحقق أية ميزة عسكرية، بل يعتبر نوعا من الفساد وإلحاق الضرر بالغير بلا مسوغ أو مبرر، وهو ما يتنافى مع روح التشريع الإسلامي ومبادئه العامة.

والرسول بعد فتح مكة وبعد أن أظفره الله بمشركيها لم يتعرض لأحد من أهلها بسوء في نفس أو مال ثم نادى مناديه : ألا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، وهذه تعليمات عامة تشمل الحروب والنزاعات الدولية غير الدولية.

وقال علي بن أبي طالب يوم الجمل: إذا ظهرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ، وتعليمات الصحابة بشأن النزاعات الداخلية امتداد لهدي النبي .

وعليه فإنَّ أحكام الشريعة ومبادئها العامة قد كفلت للجرحى والمعاقين الحماية الخاصة كونهم تعرضوا للجراح أو الإعاقة وهذا الأمر كفلته الشريعة الإسلامية قبل النظم الوضعية ومواثيق حقوق الانسان العالمية.

6 – عدم السخرية بهم:

ومن حقوقهم أيضا عدم السخرية والاستهزاء بهم وبوضعهم الصحي، فكثير من الناس يسخرون من ذوي الإعاقة فيغمزون ويلمزن بهم، وهذه الأفعال ناجمة عن جهل بحقوق هذه الفئة وقد طلب القرآن الكريم كفّ الأذى المعنوي عن هذه الفئة والمتمثل في النظرة والكلمة والإشارة وغيرها من وسائل التحقير والتصغير والاستهزاء فقال سبحانه وتعالى: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ}.

يقول القرطبي: (فينبغي ألا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رءاه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله) .

7 – عدم الاستهانة والاستخفاف بقدراتهم:-

فكما لا يجوز الاستهزاء والسخرية بذوي الإعاقة, أيضا لا يجوز الاستهانة والاستخفاف بقدراتهم وإمكانياتهم, فهذا عمرو بن الجموح من نقباء الأنصار أعرج وهو في أول الجيش. قال له الرسول : "إن الله قد عذرك" فقال : والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة.

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ).

فها هو النبي رفع مكانة الأعمى والأعرج وذوي الإعاقة على الرغم من عدم مشاركتهم في الغزو وهذا يدل بما لا يدع مجالاً لشك حرص النبي على الاهتمام بهذه الفئة وحفظ حقوقهم.

وحري بنا أن نحفظ لذوي الإعاقة حقوقهم, خاصة وأن من هؤلاء العلماء والوجهاء والمجاهدين الذين شاركوا في الحروب والدفاع عن الأوطان. ذوي الإعاقة : وكانوا فيما مضى يسمون بالمقعدين ثم أطلقوا عليهم لفظ ذوي العاهات ثم مسمى العاجزين، ولما تطورت النظرة إليهم على أنهم ليسوا عاجزين لأن المجتمع هو الذي عجز عن استيعابهم وعجز عن تقبلهم وعجز عن الاستفادة منهم مما قد يزيد هوة عدم التعرف على مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات لديهم يمكن تنميتها وتدريبها بحيث يتكيفون مع مجتمعهم رغم عاهاتهم ، بل ربما يفوقون غيرهم ممن نطلق عليهم تجاوزاً الأسوياء ، أي عندما أدرك المجتمع أنه هو الذي يحوي تلك العوائق التي تمنع المعاقين من التكيف معه غيّر المجتمع نظرته تجاه المعاقين ، عندئذ أصبحت المراجع العلمية والهيئات المتخصصة تسميهم المعاقون بمعنى وجود عائق يعوقهم عن التكيف مع المجتمع ، وبهذا أصبحت كلمة معوق لا يقتصر مفهوماً على المعاقين عن الكسب والعمل فقط أيضاً عن التكيف نفسياً واجتماعياً مع البيئة  .

اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بذوي الإعاقة فلو افترضنا أن في المجتمع فئة قليلة من الناس ذوي الإعاقة  تكاد لا تذكر فإن هذه القلة تحت نظام الإسلام وحمايته ستجد من يقف جانبها ويساعدها ، وعليه جاءت الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى لتؤكد للجميع أن الله تعالى يحث على نصرة الضعيف وإعانته قدر الاستطاعة .

والمتأمل في آيات الله تعالى يجد نفسه أمام آيات كثيرة توحي بهذا المعنى قال تعالى : {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم } التوبة :91 تدل الآية دلالة واضحة على أن الضعفاء والمرضى ليس عليهم أية مشقة إذا لم يقاتلوا مع إخوانهم الأصحاء.

وقد تكرر في القرآن لفظ :{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}، ففي الموضع الأول في آية 61 من سورة النور ، يعني عدم الحرج في مسألة الأكل والشرب في بيوت الأقارب ، والموضع الثاني في آية 17 من سورة الفتح ويقصد عدم الحرج عندما يتخلفون عن المعارك فإن لهم العذر المقبول عند الله ، ففي زمن صدر الإسلام نجد أنفسنا أمام منزلة كبيرة وضعها الله سبحانه لهؤلاء الضعفاء ولعله من المناسب أن نذكر مكانة هؤلاء عند الله بعد أن آمنوا به وبرسوله ونصروا الدعوة الإسلامية منذ بدايتها وتحملوا في سبيلها الكثير ، إن المتأمل في القرآن الكريم يجد أمامه مثلاً إيجابياً من أمثلة الاهتمام والرعاية ، وهذا المثل القائم والخالد بخلود كتاب الله تعالى وهو عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن أم مكتوم ذلك الأعمى الذي حضر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجلس معه كما تعود فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم فراغه وانشغاله بدعوة كفار مكة وسادتها ومحاولة جذبهم إلى توحيد الله وأدار وجهه عنه والتفت إليهم ، وبالطبع لم يرى ابن أم مكتوم ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أعمى ، فجاء عتاب الله لنبيه:{عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ....}الآيات، وبهذه الآيات البينات أوضح الله تعالى لنبيه ولأمته أن المؤمن الضرير الكفيف هو أطيب عند الله من هؤلاء الصناديد الكفرة ، فكان صلى الله عليه وسلم كلما رآه هش له ورحب وقال :[ أهلاً بمن عاتبني فيه ربي... ] ، ورغم فقر ابن أم مكتوم وثراء هؤلاء القوم إلا أنه عند الله أثقل ميزاناً وأحسن حالاً وأفضل مقاماً وربما يكون ابن أم مكتوم نبراساً لهؤلاء الضعفاء وكذلك الأغنياء .

ولا نبالغ إذا قلنا أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قد حث على إحصاء عدد المعوقين في الدولة الإسلامية ، ووضع الإمام أبو حنيفة تشريعاً يقضي بأن بيت مال المسلمين مسئول عن النفقة على المعوقين ، أما الخليفة الوليد بن عبد الملك فقد بنى أول مستشفى للمجذومين عام 88 هـ وأعطى كل مقعد خادماً وكل أعمى قائداً ولما ولى الوليد إسحاق بن قبيصة الخزاعي ديوان الزمنى بدمشق قال : لأدعن الزّمِن أحب إلى أهله من الصحيح ، وكان يؤتى بالزمِن حتى يوضع في يده الصدقة ، والأمويون عامة أنشئوا مستشفيات للمجانين والبلهاء فأنشأ الخليفة المأمون مآوٍ للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة ،وقام السلطان قلاوون ببناء بيمارستان لرعاية المعوقين ، بل وكتب كثير من علماء المسلمين عن المعاقين مما يدل على اهتمامهم بهم مثل : الرازي الذي صنف ( درجات فقدان السمع ) وشرح ابن سينا أسباب حدوث الصمم .

بل إن من العلماء المسلمين من كان يعاني من إعاقة ومع هذا لم يؤثر ذلك عليهم بل أصبحوا أعلاماً ينصرون هذا الدين بالقول والفعل فمنهم :

1. أبان بن عثمان ، كان لديه ضعف في السمع ومع هذا كان عالماً فقيهاً

2. محمد بن سيرين ، كان ذو صعوبة سمع شديدة ومع هذا كان راوياً للحديث ومعبراً للرؤى .

3. دعبل الخزاعي .

4. القاضي عبده السليماني .

5. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج .

6. حاتم الأصم .

7. سليمان بن مهران الأعمش .

8. أبو العباس الأصم .

وفي هذا الزمان نجد أمثلة كثيرة ومنهم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع أنه كان فاقداً للبصر إلا أنه كان إماماً زاهداً ورعاً ناصراً للدين .

المطلب الأول :

دمج المعاق في المجتمع كيف قرره القرآن الكريم والسنة النبوية ؟

وقد أعطى الإسلام لهؤلاء المعاقين حقوقهم فحرص على دمج المعاق في مجتمعه ، فقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة عندما خرج لإحدى غزواته ، كما يتجه الإسلام إلى المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه المعاق فيعلمهم ويربيهم على السلوك الذي يجب عليهم أن يسلكوه في معاملتهم لإخوانهم وأهليهم من ذوي العاهات فهو يعلن بصريح العبارة أن ما حل بإخوانهم من بلاء لا ينقص قدرهم ولا ينال من قيمتهم في المجتمع فهم جميعاً سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى فقد يكون صاحب العاهة أفضل وأكرم عند الله من ألف صحيح معافى فقال تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فالميزان الحقيقي هو التقوى وليس المال أو الجاه أو الصحة أو الصورة الخارجية أو غير ذلك لأنه لا يمكن أن تتحقق الغاية السامية من هذه الحياة إلا إذا تحقق ميزان التقوى ، هذا الميزان الذي له وقع أخّاذ في ضمير المسلم بما يحويه من الخير والاستقامة والصلاح والإصلاح للفرد والمجتمع وللإنسانية جمعاء ، فالتقوى جماع لكل فضيلة .

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القيمة في أكثر من حديث ففي حجة الوداع التي حوت جوامع الكلم وأخطر قواعد الإسلام قال صلى الله عليه وسلم : [ أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، خيركم عند الله أتقاكم ]ولكي ينزع من النفوس بقايا القيم الأرضية قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] .

ومن حقوقهم عدم السخرية منهم قال تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ..الآية ] فالمجتمع الذي يزدري الأصحاء فيه أهل البلاء يكون مصدر شقاء وألم لهؤلاء قد يفوق ألم المصيبة وربما فاقها فعلاً ، فكم من ذوي البلاء من حمل عاهته ورضي بواقعه إلا أنه لايمكن أن ينسى نظرة احتقار من أحد الناس ، بل إننا جميعاً قد ننسى كل متاعب الحياة ومصاعبها ولا ننسى بسمة سخرية أو كلمة استخفاف تلقيناها من الآخرين ، ألم يقل أبو الطيب :

جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

وليعلم هؤلاء الأصحاء أن ما يرفلون به من صحة ومن ضروب النعم والخير ليس إلا من فضل الله وجوده وكرمه ، قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله }، وأن الذي وهبهم هذه النعم لقادر على سلبها منهم ، وقادر أيضاً على إعطائها لمن كانت أعين أهل النعمة تزدريهم، فقد قال تعالى  { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير }

كما أن لأهل البلاء مكانة في المجتمع بمساهمتهم في خيره وإسعاده فقد رأى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ هل تنصرون ، وترزقون إلا بضعفائكم ]رواه البخاري ، وعند النسائي :[ إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلا تهم وإخلاصهم ] قال ابن بطال :( تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء وأكثر خشوعاً في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا )، وقال الحافظ المهلب : ( أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حاله )، وقد نهى الإسلام عن الغيبة وذكر المسلم أخيه بما يكره ، فبذلك يكون المجتمع ميدان رحب أنشأه الإسلام للحياة السعيدة الكريمة فيكون مجتمع لا يستخف بهؤلاء الضعفاء والمعاقين ولا يزدريهم .

وفي مقابل ذلك يتوجه الإسلام إلى خير علاج وأصلحه لنفس المعاق ليجتث منه القلق والشعور بالنقص ويحل مكانه الرضى والثقة والسعادة حيث يرشده إلى أن ما يعانيه من شدة العاهة لا ينقص من كرامته كما لا يحط من قيمته في الحياة ، لأن العاهة الحقيقية هي تللك التي تصيب الدين والخلق للمسلم وبمعادلة بسيطة يقارن الإنسان بين فقد البصر مثلاً وفقد الشرف ويقارن بين بتر اليد أو الرجل وبتر الكرامة والأخلاق و تشوه الدين والضمير، إن تلك المقارنة لتحمل على الحمد والرضى بسلامة ذي العاهة الجسدية من الإصابة بعاهة النفس على النحو الذي ذكر في قوله تعالى : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }.

ومع هذا فإن الإسلام لم يهمل الإعاقة ولم ينكر وجودها ولم يتجاهل أثرها على صاحبها لذلك وجه الإنسان إلى الصبر على ما يواجهه من نكبات وكوارث تحل في جسمه أو ماله أو أهله ، وليرجع كل منا إلى نفسه فإنه لا شك يجد في سيرته أو في سيرة من يعرف شدائد صنعت نعماً ومصائب صنعت رجالاً قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}فالآية الأولى تعلن حقيقة أزلية وهي أن كل ما يجري في هذا الكون وما يتعرض له الإنسان في حياته إنما هو بقضاء الله وقدره وقيمة هذه الحياة أنها تسكب في النفس البشرية السكون والطمأنينة عند إستقبال الحوادث والمتاعب بيقينها أن كل ذلك كان بقضاء وقدر، وتأتي الآية الثانية لتوجه النفس البشرية إلى ما يجب أن تكون عليه عند المصيبة وعند النعمة فلا يأس في الأولى ولا افتخار في الثانية ، وقد قررت السنة هذا المعنى فقال صلى الله عليه وسلم : [ عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ]وأحاديث أخرى تحث على الصبر منه قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال [ إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ].

الأمور التي جعلها الإسلام للوقاية من الإعاقة  :

الإسلام أرشد إلى الوقاية من الإعاقة ونلخص ذلك فيما يلي :

1. الحد من أثر الوراثة فحض على انتقاء المرأة ذات الأصل الجيد من حديث : [ تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ] رواه ابن عدي وابن عساكر،وكذلك اختيارها صالحة ذات شرف ليست صاحبة فاحشة ، فإن ذلك يحمي بإذن الله من كثير من الأمراض والعاهات.

2. أجازت قواعد الفقه الإسلامي التعقيم والتطعيم ضد الأمراض المنتشرة التي قد تسبب الإعاقات ، واستناداً إلى القواعد الشرعية جواز التعقيم للأشخاص المصابين بأمراض وراثية بثلاثة شروط:

• تحقق انتقال هذه الأمراض .

• أن لا يكون هناك أمل للشفاء عن طريق العلاج الطبي.

• أن لا يكون هناك وسيلة لمنع انتقال هذه الأمراض إلى الورثة إلا بتعقيم الشخص المصاب به .

3. تحريم الزنى والخمر لأن الفوضى الأخلاقية والجنسية تنتج ذرية سيئة ينتقل من خلالها الأمراض المعدية الخطيرة ومن ذلك الزهري الذي يسبب الشلل والعمى والتشوهات الجسمية وسرطان اللسان قال تعالى:{ ولا تقربوا الزنى....}

ولذلك حرم الإختلاط والتبرج والسفور .

رؤية الإسلام في رعاية المعاق

•هي من باب التعاون على البر والتقوى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }

•وهي الشعبة الثالثة والخمسون من شعب الإيمان كما عدها البيهقي في كتابه ”شعب الإيمان ”

•ويعد الإسلام المعاقين من الضعفاء : عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم”

•و عن أبي ذر قال:قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟قال:( الإيمان بالله والجهاد في سبيله) ، قال: قلت أي الرقاب أفضل؟ قال : ( أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا )، قال : قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : (تعين صانعا أو تصنع لأخرق ) قال : قلت يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : ( تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) .

•ورعاية المعاقين باب عظيم من أبواب التراحم : ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس : من لا يرحم لا يُرحم، الراحمون يرحمهم الرحمن كما جاء في حديث آخر الراحمون يرحمهم الرحمن: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

أنواع الإعاقة:

•خلقية

•أو مكتسبة

الأسباب الخلقية

•أسبابها كثيرة منها :

•الوراثة وزواج الأقارب

•تناول العقاقير اثناء فترة الحمل.

•تعاطي المخدرات

•التدخين.

•التعرض للأشعة اثناء فترة الحمل .

•تقدم سن الأم قبل الحمل

•اصابة الحامل ببعض الامراض مثل الحصبة الالمانية

•التلوث البيئي.

•الايدز.

الأسباب المكتسبة

•معظمها يكون بسبب الحوادث

•أو التعرض للعدوى مثل شلل الأطفال

•أو نتيجة استئصال عضو أو بعض أعضاء الجسم بسبب الجراحة كما في حالات الاستئصال .

واهتمّ الإسلام بذوي الإعاقة ، وكتب التراث الإسلامي زاخرة بالأحكام الكثيرة الّتي تخص المعاقين في المجتمع الإسلامي في جميع أبواب الفقه الإسلامي، العبادات والمعاملات المالية والزواج والجنايات، ممّا يدل بيقين أن الشّريعة الإسلامية لم تدع هذه الفئة دون اهتمام أو رعاية، وإنّ أهم حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام هي:

حقّ الكرامة الإنسانية: فهو إنسان كامل الإنسانية بموجب النداء العام الّذي أطلقه القرآن الكريم في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. وقوله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ”.

حقّ الحياة الكريمة والعيش بأمن وطمأنينة: والله سبحانه وتعالى حرّم التعدي على حياة المعاق، شأنه شأن الصحيح وهو داخل في عموم من يشملهم الخطاب بعدم جواز إزهاق الرُّوح إلاّ بحقّ الله، قال تعالى: “وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ...”.

حقّ المساواة: فقد قرّر الإسلام مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، وقرّر أنّ كلّ إنسان يجب أن تتاح له الفرصة للتعبير عن مواهبه وقدراته، وذلك حسب ما وهبه الله سبحانه وتعالى من هبات عقلية أو جسمية أو نفسية، فيجب أن نوفّر للجميع ما يستطيعون تعلّمه وعمله..

حقّ الرّعاية: فقد حثّ القرآن الكريم والسنّة النّبويّة الشّريفة الإنسان على تحمّل مسؤولياته تجاه أبنائه ذكورًا كانوا أم إناثًا، أصحاء أم معاقين، ولعلّ من أبسط الحقوق الّتي شرعت لهذا المولود الجديد هي حقّه في الطّعام بعد إقرار حقّه في الحياة وذلك بضمان عدم التعدّي عليه، يقول تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ.

حقّ التعليم والتدريب: لأنّ التعليم حقّ من حقوق أيّ إنسان يجب أن يناله، سواء كان هذا الإنسان ذا عجز أو غيره، وصاحب الإعاقة أحقّ وأولى النّاس بالتعليم. لذا قرّر القرآن الكريم منذ بدايات الدّعوة الإسلامية حقّ المعاقين في الحصول على تعليم مناسب لقدراتهم وأوضاعهم الّتي هم عليها، ولقد كانت سورة عبس من أكثر السور الّتي حملت توجيهات تحثّ على إعطاء المعاق حقّه في التعليم، يقول ابن كثير: “قوله تعالى “كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ” أي هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين النّاس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم”.

حقّ الاندماج الاجتماعي والتعايش مع المجتمع: ويعني الاندماج الاجتماعي للمعاق أن يعيش المعاق في وسطه الّذي ولد فيه وبين أهله وأقاربه، لما لذلك من أثر بالغ في التأثير على الكشف عن مواهبه وتوسيع مداركه، ثمّ لتحطيم الحاجز النفسي الّذي قد يتكوّن لدى المعاق من رؤية نفسه معاقًا، وقد كانت نظرة القرآن إلى هذا الموضوع سبَّاقة، يقول الإمام القرطبي: قوله تعالى “لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ...”، ومقصوده فيما قاله علماؤنا في هذا الباب إباحة الأكل جميعًا وإن اختلفت أحوالهم في الأكل..”.

حقّ التشغيل مكفول في حدود الإمكان: فالعمل واجب عظيم يكفل للإنسان الناحية الاقتصادية ولا يجعله يعتمد على غيره، ولقد حثّ الإسلام على العمل، وشجّع الإنسان المنتج واعتبره في منزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى، وحثّ كذلك ذوي الأعذار على العمل بما يستطيعون القيام به، وذلك حتّى لا يبقى المعاق نفسه خارج دوائر حسابات الإنتاج.

حقّ التنقل والسفر والترفيه: ولابد أن نهيء السُّبل والطرق التي تيسّر لأصحاب الإعاقة ممارسة الحياة الطبيعية اليومية وإلغاء كلّ الحواجز البيئية الّتي تحول دون تمتّعهم بهذا الحقّ. كما يمكن إعداد تصاميم قياسية للمباني ومرافق الإسكان البيئية ووسائل المواصلات الّتي يسهل للأشخاص ذوي العجز دخولها دون الحاجة إلى إجراء تعديلات معقّدة غالية التكاليف فيها، ويمكن تنفيذ ميزات التصاميم هذه متى تمّت مراعاتها في التخطيط في البداية بتكاليف ضئيلة أو بدون تكاليف، وينبغي أن نفتح لهم المجال ليمارسوا هواياتهم على اختلافها، ولا مانع من أن نسألهم عن الهوايات الّتي يحبونها لأنّهم خبراء أنفسهم وعلينا أن ندمجهم معنا في جميع المجالات.

حقّ المشاركة في الحديث والمناقشة والأخذ برأيه كلّما أمكن ذلك: ومن مصلحة المجتمع أن يشارك المعاق فيه برأيه وفكره، ولهذا نقول بوجوب مشاركة المعاقين في تحديد سياسة الدولة الاجتماعية، وحقّ اختيارهم في الأنشطة وما يهمّهم من أمور وقرارات، ولقد أثبتت التجارب أنّ الكثير من المعاقين أثبت جدارته وتفوّقه وإبداعه على كثير من الأسوياء..

حقّ الإرث: وهو حقّ كفلته الشّريعة الإسلامية للبشر بمجرد نفخ الرّوح فيهم، أي في مرحلة ما قبل الولادة، فكيف لا تكفله لمن ولد حيًا ولا زال، فالعَوق ليس مانعًا من موانع الميراث، بل إنّ الشّرع قد أوجب على الحاكم أن يولّي عليه مَن يرعى شؤونه إذا كان لا يستطيع أن يقوم بها، يقول تعالى: “يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، ولم يحدّد صحّة الذّكر أو الأنثى سقيمًا أم صحيحًا، فالنّص عام شمل كلّ من ثبتت له أهلية الوجوب.

تأثير البيئة المحيطة على ذوي الإعاقة :

تلعب البيئة المحيطة بأصحاب الإعاقة مهما كان نوعها دوراً مهماً في التطور الإيجابي أو السلبي للإعاقة، والروح المعنوية والراحة النفسية للمعاق، والتي تنقسم بشكل رئيسي إلى بيئتين: البيئة الإيجابية: وهي البيئة الداعمة للفرد المعاق الموجود ضمنها؛ بحيث تتقبّل إعاقته وتحتضنه وتوفّر له الدعم النفسي والمعنوي، بالإضافة إلى دفعه نحو التطوّر والتقدم من خلال ضمه إلى المراكز العلاجية المناسبة. البيئة السلبية: هي البيئة التي يبقى أفرادها غير متقبّلين لوجود فرد معاق بينهم، مما ينعكس بشكل سلبي على نفسية ومعنوية الفرد المعاق، ويجعل من الصعب عليه التطوّر والتقدم في العلاج. خدمات المجتمع تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة يقع على عاتق المجتمع بما يحتويه من جهات مسؤولة وأصحاب القرارات ومراكز أهلية الجزء الأكبر في توفير الخدمات اللازمة لذوي الإعاقة على اختلاف إعاقاتهم وقدراتهم، والتي تتمثل فيما يلي: سنّ القوانين الخاصة بذوي  الإعاقة؛ بحيث توفّر لهم العيش بأمان ضمن المجتمع، كما تُوفّر لهم الحماية التامّة لحقوقهم الشرعية دون المساس بها. توفير مراكز خاصة: بحيث لا يقتصر دورها على توفير أساليب التشخيص لحالات الإعاقة، بل يتعدّى ذلك بكثير؛ بحيث تعمل هذه المراكز على تأهيل المعاقين وتدريبهم وتمكينهم ضمن المجتمع والأسرة، كما تستهدف أفراد أسرة المعاق بعدّة دورات تثقيفية وتوعوية بأهميّة دورهم في المنزل، والاستمرار بتقديم خدمات التأهيل والدعم للفرد المعاق، بالإضافة إلى توفير جلسات التفريغ النفسي للآباء المتأثرين نفسياً بحالة طفلهم المعاق. دمج ذوي الإعاقة مع باقي أفراد المجتمع؛ بحيث يُوفّر لهم ذلك مشاعر التقبل والاحترام من قبل المجتمع بعد التمكّن من التعرف عليهم بوضوح وفهم قدراتهم وإمكانياتهم، ويكون ذلك من خلال دمج الأطفال من ذوي الإعاقة في المدارس العادية، بالإضافة إلى توفير فرص العمل الملائمة لذوي الإعاقة ضمن الشركات والمديريات والمؤسسات العامة.

     

المطلب الثاني :

النظرة السوية لذوي الإعاقة :

أوصى الله تعالى في عددٍ من الآيات الكريمة في القرآن الكريم بضرورة الإحسان إلى النّاس، ومنهم ذوي الإعاقة، فإنّ كيفيّة تعامل النّاس معهم يؤثر عليهم بشكلٍ كبيرٍ، ولذلك وضعت مجموعةٌ من الحقوق التي تعنى بتلك الفئة، وفيما يأتي بيان بعضها: النظرة السويّة لذوي الإعاقة: إنّ الأشخاص ذوي الإعاقة لهم حقٌّ في نيل الاحترام من المجتمع، والنّظر إليهم نظرة عزٍّ، لا نظرة شفقةٍ ودونٍ؛ لأنّ تلك النّظرة الفوقيّة سوف تشعرذوي الإعاقة بالإحباط واليأس، وبأنّهم لا يشكلون أيّ شيءٍ في المجتمع، بل يجب النظر إليهم على أنّهم أشخاصٌ أقوياءٌ قادرون على مواكبة العصر ومستجدّاته، وإن تأخروا في ذلك لظروفٍ منعتهم، ويجب النّظر إليهم نظرة احترامٍ تتخلل معاني الحبّ والرأفة والطيبة. حفظ ممتلكاتهم: إنّ من حقِّ ذوي الإعاقة أن تحفظ أموالهم وممتلكاتهم، ومنع التّصرف فيها دون وجهٍ حقّ، وعدم استغلال تلك الفئة بسبب ضعفٍ معيّنٍ فيهم. التفاعل معهم: يجب على المجتمع بأفراده أن يقدموا المساعدة إلى ذوي الإعاقة، والحرص على دمجهم في المجتمع، وعدم استبعادهم، وذلك بإشراكهم في الأعمال التي من الممكن أن يشاركوا فيها، والحرص على حضورهم الفاعل في المناسبات العامّة، ممّا لذلك من أثرٍ ونفعٍ كبيرٍ عليهم بالنّفع. احترام الأماكن المخصصّة لهم: إنّ بعض الأماكن والطّرق والمحالّ مخصصةٌ لذوي الإعاقة، كما وتوجد بعض الشواخص التي تدل على أماكنهم، فيجب على المجتمع بأفراده احترام تلك الأماكن، وعدم الوقوف بها، وإعطائهم حقّ الطّريق، فقد نهى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يؤذي الإنسان غيره. احترام قدراتهم: وذلك من خلال عدم تحميلهم ما لا يطيقون، وعدم تكليفهم بأعمالٍ من المستحيل أن يقوموا بإنجازها، وذلك لأنّ تلك الأعمال لا يكون باستطاعتهم وقدرتهم فعلها، فيجب احترام القدرة التي أوزعت فيهم، حتى لا يصابوا بتأثرٍ، ممّا يؤدي إلى شعورهم بأنّهم غير قادرين على الإنجاز والعمل، بل إذا أنجزوا العمل الذي يناسب قدراتهم، فإنّهم سيشعرون بالفخر والسّعادة. تعامل الإسلام مع ذوي الإعاقةإنّ الشّريعة الإسلاميّة ذات منهجٍ صحيحٍ متكاملٍ، يعنى بكلّ الوقائع والأحداث والأمور، فلم يُترك مجالٌ إلّا وكان للدين الإسلاميَ بيانٌ ورأيٌ فيه، فقد اعتنى الإسلام بكلّ فئات المجتمع، ومن تلك الفئات التي اعتنى فيها؛ فئة أصحاب ذوي الإعاقة، فحثّ الإسلام النّاس على احترامهم، واحترام حقوقهم، والأخذ بيدهم، ومعاونتهم في جميع ما يحتاجونه في أمور حياتهم، وكلّفهم بما يستطيعون فعله من الأحكام الواجب فعلها، حسب قدرتهم، فلم يكلّفهم ما فوق طاقاتهم وقدراتهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)،وكما رغبّ الإسلام في دمج تلك الفئة في المجتمع مع الفئات جميعها ليتشاركوا مع بعضهم البعض، فإنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيّن في الأحاديث الشّريفة أنّ الإنسان في المجتمع إذا اضطر إلى أن يخالط بعض المرضى، فلا بأس في ذلك ولا خوفٌ منه، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجعل المرضى والضّعفاء قادةً عندما يخرجوا في ركبٍ، فكان أثر ذلك كبيراً على أصحاب ذوي الإعاقة؛ لأنّهم أعطوا ثقةً في أنفسهم، وتمّ دمجهم في المجتمع الذي سيخافون منه لو كانوا مبعدين عنه.وبيّن الدين الإسلاميّ أنّ النّاس سواءٌ لا فرق بينهم، إلّا بتقوى الله تعالى، فالتقوى هي المعيار الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وعلى الإنسان دائماً أن يتذكر ذلك الأمر، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)،وبينّ الإسلام أيضاً أنّ أصحاب ذوي الإعاقةوما تعرضوا له من ابتلاءاتٍ لا يؤثرّ عليهم من حيث منزلتهم بين النّاس، وبين فئات المجتمع جميعها، وإنّ ذلك لا يقلّل من قيمتهم شيئاً، فحثّ الدّين الإسلاميّ وبيّن طرق معاملة واحترام ذوي الإعاقة، وأعطى لهم حقوقاً يجب على الفئات جميعها احترامها وتطبيقها، وعلى الإنسان أن يحمد الله -تعالى- طوال وقته على النّعم التي وهبه الله إيّاها، فإنّ الله -تعالى- الذي وهب العبد وأعطاه تلك النّعم، قادرٌ على أن يأخذها منه؛ فهو الرّازق القادر، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ)،وعلى الإنسان دائماً أن يصبر في كلّ ابتلاءٍ يحصل له، وأن يستشعر الأجر والثّواب الّذي سيناله بصبره .

                                   

المعوقين في عهد الخلفاء الراشدين والحكام المسلمين :

اتبع الخلفاء أبو بكر وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم نهج الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم. فمنح عمر بن الخطاب المعوزين حقا في بيت المال وقرر نفقة الأسرة التي ترعى رضيعا أو لقيطا، وضرب الوليد بن عبد الملك مثلا عاليا للراعي المسئول فرتب كفالة للأيتام وأعطى كل قعيد خلفا وكل ضرير. وتأخذ الطفولة ورعاية المعوقين درجة عالية من الاهتمام، فبادر الفاروق عمر بن الخطاب بسن القوانين التي تحمي الطفولة والإعاقة حيث سن تشريعات بموجبها قام بإنشاء ديوان للطفولة والمستضعفين، وذلك من أجل حمايتهم ماديًا واجتماعيًا.

فالنظرة الإسلامية نحو المعوق تقوم على أسس منها:

1- حفظ كرامته.

2- أن له حقوق وعليه واجبات.

3- المساواة بينه وبين أفراد المجتمع.

ونجد أن المجتمع الإسلامي قد أقام العديد من المؤسسات الاجتماعية التي كانت تعني برعاية المعوقين ومنها:

(1) البيمارستانات: وهي عبارة عن مستشفيات علاجية، أنشئت في العديد من المناطق والمدن الإسلامية آنذاك كما هو الحال في دمشق والعراق وغيرها.

(2) ملاجئ كبار السن والمكفوفين: وهي عبارة عن أماكن يتم فيها العناية بكبار السن والعاجزين والمكفوفين، حيث كانت تصرف لهذه الملاجئ أموالا خصصت في خزينة الدولة، ونجد أن معظم المؤرخين يذكرون أن أول من قام بإنشاء مثل هذه المؤسسات وجمع المقعدين والعاجزين والمكفوفين هو الوليد بن عبد الملك. كما أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز خصص غلامًا لكل قعيدين يخدمهما ولكل أعمى غلامًا يقوده.

سبل الوقاية من الإعاقة :

«الوقاية خير من العلاج»، في ضوء هذه القاعدة الصحية الثمينة نستخـلص من المبادئ الإسـلامية قـواعد الوقـاية من الإعاقة على النحو الآتي:

1- توقي الأسباب الوراثية، ونعني بذلك دعوة الإسلام إلى التّخيّر للنطف، والابتعاد عن الزواج بين الأقارب، وهذا المبدأ منسجم مع نتائج الدراسات العلمية الحديثة؛ . وقد ورد في السنة الشريفة ما يستأنس بمعناه في هذا الصدد كحديث «الناس معادن»، و«العرق دساس»، و«أدب السوء كعرق السوء» .

2- تحريم الموبقات والآفات، كالزنا واللواط، وهي من كبائر المعاصي في الإسلام؛ وقد ثبت أنها «تؤدي إلى فساد الروح والطبع من جهة، وإلى انتشار الأمراض الجنسية المميتة... والحقد على المجتمع، وعدم القدرة على التركيز والاضـطراب النفسـي والروحي والتشـوهات الخـلقية من جهـة أخرى». وجميعها مما يُعرض الإنسان للإعاقات، أو هي ذاتها إعاقات نفسية.

3- الأمر والإرشاد إلى الأخلاق القويمة: كالعفة والاحتشام وغض البصر، فعن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري» , والمحافظة على النفس باجتناب المسـكرات والمخـدرات، وعدم التعرض للآخرين بالاعتداء عليهـم في أنفسـهم وأموالـهم وأعراضـهم، قد يُفضي بعضها إلى إعاقات وعاهات، إن تكن مستحقـة شرعاً وعقلاً، فإنـها تضيف للمجتمـع أعبـاء بازدياد عـدد المعاقين فيه. وهي جملة المبادئ التي تستـغرقها مقاصد الشريعة الإسلامية سواء أكانت ضرورات أو كماليات أو تحسينيات.

ويُلحق بهذا تشجيع النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج مما يحفظ على النفس استقامتها، ويصرف صاحبها عن الوقوع في الموبقات واستغراق فكره وأخيلته في التخيلات والتمنيات التي تؤثر في جهازه النفسي والعقلي سلباً، وتصرف طاقاته المعنوية والجسمانية إلى غير سبيل الخير والمنفعة والفعالية؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، كذلك سنة الإسلام الحكيمة في تيسـير الزواج، كما في حديث زواج من لا مال له بما يحفظ من القرآن في البخاري .

4- عدم التمييز بين الأبناء في المعـاملة، فعن النعمان بن بشير، رضي الله عنه، أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله فقال: إِنِّي نَحَلْتُ (وهبت) ابْنِي هَذَا غُلامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَارْجِعْهُ» وفي رواية: قال: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ».

5- الرفق والرحمـة بين الأبناء في المعـاملة؛ فعن أُسامة بن زيد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذه فيقعده على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يقول: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا».

6- الرضاع الطبيعي: فللرضاعة «من ثدي الأم دور أساسي في صحة الطفل ونموه، فهو: يقوي المناعة المضـادة للشلل .

7- نهيُ الإسلام عن بعض السلوكيات، التي قد لا يقصد منها أصحابها الإضرار، كنهيه عن الإشارة بالسلاح؛ فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلاحِ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»، وعن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا، أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ» أَوْ قَالَ: «لِيَقْبِضَ عَلَى نِصَالِهَا»؛ وكذلك النهي عن الخذف؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ».

ويمكننا أن ندرج في هذا الصدد مبادئ الإسلام حول النظافة؛ ففضلاً عن أحاديث الغسل والوضوء وأحكامهما الشرعية؛ فقد خصها الترمذي بباب في سننه سماه «باب ما جاء في النظافة»، وروى فيه عن ابن المسيب قوله: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا -أُرَاهُ قَالَ: أَفْنِيَتَكُمْ- وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ، قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَـاجِرِ بْنِ مِسْمَـارٍ، فَقَـالَ: حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ ابْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلا أَنَّهُ قَالَ: نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ»؛ كذلك أحاديث الفطرة، كالذي رواه الإمام النسائي في سننه، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الضَّبْعِ، وَتَقْلِيمُ الظُّفْرِ، وَتَقْصِيرُ الشَّارِبِ»والمحافظة على البيئة والنهي عن وجوه الفساد في الأرض.

ولا شـك أن نظـافة البيئة من أهم ما حرص الإسلام على تجسيدها في منظومة أحكامه وقيمه الحضـارية مما حفلت به السنة الشريفة: من ذلك ما رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، فيما أخرجه مسلم، قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».

ولأهمية هـذا الأثر في مراعاة نظـافة البيئة .الحديث النبوي أصلاً في مراعاة نظافة البيئة والمحيط والسلوك الحضاري الراقي .

ومن البيّن اليـوم ما لقواعـد النظافة والصحـة العامـة والعناية بالبيئة ونظافتـها من آثار إيجـابية على الصحة العمومية، وعكس ذلك يؤدي إلى انتشـار الأمراض والأوبئة، مما يرفع من نسب الإصابات بالإعاقات.

وفي ضوء ذلك يمكننا أن نستوعب بصورة أوضح جانباً من دلالة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي أخبر فيها عن أعظم الجزاء لمن يهتم بأمر نقاء طرق المسلمين وإزالة ما يعرض لهم من أذى بها، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ»؛ وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ».

والحق أن عناية الإسلام بالنظافة كما تدل نصوص الكتاب والسنة من معالـم هـذا الدين، التي لا نظير لها في موروث الحضارات والديانات على النحو الذي كانت تسود العالـم يوم ظهوره. كما يمكن عدها من السبق الإسـلامي المبكر في تاريخ البشرية، فقد وضع بها أسساً بينة للوقاية من الجراثيم والميـكروبات، التي قد يسهم بعضها في إصابة الإنسان بالأمراض والإعاقات .

وتأكيداً منا واقعية مبادئ الإسلام وقابلتها للتحقق، نرى أن نقدم، جوانب من التجربة التاريخية للحضارة الإسلامية في التعامل مع ذوي الإعاقة. فعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يعتبر «أول مؤسس لأول مؤسسة لرعاية المعوقين في الإسلام، إن لم نقل في تاريخ البشرية جمعاء فهو أول من سنّ النظام الاجتماعي لحماية المستضعفين والطفولة، وذلك بإنشائه للديوان المنظم لحياة هذين الفريقين ضمن ما سنه الإسلام للإنسان من كرامة وعزة وحقوق. ويفرض هذا الديوان للمفطوم والمسن والمريض والمعاق فريضة إضافية من بيت المال، وهذا يحتم إحصاءهم، ومعرفة حاجاتهم ومناطق وجودهم، والأسباب المؤثرة في ضعفهم وقوتهم، مما يعني أن عمر بن الخطاب قد أنشأ منذ أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان وزارة للإعاقة والتأهيل».

وقد استـمر هذا النهج بعده على أيدي كثير من الخلفاء؛ إذ أنشأ عمر بن عبد العزيز ديواناً للقضاء على التسول والمسكنة، وفرض بعده الخـليفة المهدي راتباً للمجـذومين والعـاجزين، وأنشأ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أول مؤسسة في التاريخ لرعاية العجزة والمصابين بالأمراض المعدية في دمشق، وتبعه في ذلك أولاده، فولده الوليد أنشأ البيمارستان سنة 706م- 88هـ وجعل فيها الأطباء، وأجرى لهم الأرزاق، وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق، وذكر الطبري في تاريخه، أنه قال لهم: لا تسألوا الناس، وأنه أعطى لكل مُقعد خادماً ولكل ضرير قائداً.

وقد وصف أحد رجال حملة نابليون على مصر بيمارستان القاهرة بقوله: «ومارستان القاهرة هذا لا يزال أكثر شهرة من ماريستان دمشق... صرف عليه سلاطين مصر مالاً وفيراً، لكل مرض قاعة وطبيب خاص.

                                                           

الخلاصة:  

نخلص مما سبق إلى أن الإسلام في رعاية ذوي الإعاقة، كما رسمتها إجمالاً وتفصيلاً السنة النبوية الشريفة، تُعد سبقاً حضارياً مميزاً غير مسبوق، وتضاهي أرقى النظم الاجتماعية المعاصرة التي ينعم الإنسان المعاصر بامتيازاتها، بل وتتفوق عليها من جهة كونها مبادئ واقعية قابلة للتجسيد والتكيف حسب مقتضيات الزمان والمكان، إلى جانب اعتبارها ذات خاصية روحية إيمانية تصل ذوي الإعاقة بالبعد الأخروي، وبالخالق عز وجل مما يصرف مشاعرهم إلى وجهة إيجابية، ويخفف من وطأة الإصابة عليهم.

كما يتضح لنا مما سبق أن تعامل المسلمين مع الإعاقة ليس بالأمر الجديد، فقد كان للمبادئ دور الدافع للتفكير في ابتكار الوسائل ووضع القواعد للقيام بهذا الواجب الإنساني. وعليه فكل تشريع يصدر أو ممارسة تحدث في بلاد الإسلام ينبغي أن تَعتبر بهذا الماضي التاريخي المتميز، وتهتدي بهديه، وتعُد ما تقوم به استئنافاً لدور حضاري في هذا المجال الاجتماعي الكبير.كما يمكن تأكيد أن الإسلام في رعاية ذوي الإعاقة تمثل قاعدة وإضافة في استشراف البحث العلمي في مجال الإعاقة والتأهيل، على المستويات المذكورة، فتقدم باسم الإسلام، عقيدة وشريعة، طريقة مثلى في العناية بهذه الفئة، وتؤكد الرحمة المهداة من الله تعالى للبشرية من خلال الهدي النبوي في العناية بذوي الإعاقة.

من خلال ما سبق يمكن ابراز أهم الحقوق التي كفلها الإسلام لذوي الإعاقة والتي من أهمها: (دمجهم في المجتمع وتعينهم في الوظائف والرعاية المالية لهم واسقاط التكليف عنهم وعدم السخرية والاستخفاف بقدراتهم .

الصور الايجابية لمعاملة المجتمع لذوي الإعاقة:

يمكن القول بأن هناك صور ونماذج ايجابية لتعامل المجتمع لذوي الإعاقة, وهذه الصور هي امتداد للأحكام التي أقرها الاسلام لهذه الفئة, مما كان لهذه الصور والنماذج الآثار الايجابية على ذوي الإعاقة .

تنمية قدرات ذوي الإعاقة وتحفيزهم.

فالإسلام  حث على ضرورة العناية بهذه الفئات, كيف لا والجريح والمعاق إنسان أصيب بالجرح أو الإعاقة رغما عنه، وهو كفرد له حقوقه للمشاركة في الحياة الاجتماعية، لذلك أصبح من الأهمية بمكان تأهيله لاستعادة قدراته البدنية, وتكيفه النفسي والاجتماعي بما يتناسب ونوع الإعاقة التي يعاني منها كي يحيا الحياة الكريمة ذات المستوى اللائق بكرامته كإنسان, بحيث يستطيع أن يشارك في عملية التنمية, تنمية مجتمعية من قبيل استثمار الموارد المعطلة لتحويلها إلى طاقة إنتاجية تشارك بفاعليه في تقدم المجتمع.

النتائج والتوصيات:-

يمكن إبراز أهم النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها ونبدأ بالنتائج ثم التوصيات.

أولا: النتائج:

لقد ظهر جلياً من خلال البحث عناية الإسلام بذوي الإعاقة ومدى الاهتمام الكبير الذي أولاه الاسلام لهذه الفئة, حيث حث الإسلام على رعاية هذه الفئة والاهتمام بشئونها وشرعت الرخص بأنواعها من أجل التخفيف عنها, كذلك اسقاط بعض التكليفات مثل المشاركة في الجهاد وغيرها من مظاهر الرعاية والعناية بذوي الإعاقة.

برز من خلال هذا البحث جملة من الحقوق المتعلقة بذوي الإعاقة والتي من أهمها: (دمجهم في المجتمع وتعينهم في الوظائف العامة والرعاية المالية لهم واسقاط التكليف عنهم وعدم السخرية والاستخفاف بقدراتهم وعدم التعرض لهم أثناء وبعد النزاعات المسلحة).

تبين من خلال البحث بأن هناك نماذج ايجابية لتعامل المجتمع مع ذوي الإعاقة وذلك من خلال الخدمات والبرامج التي قدمتها هذه المؤسسات والجمعيات والمراكز ولا زالت, واتضح لنا الآثار المترتبة على تعامل هذه النماذج مع ذوي الإعاقة والمتمثلة في رفع معنوياتهم وتنمية قدراتهم وتحفيزهم ودفعهم إلى الأمام .

                                                                                                ثانياً : التوصيات:

يوصي الباحث المشرعيين والحكام والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني بضرورة الاهتمام بذوي الإعاقة فهؤلاء طاقة انسانية ينبغي الحرص عليها, فهم جزء لا يتجزأ من الموارد البشرية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في التخطيط والإعداد للموارد الإنمائية في المجتمع, ولا سبيل إلى الوصول  إلى هذه الغايات النبيلة إلا بالتأهيل الشامل والرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية لهم, وكذلك التدريب والتعليم.

تكثيف البرامج التي تهتم بهذه الشريحة وذلك للكشف عن مواهبهم وتنميتها والاستفادة منها ودمجها في المجتمع.

تبصير المجتمع  بحقوق ذوي الإعاقة وذلك من خلال تضمين المنهاج الدراسية في المدارس والمعاهد الجامعات بهذه الحقوق.

تكثيف الدراسات والأبحاث العلمية التي تهتم بذوي الإعاقة.  

إدراج المعاق في مراحل التعليم العامة بقدر الإمكان

وفي جهات العمل والتوظيف بما يتناسب مع قدراته المتاحة وبما ينقله إيجابيا إلى الأفضل ولا يوقعه في الحرج الذي يدفعه إلى التراجع والتقوقع والانعزال .

تعويضه بالمعينات السمعية والبصرية والحركية

التواصل معه لإطلاعه على أي تطور جديد في العلاج

إعطاؤه مميزات إيجابية مثل:مواقف سيارات خاصة خصومات في المجمعات التجارية- تخفيضات في قيمة تذاكر السفر – مميزات في أولوية الحجز عند السفر – تخفيضات في عضوية النوادي-  إضافة نسبة إلى المجموع استثناءات في دخول الكليات – الضمان الاجتماعي

الخاتمة :

  الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى : " قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا "( سورة الأحزاب، الآية 18).  أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له قال الله تعالى : " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ " (سورة النور: الآية 61) وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله خاطبه الله بقوله : " عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى . كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ " ( سورة عبس: الآيات 1 – 11)

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين   . وبعد: كتبت بحثي في موضوع :حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام . مع إبراز دور ذوي الإعاقة في الإسلام وعدم السخرية منه  .

لقد أكد الإسلام على أولوية حصول  ذوي الإعاقة في التمتع بكافة الحقوق، بل إن حوائجهم مقدمة على حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الأكفاء..

فقد ساوى الإسلام بين حقوق الأسوياء والمعاقين: "إن أكرمهكم عند الله أتقاكم"، كما أقر على تفضيله في الأصل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء الآية 70.

لقد رفع الإسلام المشقة عن ذوي الإعاقة: "لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها" الطلاق الآية 7.

من حق المعوقين تلقي المساعدة والتضامن، قال صلى الله عليه وسلم: "ابغوني في ضعفائكم، فإنما تنصرون وترزقون بضعافكم"

منح الإسلام لذوي الإعاقة الحق في الزكاة لمن لا عائل له، قال تعالى: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" الذاريات، الآية 19.

كما راعى الإسلام في تشريعاته المرضى والضعفاء قال تعالى: "فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه وليه بالعدل" البقرة، الآية 282.

كما رُفع القلم عن من ابتلاه الله بمرض الإعاقة ، قال صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ، والطفل حتى يكبر، والمجنون حتى يفيق"

كما يُمكن الإشارة إلى صفة قد انتشرت في ظل الإسلام وهي "الوقف الإسلامي"، فكثيرًا ما وُزعت مصاريف الوقف على مراكز رعاية ذوي الإعاقة.

لقد ضمن الإسلام لذوي الإعاقة مكانتهم بالمجتمع وبالحياة، سواءً في أسرهم أو في المجتمع عامة، بمعاملة الناس لهم، وبرعايتهم والتكفل بهم..

إن ذوي الإعاقة بشر مثلهم مثلنا فلماذا ننبذهم أو نزيحهم من طريقنا، أونخجل بوجودهم معنا..  لنفتح لهم سبُلا ليعيشوا بيننا لتنفسوا من هواءنا، وليقاسمونا أوقات حياتنا..

لقد أقر ديننا الحنيف أنه لا فرق بين مسلم ومسلم مهما كان نوعه أو عرقه، أو لونه، إلا بالتقوى والعمل الصالح .

أن الله قد وضع بأولئك المعوقين أمورًا خفية بعقولهم.. قد نجد بهم كفيفًا عاقلاً حكيمًا.. أو أبكم مبدعًا فنانًا.. أو معوقا حركيا وله شيء مميز تميز به بحياته، فما أخذ الله من امرأ شيئًا إلا وعوضه بآخر لا يعرفه إلا عاقل حكيم .

ونحن خيرُ أمة أُخرجت للناس، خلقنا ربنا حتى نعيش معًا متكاثفين معًا، مهما كانت أعراقنا وصفاتنا وألواننا المهم أن نستظل معًا تحت ظل وراية الإسلام:

قال الله تعالى:

"يا أيّها الناسُ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عَليمٌ خبيرٌ" صدق الله العظيم . سورة الحجرات الآية 13.    والله أعلى وأعلم وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .

                                 إعداد الباحث

عمر فاروق محمود كبير ائمة أوقاف أسيوط .    

الحواشي :

لسان العرب: ابن منظور (10/49)، مختار الصحاح: الرازي (ص 62).

البحر الرائق:  ابن نجيم (6/148)، الفروق: القرافي (1/256)، إعلام الموقعين: ابن القيم (1/86).

أصول السرخسي (2/289)، القواعد الكبرى: العز ابن عبد السلام (1/219)، الوجيز: زيدان (ص: 82)، الفقه الإسلامي: الزحيلي (4/13).

هو عبد الله ابن أم مكتوم مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الاصم بن رواحة القرشي العامري, وأمه أم مكتوم: هي عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم بن يقظة المخزومية من السابقين المهاجرين, وكان ضريرا مؤذنا لرسول مع بلال، وسعد القرظ، وأبي محذورة، هاجر بعد وقعة بدر بيسير، قاله ابن سعد، وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم يحترمه، ويستخلفه على المدينة، فيصلي ببقايا الناس, قال الشعبي: استخلف النبي عمرو بن أم مكتوم يوم الناس، وكان ضريرا وذلك في غزوة تبوك, كذا قال، والمحفوظ أن النبي

وقال قتادة: استخلف النبي، ابن أم مكتوم مرتين على المدينة وكان أعمى, انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء(1/361).

سورة عبس: الآيات (من 1-10).

القصة باختصار أن عبدالله ابن أم مكتوم أتى رسول الله وعنده صناديد قريش، عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل ، والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، يدعوهم إلى الإسلام ، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم ، فقال : يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم تشاغله  بالقوم ، فكره رسول الله قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت ، فكان رسول الله يكرمه ، ويقول إذا رأه : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ، ويقول : " هل لك من حاجة " ، واستخلفه على المدينة مرتين, انظر: تفسير الادريسي (8/362).

التيمم هو: مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد, انظر: المغني: بن قدامة: (1/266), وقيل هو: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بدلا عن الوضوء والغسل أو عضو منهما بشرائط مخصوصة (انظر: مغني المحتاج: محمد الخطيب الشربيني (1/87).

الإمام الجوزي: الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق, جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ المفسر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم: وعرف جدهم بالجوزي بجوزة كانت في داره بواسط لم يكن بواسط جوزة سواها. ولد تقريبًا سنة عشر وخمسمائة أو قبلها، وأول سماعه في سنة ست عشرة, وكانت جنازته مشهودة شيّعه الخلائق يوم الجمعة ثالث عشر شهر رمضان إلى مقبرة باب حرب سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقد قارب التسعين, تذكرة الحفاظ وذيوله: الذهبي (4/92).

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الامام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص، القرشي الاموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية, انظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (5/114).

ابن بطوطة (703 ـ 779هـ، 1304 ـ 1377م). أبو عبد الله محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، رحالة، ومؤرخ. وُلد ونشأ في طنجة بالمغرب الأقصى. وخرج منها عام 725هـ، فطاف بلاد المغرب ومصر والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن والبحرين وتركستان وبلاد ما وراء النهر وبعض بلاد الهند والصين وجاوه وبلاد التتر وأواسط إفريقيا. يُعدّ ابن بطوطة من أشهر الرحالة المسلمين.

المصادروالمراجع :

- القرآن الكريم.

- كتب التفسير:

أحكام القرآن: أبو بكر أحمد الرازي ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405، تحقيق محمد القمحاوي.

أحكام القرآن: أبو بكر محمد بن عبدالله بن العربي، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1376، 1957م.

تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، دار الحديث، القاهرة، 1423?، 2002م.

الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي، دار الحديث، القاهرة، ط2، 1416?، 1996م، تحقيق محمد الحفناوي، ومحمود عثمان.

مفاتيح الغيب: محمد الرازي، المطبعة الخيرية، ط1، 1307.

- كتب السنة وشروح الحديث:

أولاً: كتب السنة:

سنن ابن ماجه: أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني ، مكتبة المعـارف،

صحيح ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414?، 1993م.

صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407، تحقيق مصطفى البغا.

صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261)، مكتبة الرشد، الرياض، 1422، 2001م.

المسند: أحمد بن محمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، مصر.

ثانياً: كتب الشروح:

شرح صحيح مسلم: أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف بن مري النووي، دار المنار، القاهرة، 1423، 2003م، صلاح عويضة، ومحمد شحاتة.

الطبقات الكبرى: محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري- دار صادر – بيروت.

عون المعبود شرح سنن أبي داود: محمد شمس الحق أبو الطيب العظيم أبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415?.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري: الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 851)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1420?، 2000م، مصححة على النسخة التي أجازها الشيخ عبدالعزيز بن باز.

نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250)، المطبعة العثمانية، القاهرة، 1957م.

- كتب الفقه:

الأحكام السلطانية: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي (ت 458)، دار الفكر بيروت، 1414?، 1994م، خدمها محمود حسن.

بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن محمد القرطبي الأندلسي، دار الفكر، بيروت.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: أبو بكر علاء الدين بن مسعود الكاساني (ت587)، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م.

كشاف القناع: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، دار الفكر، بيروت، 1402، تحقيق هلال مصيلحي.

المبسوط: شمس الأئمة السرخسي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1406.

مجموع الفتاوى: أبو العباس أحمد بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (ت 728)، ط1، 1398?، جمع عبدالرحمن بن القاسم العاصمي، وولده محمد.

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: شمس الدين محمد بن الخطيب الشربيني (ت 977)، دار الفكر، بيروت، 1415?، 1995م، تحقيق صدقي العطار.

المغني على مختصر الخرقي: أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1414?، 1994م.

المهذب في فقه الإمام الشافعي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي (ت 476)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1416، 1995م.

- السيرة والتاريخ:

الإصابة في تمميز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت.

تاريخ الخلفاء: جلال الدين عبدالرحمن السيوطي، دار الفكر العربي، تحقيـق محمد أبو الفضل إبراهيم.

تذكرة الحفاظ: تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى, دار الكتب العلمية بيروت-لبنان- الطبعة الأولى 1419هـ- 1998م.

جامع الأصول في أحاديث الرسول: ابن الأثير 2005م.

خاتم النبيين: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1993م.

الرحيق المختوم: صفي الرحمن المباركفوري، دار اليقين، ط1، 1411، 1991م.

زاد المعاد في هدي خير العباد: أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدممشقي (ت 751)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 14، 1410، 1990م، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبدالقادر الأرناؤوط.

سير أعلام النبلاء: الذهبي- دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثالثة1999م.

السيرة النبوية: أبو عبدالملك محمد بن هشام (ت 213)، دار الفجر، القاهرة، ط2، 1425، 2004م.

- المعاجم اللغوية:

القاموس المحيط: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 6، 1419?، 1998م، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسوسي.

لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت.

مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت 666)، مكتبة النوري، دمشق.

المصباح المنير: أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ، مكتبة لبنان، 1990.

معجم لغة الفقهاء ـ عربي انكليزي، مع كشاف انكليزي عربي بالمصطلحات الواردة في المعجم ـ: محمد رواس قلعه جي، وماجد صادق قنيبي، دار النفائس، بيروت، ط1، 1405، 1985م.

المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرون، ط2.

النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1418?، 1997م.

- كتب متنوعة:

أحكام الحرب والسلام في دولة الإسلام، للدكتور إحسان الهندي، ط1، دمشق،1993م

مقدمة ابن خلدون: عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808?)، دار الفجر، ط1، 1425?، 2004م، تحقيق حامد الطاهر.

الفهرس


الموضوع رقم الصفحة  

المقدمة و خُطة البحث 2  

المتن والموضوع المبحث الأول ماهي الإعاقة؟ 4  

المطلب الأول : المعاقون في القرآن الكريم 6  

رعاية السنة النبوية بذوي الإعاقة 9  

الإعاقة في الإسلام 18  

مراعات الله عزوجل لذوي الإعاقة 21  

لمن لم يبتلى بالإعاقة 27  

المطلب الثاني : نظرة إسلامية على ذوي الإعاقة 28  

نماذج لمعاملة ذوي الإعاقة في ظل الإسلام 29  

المعاق في الحياة الإسلامية ومكانته الائقة 32  

المبحث الثاني : نظرة الإسلام لذوي الإعاقة 36  

المطلب الأول : حقيقة الإعاقة في الإسلام 38  

الجانب الإيماني للمعاق 40  

المعاق الحقيقي 40  

نظرة تاريخية للمعاق 42  

الحقوق التشريعية للمعاق 44  

معاقون في المقدمة 45  

ذوي الإعاقة ومنزلتهم عند الله 46  

مكانة المعاقين 48  

المطلب الثاني : منزلة ذوي الإعاقة في السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع 53  

عناية الإسلام بذوي الإعاقة 62  

المبحث الثالث : حقوق ذوي الإعاقة 66  

المطلب الأول : دمج المعاق في المجتمع كيف قرره القرآن الكريم والسنة النبوية ؟ 71


الأمور التي جعلها الإسلام للوقاية من الإعاقة 73  

انواع الإعاقة 74  

تأثير البيئة المحيطة على ذوي الإعاقة 77  

المطلب الثاني : النظرة السوية لذوي الإعاقة 78  

المعوقون في عهد الخلفاء الراشدين والحكام المسلمين 80  

سبل الوقاية من الإعاقة 81  

الخلاصة 85  

النتائج والتوصيات 86  

الخاتمة 88  

الحواشي 90  

المصادر والمراجع 92  

الفهرس 95

Prefix: a b c d e f g h i j k l m n o p q r s t u v w x y z 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9

Portal di Ensiklopedia Dunia

Kembali kehalaman sebelumnya