الحرب الأهلية السلفادورية كانت صراعا مسلحا بين الحكومة العسكرية السلفادوريةوجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN)، وهي ائتلاف من خمسة جماعات حرب عصابات يسارية. أدى الانقلاب العسكري في 15 أكتوبر 1979 إلى عمليات قتل للمتظاهرين ضد الانقلاب من قبل الحكومة فضلاً عن إفشال إضراب المتظاهرين من قبل مقاتلي الجيش، وينظر على نطاق واسع أن هذا هو نقطة تحول السلفادور نحو الحرب الأهلية.[25]
في يناير 1980، توحدت المنظمات السياسية اليسارية لتشكيل الكتلة الشعبية الثورية بعد أشهر قليلة، اتحدت الجماعات المسلحة اليسارية في تنظيم موحد تحت اسم المديرية الثورية الموحدة، وقد تم إعادة تسمية الجماعة باسم جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني[26] بعد اندماجها مع الحزب الشيوعي السلفادوري في أكتوبر 1980.
استمرت الحرب الأهلية أكثر من 12 عاما وتميزت بالعنف الشديد من كلا الجانبين، كما اشتملت على إرهاب واستهداف متعمد للمدنيين من قبل فرق الموت، وتجنيد الأطفال، وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وكان معظمها من قبل الجيش؛[27] لا يعرف عدد الناس الذين اختفوا خلال الصراع، وكشفت تقارير الأمم المتحدة أنه قتل أكثر من 75,000 في النزاع،[28] وقد ساهمت الولايات المتحدة في الصراع من خلال توفير كميات كبيرة من المساعدات العسكرية لحكومة السلفادور خلال إدارة كل من جيمي كارتر،[26]ورونالد ريغان.
وفي عام 1990، بدأت مفاوضات السلام برعاية الأمم المتحدة حتى 16 يناير 1992، حيث تم توقيع اتفاق تشابولتيبيك للسلام في قلعة تشابولتيبيك بالمكسيك لينتهي الصراع.[29]
وفقًا لتقارير لجنة الحقيقة التابعة للأمم المتحدة، فإن فرق الموت الموالية للحكومة والشرطة والجيش السلفادوريين مسؤولة عن 85٪ من أعمال العنف التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية ومقاتلي FMLN في 5٪.[30]
الخلفية التاريخية
السلفادور هو أصغر بلد في أمريكا الوسطى بعد بليز، كما هو الحال في العديد من دول أمريكا اللاتينية؛ اتسم تاريخ السلفادور بعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية،[31][32] وفي أواخر القرن 19، أصبحت محاصيل القهوة مصدر النقد الرئيسي للسلفادور، وجلبت ما يقرب من 95% من دخل البلاد. ومع ذلك، كان يقتصر هذا الدخل على 2% فقط من سكان السلفادور، وساهم هذا بشكل كبير في تقسيم الناس إلى نخبة صغيرة قوية وأغلبية كبيرة فقيرة،
نمت التوترات الاجتماعية والاقتصادية في عقد 1920، وأصبحت تتفاقم يوما بعد يوم مع انخفاض أسعار البن في أعقاب انهيار سوق الأسهم ابتداء من سنة 1929،[33][34] وفي 1932، قاد الحزب الاشتراكي لأمريكا الوسطى انتفاضة للفلاحين والسكان الأصليين ضد الحكومة، وقمعت الحكومة بوحشية ذلك في ما أصبح يعرف باسم مذبحة الفلاحين السلفادوريين 1932 أو ببساطة بالإسبانية «لا ماتانزا» (المذبحة) في أوساط المجتمع السلفادوري، حيث قتل الجيش ما بين 10,000 و40،000 من الهنود، كان قد اعتقل فارابوندو مارتي زعيم الانتفاضة في نهاية المطاف، ونفذ فيه حكم الإعدام من قبل الحرس الوطني، وسيطر الجيش بعد ذلك على أنحاء البلاد،[35] وعملت لا ماتانزا أيضاً على تعزيز مشاعر عدم الثقة والعداء بين السكان نحو الحكومة، وقل حب النخبة السلفادورية القوية للجيش.
في 14 يوليو 1969، اندلع نزاع مسلح بين السلفادور وهندوراس بسبب النزاعات الناجمة عن هجرة الهندوراسيين إلى الأراضي السلفادورية وقوانين الإصلاح الزراعي. استمر الصراع (المعروف باسم حرب كرة القدم) لأربعة أيام فقط، لكن آثارها كان طويلة الأجل على المجتمع السلفادوري، فقد تعطلت التجارة بين السلفادور وهندوراس، مما تسبب في ضرر اقتصادي هائل على كلا البلدين، وشرد ما يقدر بنحو 300,000 من السلفادوريين بسبب الحرب، والعديد منهم نفيوا من هندوراس، وفي كثير من الحالات، لم تتمكن الحكومة السلفادورية من تلبية احتياجاتهم، وأيضاً عززت حرب كرة القدم قوة الجيش في السلفادور، مما أدى إلى زيادة معدلات انتشار الفساد بالبلاد، وفي السنوات التالية للحرب، زادت الحكومة من الإنفاق العسكري وتوسعت مشتريات الأسلحة من مصادر مثل إسرائيل، والبرازيل، وألمانيا الغربية، والولايات المتحدة، في محاولة لتحديث الجيش السلفادوري.[36]
أدت أزمة النفط عام 1973 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفض الإنتاج الزراعي، هذا بالإضافة إلى عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد؛ مما أدى إلى زيادة الاضطرابات، وفي رد على ذلك: سن الرئيس أرتورو أرماندو مولينا سلسلة من تدابير الإصلاح الزراعي، والتي تدعو إلى حيازاتٍ كبيرةٍ للأراضي وإعادة توزيعها بين السكان الفلاحين، وقد فشلت إصلاحات الرئيس بفضل المعارضة؛ مما ساهم في تعزيز انتشار سخط على الحكومة.[37]
وفي 20 فبراير 1977، هزم الجنرال كارلوس أومبرتو روميرو؛ الذي مثل حزب الوفاق الوطني، حزب الاتحاد الوطني المعارض في انتخابات شابها احتيال واضح وترويع للناخبين من قبل القوات شبه العسكرية التي ترعاها الحكومة مثل المنظمة الوطنية الديمقراطية التي استعملت المناجل لتخويف الناخبين،[38] وتميزت الفترة ما بين الانتخابات والتعيين الرسمي للرئيس روميرو في 1 يوليو 1977 باحتجاجات ضخمة من حركة شعبية، والتي تم إنشاءها بفعل قمع الدولة، وفي 28 فبراير 1977، تجمع حشد من السياسيين في تظاهرة في وسط العاصمة سان سلفادور احتجاجا على تزوير الانتخابات، وصلت قوات الأمن إلى المكان وفتحت النار، مما أدى إلى وقوع مجزرة هناك بما أن هم قتلوا المتظاهرين والمارة على حد سواء دون تمييز. تشير التقديرات أن عدد المدنيين الذين تلوا هو ما بين 200[39] و1500 شخص،[40] وقد ألقى الرئيس مولينا اللوم في الاحتجاجات على «شيوعيين خارجيين»، على الرغم من أن أعضاء حزب الاتحاد الوطني المعارض هم داخل البلاد.[41]
تم إعلان السلفادور كدولة محاصرة بسبب القمع المستمر بعد تنصيب الرئيس روميرو مع حكومته الجديدة، وعلّقت الحريات المدنية، وفي الريف تم تنظيم الزراعة من قبل نخبة ممولة من فرق الموت شبه العسكرية السلفادورية سيئة السمعة، مثل قوات ريغالادو المسلحة بقيادة هيكتور ريغالادو، وتألفت فرق الموت في البداية من المدنيين وكان لها إدارة ذاتية بعيدة عن الجيش السلفادوري، لكن سرعان ما استولت عليها وكالة الاستخبارات العسكرية السلفادورية، بقيادة روبرتو دوبويسون، الذي أصبح جزء حاسما في أعمال الدولة القمعية، حيث قتل الآلاف من زعماء النقابات، والنشطاء، والطلاب، والمعلمين الذين يشتبه أنهم متعاطفين مع اليسار.[42] سوكورو خوريدكو كريستيانو (المساعد القانوني المسيحي، والمساعد القانوني في مكتب رئيس الأساقفة والشخصية السلفادورية الرائدة في جماعات حقوق الإنسان في ذلك الوقت)، وثق عمليات قتل لما يصل إلى 687 مدني من قبل القوات الحكومية في عام 1978، وفي عام 1979، كشفت وثائق أخرى له عن زيادة في عمليات القتل إلى 1796 حالة،[43] وقد دفع القمع العديد من الذين في الكنيسة الكاثوليكية إلى الانسحاب من الحكومة، فردت هذه الأخيرة بقمع رجال الدين.[44]
مع كل هذه التوترات المتصاعدة، أصبحت البلاد على وشك الدخول في دوامة تمرد مسلح، واندلعت الحرب الأهلية في السلفادور في 15 أكتوبر 1979، عندما قامت المنظمة المدنية العسكرية المسماة المجلس العسكري الحكومي الثوري (JRG) بخلع الرئيس الجنرال كارلوس أومبرتو روميرو في انقلاب عسكري. نظرت الولايات المتحدة للانقلاب على أنه شيء جيد، بالنظر إلى الإطاحة بنظام سوموزا في الآونة الأخيرة في نيكاراغوا، وتبنى المجلس العسكري عدداً كبيراً من العروض العسكرية والمساعدات الاقتصادية، بما في ذلك ستة رجال على شكل فريق تدريب متنقل (MTT) في نوفمبر تشرين الثاني 1979 و5،7 ملايين دولار أمريكي كمساعدات عسكرية في 1980، من أجل منع بأي ثمن إنشاء «نيكاراغوا أخرى».[45][46]
تحت ضغط من الجيش، استقال كل الأعضاء المدنيين الثلاثة في المجلس العسكري في 3 يناير 1980، جنبا إلى جنب مع 10 من أصل 11 وزيرا من وزراء الحكومة، وفي 22 يناير 1980، هاجم الحرس الوطني السلفادوري مظاهرة سلمية ضخمة مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 50 شخصا وإصابة المئات، وفي 6 فبراير من نفس العام، أبلغ سفير الولايات المتحدة فرانك ديفين وزارة الخارجية أن اليمين المتطرف أعاد تسليح نفسه وأنه على استعداد للمواجهة في أي حال، وأنه سوف يتحالف مع الجيش.[47][48]
سن المجلس العسكري الحكومي الثوري برنامجا لإصلاح الأراضي في السلفادور، حيث قيدت حيازات الأراضي إلى مائة هكتار كحد أقصى، تأميم المصارف وصناعات القهوة والسكر، واتخاد قرار إجراء الانتخابات في فبراير 1982، وقام أيضا بحل القوات شبه العسكرية خاصة فرق الموت مثل المنظمة الوطنية الديمقراطية في 6 نوفمبر 1979.
ومع ذلك، فقد قوبل برنامج إصلاح الأراضي بالعداء من النخب العسكرية والاقتصادية السلفادورية الذين سعوا إلى تخريب العملية في أقرب وقت؛ بناء على معرفة نية الحكومة في توزيع الأراضي على الفلاحين وتنظيم التعاونيات، بدأ أصحاب الأراضي الغنية السلفادورية قتل الثروة الحيوانية وتحريك قيمة المعدات الزراعية عبر الحدود إلى غواتيمالا، حيث أرادت العديد مثل هذه الأسر المزيد من الحيازات على للأراضي، بالإضافة إلى ذلك: ترافق الإصلاح الزراعي مع زيادة في عمليات القتل الجماعي للفلاحين والقادة المتعاونين معهم من قبل الجيش السلفادوري وأجهزة الأمن، وقد أعدم العديد من القادة المتعاونين في الريف بإجراءات موجزة من قبل القوات السلفادورية في وقت قريب بعد انتخابهم،[49] كما كشفت وثائق سوكورو خوريدسيو عن قفزة في عدد عمليات القتل التي ترعاها الحكومة من 234 حالة في فبراير شباط 1980 إلى 487 حالة في الشهر الموالي.[50]
وفي فبراير 1980، نشر رئيس الأساقفة أوسكار روميرو رسالة مفتوحة للرئيس جيمي كارتر؛ حيث ناشد فيها تعليق برنامج المساعدات العسكرية الجارية التابع للولايات المتحدة للنظام السلفادوري، وقد قال لكارتر أن السلطة السياسية هي في أيدي القوات المسلحة، وهم يعرفون فقط كيفية قمع الشعب للدفاع عن مصالح الأقلية الحاكمة السلفادورية. حذر روميرو من أن دعم الولايات المتحدة من شأنه أن فقط أن يزيد الظلم والقمع ضد المنظمات الإنسانية التي مرارا تكافح من أجل كسب احترام حقوق الإنسان الأساسية،[51] وفي 24 مارس 1980، اغتيل رئيس الأساقفة في احتفال، وفي اليوم التالي دعا الجنود السلفادوريين أعضاء قوات الأمن إلى عدم اتباع أوامر قتل المدنيين السلفادوريين، وصرح الرئيس الأمريكي أن هذا كان «صدمة غير معقولة».[52] وبعد أسبوع من جنازته التي ترعاها الحكومة، قام القناصة في القصر الوطني كخيراردو باريوس بلازا بإطلاق النار على اثنين من المشيعين.
وفي 7 مايو 1980، اعتقل ماجور الجيش السابق روبرتو دوبويسون مع مجموعة من المدنيين والجنود في مزرعة، وعثر المهاجمون على وثائق تكشف عن ارتباط مدنيين وشخصيات أخرى بفرق الموت التي قتلت رئيس الأساقفة روميرو، وبتدبير انقلاب ضد المجلس العسكري الحكومي الثوري. أثار إلقاء القبض عليهم التهديدات اليمينية الإرهابية والضغوط المؤسسية مما اضطر المجلس العسكري الحكومي الثوري لإطلاق سراح دوبويسون. في عام 1993، أكد تحقيق الأمم المتحدة أن دوبويسون قد تعرض لمحاولة اغتيال.
أعاد دوبويسون والحرس الوطني حديثا تنظيم القوات شبه العسكرية المسماة المنظمة الوطنية الديمقراطية (ORDEN)، والتي نفذت بالتعاون مع القوات المسلحة الهندوراسية واحدة من أكبر المذابح في نهر سامبول في 14 مايو 1980، وقتل فيها ما يقدر بحوالي 600 مدني معظمهم من النساء والأطفال. مُنع القرويين من الهروب عن طريق عبور النهر من قبل القوات الهندوراسية، ومن ثَمَّ قتلت القوات السلفادورية التي أطلقت عليهم النار «بدم بارد»، وعلى مدى عام 1980، قُدر أن الجيش السلفادوري وقوات الأمن الثلاثة (الحرس الوطني، الشرطة الوطنية والشرطة الخزائنية) قد قتلوا 11,895 شخص، معظمهم من الفلاحين والنقابيين والمعلمين والطلاب والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان والكهنة أيضاً. قالت المنظمات الحقوقية أن حكومة السلفادور قامت بكتابة سجل من أسوء سجلات انتهاكات حقوق الإنسان في نصف الكرة الغربي.[53]
فيما بعد، برر مكتب الشؤون الخارجية للولايات المتحدة المعونة الأمريكية لحكومة السلفادور، مشيرا إلى «أن الهدف المباشر للجيش السلفادوري وقوات الأمن بالنسبة للولايات المتحدة في 1980 هو منع سيطرة المقاتلين اليساريين وما تحالفت معهم من المنظمات السياسية على السلطة في السلفادور. عند هذه النقطة، أصبح الصراع السلفادوري أكثر أهمية من السابق. الموارد العسكرية للمتمردين محدودة جدا وقوتهم، إلى حد بعيد، لا تكمن في قوة السلاح لكن في المنظمات الجماهيرية والتي تتكون من النقابات العمالية، الطلاب ومنظمات الفلاحين التي يمكن أن تعبأ في أوساطها الآلاف من مدن السلفادور الرئيسية، والتي يمكنها ضرب البلاد من خلال الهجمات المنظمة».[54] اتهم نقاد المساعدات العسكرية الأمريكية بأنه «سيكون عنف كبير من النظام الديكتاتوري وأن السلطة السياسية في السلفادور تقع على عاتق القادة العسكريين المحافظين في المناصب الحكومية، الذين يمارسون سياسة إصلاحية مقرونة بالقمع». قال متحدث كاثوليكي بارز «أن المساعدات العسكرية التي ترسلها الولايات المتحدة الأمريكية إلى السلفادور تقع في أيدي الجيش والمجموعات شبه العسكرية اليمينية، الذين هم أساس المشاكل بالبلاد».[55]
وفي 2 ديسمبر 1980، اشتبه أعضاء الحرس الوطني السلفادوري أنهم اغتصبوا وقتلوا أربعة راهبات وقابلات نساء أمريكيات. قامت راهبات ماريكنول المسيحيات وهن مورا كلارك، إيتا فورد، ودوروثي كازيل، وقابلة النساء جان الكاثوليكية بتوفير الإغاثات والغذاء والمأوى والنقل والرعاية الطبية، والدفن لضحايا فرق الموت. قطعت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية للجيش السلفادوري ردا على جرائم القتل، لكن من شأنها أن تستأنف في غضون ستة أسابيع.[56]
زادت عقوبات الحكومة من انتشار العنف، والجماعات السياسية غير المسلحة السابقة تحولت إلى قوات حرب عصابات، وفي مايو 1980، التقى أعضاء القيادة الثورية السلفادورية في هافانا، لتشكيل قيادة عسكرية سياسية موحدة، وتحولت في وقت قريب إلى جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN)، كتكريم لبطل المتمردين الراحل فارابوندو مارتي، الذي قتل من قبل الحرس الوطني في 1932. بدأت جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني على الفور في تنفيذ خطط لإطلاق تمرد ضد الحكومة، والذي انطلق في 10 يناير 1981 مع إطلاق الجبهة أول هجوم كبير؛ أدى الهجوم إلى سيطرة هذه الأخيرة على معظم محافظتي مورازان وشالاتينانغو لمدة خلال الحرب الأهلية. أُطلقت هجمات على الأهداف العسكرية في جميع أنحاء البلاد، وسقط فيها مئات القتلى.
بالإضافة إلى ذلك، زادت المساعدات العسكرية الصادرة من إدارة كارتر للقوات المسلحة السلفادورية إلى 10 ملايين دولار أمريكي، اشتملت على 5 ملايين دولار أمريكي على شكل بنادق، ذخيرة حربية، قنابل يدوية وطائرات هليكوبتر. لتبرير شحنات الأسلحة هذه، ادعت إدارة جيمي كارتر أن النظام السلفادوري قد اتخد «خطوات إيجابية» في التحقيق في مقتل أربعة راهبات أمريكيات، لكن شُكك في هذا الأمر، خصوصا من قبل السفير الأمريكي، روبرت وايت الذي قال أنه تمكن من إيجاد دليل أن المجلس العسكري لم يجري أي «تحقيق جدي».
خلال نفس الشهر، عزز المجلس العسكري حالة الحصار، الذي فرضه على الرئيس كارلوس أومبرتو روميرو في مايو 1979 بإعلان الأحكام العرفية واعتماد مجموعة جديدة من لوائح حظر التجول[57] بين 12 يناير و 19 فبراير 1981، وقد قتل 168 شخص من قبل قوات الأمن بدعوى انتهاك حظر التجول.[58]
«استنزاف البحر»
في إطار جهودها لإنهاء التمرد، نفذت القوات المسلحة السلفادورية إستراتيجية الأرض المحروقة، واعتماد هذه التكتيكات كان تقليدا لتلك التي تستخدم في مكافحة التمرد في غواتيمالا المجاورة. كانت هذه الإستراتيجية في المقام الأول مستمدة ومعدلة من عمليات الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام ودرست من قبل المستشارين العسكريين الأمريكيين.[59] ينطوي جزء لا يتجزأ من إستراتيجية مكافحة التمرد في الجيش السلفادوري على ما يسمى استنزاف البحر، أي القضاء على المتمردين من خلال تدمير قاعدة دعمهم في الريف. كان الهدف الرئيسي هو السكان المدنيين من خلال تشريدهم أو قتلهم من أجل إزالة أي قاعدة ممكنة لدعم المتمردين. كان أساس مفهوم استنزاف البحر في نظرية ماو تسي تونغ الذي أكد أن «حرب العصابات يجب أن تتحرك من بين الناس مثل سمكة تسبح في البحر».[60] قال أرييه نيير في 1984: «قد تكون هذه الإستراتيجية فعالة في الفوز بالحرب، بيد أنها تنطوي على استخدام تكتيكات الإرهاب مثل التفجيرات، العمليات الانتحارية، القصف وفي بعض الأحيان، ارتكاب مذابح ضد المدنيين».[61] من بداية عام 1983، تم العثور على معاقل مقاتلي حرب العصابات بواسطة طائرات الاستطلاع الخاصة بالولايات المتحدة، والتي نقلت هذه المعلومات إلى الاستخبارات وبدورها نقلتها إلى القوات المسلحة السلفادورية.[62][63]
في تقريرها لسنة 1981، قالت منظمة العفو الدولية أن «قوات الأمن والوحدات العسكرية كانت مسؤولة عن انتشار التعذيب، التشويه وعمليات القتل للمدنيين غير المقاتلين من جميع قطاعات المجتمع السلفادوري». كشف التقرير أيضا أن قتل المدنيين من قبل قوات أمن الدولة أصبح على نحو متزايد منهجيا مع تنفيذ أكبر لاستراتيجيات القتل، وزَعم تقرير منظمة العفو الدولية أن الحكومة السلفادورية قامت باستخدام مصانع تعبئة اللحوم للتخلص من جثت القتلى.[64] بين 20 أغسطس و 25 أغسطس 1981، تم الإبلاغ عن قطع رؤوس ثلاث وثمانين شخصا في السلفادور. اكتشف فيما بعد أن جرائم القتل كانت تقوم بها فرق الموت باستخدام مقصلات الإعدام.[65]
وفي 15 مارس 1981، بدأ الجيش السلفادوري عملية اجتياح في قسم من إدارة كاباناس في شمال السلفادور بالقرب من حدود هندوراس. رافق الاجتياح استخدام تكتيكات الأرض المحروقة، وقام الجيش السلفادوري بعمليات قتل عشوائي لأي شخص في منطقة سلفادورية سيطر عليها الجيش. فر النازحون بسبب «عملية الاجتياح» الذين لم يقتلوا من قبل الجيش السلفادوري، ثم اختبؤوا في الكهوف تحت الأشجار للهرب من إعدام محتمل من القوات المسلحة. وفي 18 مارس، ثلاثة أيام بعد اجتياح إدارة كاباناس، بدأ الناجون وعددهم ما بين 4000 و 8000 (معظمهم من النساء والأطفال) محاولة عبور نهر ليمبا في هندوراس للفرار من العنف. هناك، كان قد اشتعل القتال بين السلفادور والقوات الهندوراسية في وقت سابق. بعد ذلك، قصفت القوات الجوية السلفادورية المدنيين الفارين بمدفع رشاش، مما أسفر عن مقتل المئات. من بين القتلى، سجل 189 شخص على الأقل في عداد المفقودين أو باسم «مختفون» خلال العملية التي قام بها القوات الجوية.[66]
تم إطلاق الهجوم الثاني في قسم من كاباناس في 11 نوفمبر 1981 بواسطة قوات معبأة تضم 1200 جندي، بما في ذلك أعضاء كتيبة أتلاكاتل؛ أنشأت في عام 1980 في مدرسة القارة الأمريكية الخاصة بالجيش الأمريكي في بنما. كانت العملية بقيادة المقدم سيجفريدو أوتشوا، وهو رئيس الشرطة الخزائنية السابقة ذات السمعة السيئة. كان أوتشوا مقربا من الميجور روبرتو دوبويسون وزُعم أنه قد شارك في اغتيال رئيس الأساقفة أوسكار روميرو.[67] منذ البداية، وُصف غزو كاباناس بأنه عملية «تطهير» من قبل المصادر الحكومية الرسمية.[68] ذبح مئات المدنيين من قبل الجيش في تحركات قواته في القرى بقيادة المقدم أوتشوا. ادعى هذا الأخير أن مئات من المقاتلين قتلوا لكن عرض الصحفيين أظهر أنه قتل فقط خمسة عشر مقاتل واستولوا على أسلحة، وكان نصف القتلى مفترضين، مما يشير إلى أن معظم القتلى في عملية الاجتياح كانوا غير مسلحين.[69]
أعقبت هذه العملية «اجتياحات» إضافية من خلال إدارة مورازان، بقيادة كتيبة أتلاكاتل. في 11 ديسمبر 1981، بعد شهر من «عملية الاجتياح» لإدارة كاباناس، احتلت نفس الكتيبة قرية الموزوت وذبحت على الأقل 733 شخص ومن المحتمل أن العدد يصل إلى 1000 مدني عزل قتلوا بالذبح في ما أصبح يعرف باسم مذبحة الموزوت.[70] اتهم جنود كتيبة أتلاكاتل السكان بالتعاون مع المتمردين. قال قائد في نفس المكان أنهم تلقوا أوامر بقتل كل شخص، بما في ذلك الأطفال، الذين أكدوا أن الجيش سمح لهم بالعيش فقط إذا أصبحوا مقاتلين في صفوفه عندما يكبروا، كما قال أحدهم.[71] أصبحت تفاصيل المجزرة معروفة على نطاق أوسع، وأصبح هذا الحادث واحد من أسوأ فظائع الصراع.
ككل، سجل سوكورو خوريدكو 13,353 حالة إعدام فردية بإجراءات موجزة من قبل القوات الحكومية على مدار عام 1981. ومع ذلك، فإن الرقم الحقيقي لعدد القتلى من قبل الجيشوأجهزة الأمن يمكن أن يكون أعلى بكثير، يرجع ذلك إلى حقيقة أن القتل خارج نطاق القضاء عموما ذهب دون أن يبلغ عنه في الريف وإلى صمت العديد من أسر الضحايا خوف من انتقام الحكومةوالقوات التابعة لها. وصف تقرير أمريكي أرقام سوكورو خوريدكو بأنها : "تميل إلى تعميم انتهاكات حقوق الإنسان حيث أن الانتهاكات هي فردية وهي تقام خارج نطاق الحرب.[75] فيما بعد، عدل سوكورو خوريدكو عدد عمليات القتل التي تقوم بها الحكومة في 1981 إلى 16,000 وأوضح أن الرقم يتغير بسرعة.[76][77]
في 7 فبراير1984، اعتقلت تسعة قيادات عمالية، بما في ذلك سبعة من نفس الاتحاد من قبل الشرطة الوطنيةالسلفادورية وأرسلوا إلى محكمة عسكرية. كانت الاعتقالات جزء من تحركات خوسيه نابوليون دوارتيلقمع النقابات العمالية، وفيما بعد ذلك، اعتقل 80 نقابيا في غارة من قبل الشرطة الوطنية. وقد صادرت الشرطة ملفات النقابات وأخدت أي شريط فيديو اعتبرته غير صالح من كل عضو في النقابات. بعد 15 يوم من الاستجوابات، ضرب تسع قيادات عمالية خلال وقت متأخر من الليل ليقولوا بأنه سيعترفون بأنهم مقاتلين. لقد كانوا مجبرين التوقيع على ورقة اعتراف في حين هم معصوبي العينين. ولم تكن هذه القيادات قد وجهت لها أي تهم حتى الآن لكن قال بيان الشرطة الرسمي أنهم اتهموا بالتخطيط «لتنفيذ ضربات على أهداف من شأنها زعزعة استقرار الاقتصاد». قال مسؤول في سفارة الولايات المتحدة أنه : «تابع هاته الاعتقالات عن كثب وكان راض عليها وأن الإجراءات الصحيحة قد اتبعت».[91]
في أواخر عقد 1980، كان حوالي %75 من السكان يعيشون في الفقر.[110] انخفضت مستويات معيشة معظم السلفادوريين بنسبة %30 منذ عام 1983. زادت البطالة أو العمالة الناقصة إلى %50.[111] معظم الشعب السلفادوري، علاوة على ذلك، لا يزال لا يحصل على مياه نظيفة أو رعاية صحية. خشيت القوات المسلحة من ارتفاع معدلات التضخم إلى %40 تقريبا، وهروب رأس المال الذي بلغ ما يقدر بحوالي مليار دولار أمريكي، وتجنبت النخبة الاقتصادية دفع الضرائب.[112] على الرغم من أن ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار أمريكي دخلت كمساعدات اقتصاديةأمريكية، فقد أصبح دخل الفرد هو ثلث دخله قبل الحرب الأهلية. كانت توزع المعونة الأمريكية على الشركات الحضرية فقط على الرغم من أن الأغلبية الفقيرة لم تتلقى شيء تقريبا من ذلك. أصبح تركيز الثروة أعلى من ذلك من قبل، وأصبحت الولايات المتحدة هي التي تدير برنامج إصلاح للأراضي[؟]. أولد القانون الزراعي أرباح مفاجئة للنخبة الاقتصادية ودفعت بفضله التعاونيات ديونها التي تركتها والتي كانت بسببها غير قادرة على المنافسة في أسواق رأس المال. استعادت القلة في كثير من الأحيان للأراضي[؟] من الفلاحين المفلسين الذين لم يحصلوا على الائتمان الضروري لدفع تكاليف البذور والأسمدة.[113] على الرغم من أن : "عدد قليل من الفقراء من شأنهم أن يأخدوا حقهم بالسبل القانونية ضد مالك للأراضي[؟] لأن تقريبا جميع القضاة لا يهتمون بشأنه لأنه رجل فقير". في 1989، %1 من الأراضي من أصل %41 كانت خاصة ومملوكة من سكان المدن، في حين %60 من سكان الريف كان نسبة امتلاكهم للأراضي[؟] هي %0.
بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب، قامت محكمة اتحادية في الولايات المتحدة، بإصدار دعوى قضائية ضد اثنين من الجنرالات السلفادوريين يعتقد أنهما مسؤولان عن عمليات القتل في قضية «فورد مقابل غارسيا» الخاصة بمقتل عائلات راهبات ماريكنول، لكن خسرت; وجدت هيئة المحلفين أن الجنرال كارلوس أوجينيو فيديس كاسانوفا، القائد السابق للحرس الوطني ووزير الدفاع في عهد خوسيه نابوليون دوارتي، والجنرال خوسيه غويلرمو غارسيا— وزير الدفاع من 1979 إلى 1984، غير مسئولين عن عمليات القتل؛ ناشدت تلك العائلات المحاكم وخسرت وفي 2003، رفضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أن تقبل الاستئناف النهائي. في الحالة الثانية، كانت ضد نفس الجنرالات، ونجحت في نفس المحكمة الاتحادية; حيث حكم المدعين الثلاثة في قضية «روماغوزا مقابل غارسيا» بدفع 54 مليون دولار أمريكي كتعويض عن التعذيب من قبل الجيش خلال الحرب الأهلية في السلفادور.
«حددت الوكالات المسؤولة أنه توجد 3000 وثيقة أخرى ظلت سرية غير متوفرة; يقول المنطق أن هناك حاجة للخصوصية في حماية المصادر والطرق. العديد من الوثائق، من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع، غير متوفرة…».[140]
^Hunter، Jane (1987). Israeli foreign policy: South Africa and Central America. Part II: Israel and Central America - Guatemala. ص. 111–137.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link)
^The Kashmir Question: Retrospect and Prospect , 2013. Page 121.
^China and the Third World: Champion Or Challenger?, 1986. Page 151
^Castro's America Department: Coordinating Cuba's Support for Marxist-Leninist Violence in the Americas. 1988. Page 36
^ ابجMichael W. Doyle, Ian Johnstone & Robert Cameron Orr (1997). Keeping the Peace: Multidimensional UN Operations in Cambodia and El Salvador. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 222. ISBN 978-0-521-58837-9.
^ ابMaría Eugenia Gallardo & José Roberto López (1986). Centroamérica. San José: IICA-FLACSO, pp. 249. ISBN 978-92-9039-110-4.
^Armed with M16, IMI Galil and G3 assault rifles. Uzi submachine guns. Heavy weapons including artillery and missiles of North American manufacturing and helicopters and fighter jets
^Andrews Bounds (2001). "El Salvador: History". South America, Central America and The Caribbean 2002. 10a. Edition. London: Routledge pp. 384. ISBN 978-1-85743-121-6. Some 55,000 Regulars and 15,000 paramilitary
^Irvine, Reed and Joseph C. Goulden. "U.S. left's 'big lie' about El Salvador deaths." HUMAN EVENTs (9/15/90): 787.
^Andrews Bounds (2001). "El Salvador: History". South America, Central America and The Caribbean 2002. 10a. Edition. London: Routledge pp. 384. ISBN 978-1-85743-121-6.
^Dictionary of Wars, by George Childs Kohn (Facts on File, 1999)
^arsen, Neil (2010). "Thoughts on Violence and Modernity in Latin America". In Grandin & Joseph, Greg & Gilbert. A Century of Revolution. Durham & London: Duke University Press. pp. 381–393.
^University of California, San Diego (2001). "El Salvador elections and events 1902–1932". Archived from the original on May 21, 2008.
^Haggerty, Richard A. (November 1988). El Salvador: A Country Study. FOREIGN MILITARY INFLUENCE AND ASSISTANCE: Federal Research Division Library of Congress.
^Walter, Williams (1997).Militarization and Demilitarization in El Salvador’s Transition to Democracy. p. 90.
^Armstrong, Robert / Shenk, Janet. El Salvador: The Face of Revolution (Boston: South End Press, 1982), 163.
^Stanley, William. The Protection Racket State: Elite Politics, Military Extortion, and Civil War in El Salvador(Philadelphia: Temple University Press, 1996), p. 3
^Manuel, Anne (September 1988).Nightmare Revisited, 1987-1988: Tenth Supplement to the Report on Human Rights in El Salvador. Background to the Deterioration: Human Rights Watch. pp. 5–7.
^El Salvador’s decade of terror, Americas Watch, Human Rights Watch Books, Yale University Press, 1991.
^El Salvador: 'Death Squads' — A Government Strategy. New York: Amnesty International, 1988.
^Extrajudicial Executions in El Salvador: Report of an Amnesty International Mission to Examine Post-Mortem and Investigative Procedures in Political Killings, 1-6 July, 1983. Amnesty International Publications. May 1984.
^Amnesty International Report. Amnesty International Publications. 1985. p. 145.
^Arnson, Cynthia J. "Window on the past: a declassified history of death squads in El Salvador," in Death squads in global perspective: murder with deniability, Campbell and Brenner, eds., 86.
^Lopez, George A. "Terrorism in Latin America," in The politics of terrorism, Michael Stohl, ed.