وكما هو الحال مع الفترات الجيولوجية الأقدم الأخرى، فإن الطبقات الجيولوجية حددت البداية والنهاية لها بشكل جيد ولكن التاريخ الدقيقة لبداية ونهاية هذه الفترة ليست مؤكدة قليلا. ولم يتم تعريف حدود بداية حدوث البليوسيني بتعريف سهل للأحداث العالمية بل في الحدود الإقليمية بين الميوسيني الأكثر دفئا والبليستوسيني الأكثر برودة نسبيا. وتم تحديد الحدود العليا في بداية تجلد فترة البليستوسين.
التسمية
في عام 1833 قدم "تشارلز لايل" مصطلح "البليوسيني" (Pliocene) في كتابه "مبادئ الجيولوجيا" المجلد 3 (Principles of Geology).[4]
وجائت الكلمة (البليوسيني) من اليونانية: πλεῖον = (pleion) = 'أكثر' و καινός = (kainós) = 'جديد'،[5] وتعني تقريبا «استمرار الحديث»، في إشارة إلى الحيوانات البحرية الحديثة مثل الرخويات.
الأقسام الفرعية
في منطقة باراتيثس (أوروبا الوسطى وأجزاء من غرب آسيا)، يحتوي العصر البليوسيني على مرحلتي الداتشية (تساوي تقريبًا مرحلة الزانكلي) والرومانية (تساوي تقريبًا مرحلتي البياشنزيوالجيلاسي معًا). وكما هو معتاد في علم الطبقات، هناك العديد من التقسيمات الإقليمية والمحلية الأخرى المستخدمة.
في بريطانيا، ينقسم عصر البليوسيني إلى المراحل التالية (من القديم إلى الجديد): الغدغرافي، والوالتوني، وقبل اللودامي، واللودامي، والثورني، والبراميرتوني أو أنتياني، وقبل الباستوني أو البافنتي، والباستوني والبيستوني. وفي هولندا، ينقسم عصر البليوسيني إلى المراحل التالية (من القديم إلى الجديد): البرونسومي C، والريفيري A، والريفيري B، والريفيري C، والبريتيجلي، وتيجليان A، والتيجلي B، والتيجلي C1-4b، والتيجلي C4c، والتيجلي C5، والتيجلي C6، والإيبوروني. لم يتم تحديد الارتباطات الدقيقة بين هذه المراحل المحلية ومراحل اللجنة الدولية للطبقات (ICS).[6]
خلال البليوسيني (منذ 5.3 إلى 2.6 مليون سنة)، أصبح مناخ الأرض أكثر برودة وجفافًا، فضلاً عن كونه موسميًا، مما يشير إلى انتقال بين العصر الميوسيني الدافئ نسبيًا إلى عصر العصر البليستوسيني الأكثر برودة.[10] ومع ذلك، تميزت بداية البليوسيني بزيادة في درجات الحرارة العالمية نسبة إلى مرحلة المسيني الأكثر برودة. كانت هذه الزيادة مرتبطة بدورة تحول سعة الميل التي استمرت 1.2 مليون سنة.[11] بحلول 3.3 - 3.0 مليون سنة مضت، خلال فترة دفء منتصف البليوسيني، كانت درجة الحرارة المتوسطة العالمية أعلى بمقدار 2 - 3 درجات مئوية عن ما هي عليها اليوم،[12] في حين كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون كما هي اليوم (400 جزء في المليون).[13] كان مستوى سطح البحر العالمي أعلى بنحو 25 مترًا،[14] رغم أن القيمة الدقيقة غير مؤكدة.[15][16] كانت الطبقة الجليدية في نصف الكرة الشمالي سريعة الزوال قبل بداية التجلد الكبير فوق جرينلاند والذي حدث في أواخر البليوسيني منذ حوالي 3 ملايين سنة.[17]
يشير تشكل الغطاء الجليدي في القطب الشمالي إلى التحول المفاجئ في نسب نظائرالأكسجين والحصى الجليدية في قاع المحيط الأطلسي الشمالي والمحيط الهادئ الشمالي.[18] وربما كان التجلد في خطوط العرض الوسطى مستمرا قبل نهاية العصر. قد يكون تسارع التبريد العالمي الذي حدث خلال البليوسيني كان مع اختفاء الغابات وانتشار المراعي والسافانا.[19]
خلال عصر البليوسيني، تحولت استجابة النظام المناخ للأرض من فترة التردد العالي بنطاق التأرج المنخفض التي يسيطر عليها فترة 41,000 سنة من ميلان الأرض إلى فترة التردد المنخفض بنطاق التأرج العالي التي يسيطر عليها فترة 100,000 سنة من الانحراف المداري المميز لدورات الجليدية وما بين الجليدية في عصر البليستوسيني.[20]
خلال أواخر البليوسيني وبداية البليستوسيني أي منذ ما بين 3.6 إلى 2.6 مليون سنة، كان القطب الشمالي أكثر دفئًا مما هو عليه في الوقت الحاضر (كانت درجات الحرارة في الصيف أعلى بنحو 8 درجات مئوية مقارنة باليوم). وهذه أحد النتائج الرئيسية للبحث في لب رواسب في بحيرة في شرق سيبيريا، وهذا أمر ذو أهمية استثنائية لأنه قدم أطول سجل مستمر للرواسب الأرضية في أواخر حقبة الحياة الحديثة حتى الآن.[21]
خلال أواخر الزانكلي، ظلت إيطاليا دافئة ورطبة نسبيًا.[22] وأصبحت آسيا الوسطى أكثر موسمية خلال البليوسيني، مع فصول شتاء أكثر برودة وجفافًا وصيف أكثر رطوبة، مما ساهم في زيادة وفرة النباتات الرباعية الكربون في جميع أنحاء المنطقة.[23] في هضبة اللوس، زادت قيم دلتا كربون ثلاثة عشر (δ13C) للمواد العضوية المسدودة بنسبة 2.5% بينما زادت قيم الكربونات المولدة للتربة بنسبة 5% على مدار أواخر العصر الميوسيني والبليوسيني، مما يشير إلى زيادة الجفاف.[24] وكان سبب زيادة الجفاف في آسيا الوسطى هو تطور التجلد في نصف الكرة الشمالي خلال أواخر البليوسيني.[25] وتظهر لب رواسب شمال بحر الصين الجنوبي زيادة في نشاط العواصف الغبارية خلال منتصف العصر البليوسيني.[26] ازداد مناخ صيف جنوب آسيا الموسمي (SASM) بشكل شديد بعد 2.95 مليون سنة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى زيادة الضغط عبر خط الاستواء الناجم عن إعادة تنظيم التدفق الإندونيسي العبوري.[27]
في جنوب وسط الأنديز، حدثت فترة قاحلة منذ 6.1 إلى 5.2 مليون سنة، وحدثت فترة أخرى منذ 3.6 إلى 3.3 مليون سنة، وتتزامن هذه الفترات القاحلة مع فترات البرد العالمية، والتي تحول خلالها غربياتنصف الأرض الجنوبي للشمال وعطلت تيارات أمريكا الجنوبية النفاثة المنخفضة المستوى، والتي تجلب الرطوبة إلى جنوب شرق أمريكا الجنوبية.[28]
منذ حوالي 3.8 مليون سنة وحتى حوالي 3.3 مليون سنة مضت، شهدت شمال أفريقيا فترة رطوبة واسعة. في شمال غرب أفريقيا، امتدت الغابات الاستوائية حتى رأس نواذيبو خلال مرحلة الزانكلي حتى حوالي 3.5 مليون سنة مضت. خلال مرحلة البياشنزي، منذ حوالي 3.5 حتى 2.6 مليون سنة مضت، كانت المنطقة مغطاة بالغابات بفترات غير منتظمة وقد كان فيها نهر الصحراء الكبرى القديم حتى 3.35 مليون سنة مضت، عندما بدأت الرياح التجارية تهيمن على النقل النهري لحبوب اللقاح. حوالي 3.26 مليون سنة مضت، حدث جفاف قوي أعقبه عودة إلى ظروف أكثر رطوبة، والتي أعقبها جفاف آخر حوالي منذ 2.7 مليون سنة. من 2.6 إلى 2.4 مليون سنة مضت، بدأت مناطق الغطاء النباتي في تحول متكرر بشكل عرضي استجابة للدورات الجليدية وبين الجليديين.[20]
كان مناخ شرق أفريقيا مشابهًا جدًا لما هو عليه اليوم. وبشكل غير متوقع، يبدو أن توسع الأراضي العشبية في شرق أفريقيا خلال هذه الفترة كان منفصل عن الجفاف ولم يكن ناتجًا عنه، كما يتضح من عدم تزامنهما.[29]
استضافت جنوب غرب أستراليا غابات شجريةوشجيراتوأراضي حرجية ذات تنوع نوعي أكبر مقارنة باليوم خلال البليوسيني الأوسط والمتأخر. حدثت ثلاثة أحداث جفاف مختلفة منذ حوالي 2.90 و2.59 و2.56 مليون سنة، وقد تكون مرتبطة ببداية التجلد القاري في القطب الشمالي، مما يشير إلى أن التغيرات النباتية في أستراليا خلال البليوسيني كان سلوكها شبيه لما كانت عليه خلال البليستوسيني المتأخر ويرجح أنها تميزت بدورات مماثلة من الجفاف والرطوبة.[30]
كان درجة حرارة سطح البحر الاستوائية في المحيط الهادئ أقل بكثير مما هي عليه اليوم. وكانت درجات حرارة سطح البحر المتوسطة في الشرق أكثر دفئًا مما هي عليه اليوم ولكنها مماثلة في الغرب، وقد وُصفت هذه الحالة بحالة النينو الدائمة.[31] وقد تم اقتراح عدة آليات لهذا النمط، بما في ذلك زيادة نشاط الأعاصير المدارية.[32]
كان تذبذب امتداد صفيحة القارة القطبية الجنوبية الجليدية الغربية عند الفترة 40 ألف سنة من ميلان الأرض. وحدث انهيار للصفيحة الجليدية عندما كانت درجة الحرارة المتوسطة العالمية أعلى بمقدار 3 درجات مئوية عن ما هي عليه اليوم وكان تركيز ثاني أكسيد الكربون عند 400 جزء في المليون، وقد أدى هذا إلى ظهور المياه المفتوحة في بحر روس.[33] ربما كان تقلب مستوى سطح البحر العالمي المرتبط بانهيار الصفائح الجليدية يصل إلى 7 أمتار في غرب القارة القطبية الجنوبية و3 أمتار في شرق القارة القطبية الجنوبية. تتوافق عمليات المحاكاة النموذجية مع تذبذبات الصفائح الجليدية المتجددة وتشير إلى تقدم من صفيحة جليدية أصغر إلى صفيحة جليدية أكبر في غرب القارة القطبية الجنوبية خلال الخمسة ملايين سنة الماضية. كانت فترات انهيار الغطاء الجليدي شائعة جدا في بداية منتصف البليوسيني (5 ملايين سنة مضت - 3 ملايين سنة مضت)، بعد أن أصبحت فترات الثلاثة ملايين سنة مع حجم الجليد الحديث أطول ولم يحدث الانهيار إلا في الأوقات التي تتزامن فيها درجات الحرارة العالمية الأكثر دفئًا مع شذوذ أشعة الشمس الصيفية القوية في الجنوب.[34]
الجغرافيا القديمة
استمرت القارات بالانجراف، وانتقلت من مواقعها تقريبا 250 كيلومترًا إلى أن وصلت مواقع تبعد 70 كيلومترًا فقط عن مواقعها في هذا اليوم. وأصبحت أمريكا الجنوبية مرتبطة بأمريكا الشمالية من خلال برزخ بنما، مما فتح مجال التبادل الأمريكي العظيم وجلب شبه كامل لحيوانات الحافريات الأصلية المميزة في أمريكا الجنوبية،[35] وبالرغم من انقراض سلالات أخرى في أمريكا الجنوبية كالثدييات المفترسة إلا أنه قد استمرت سلالات أخرى مثل غريبات المفاصل في النمو بشكل جيد بعد ذلك. لقد كان لتكوين البرزخ عواقب وخيمة على درجات الحرارة العالمية، حيث تم قطع التيارات المحيطية الاستوائية الدافئة وبدء دورة تبريد أطلسية، مع انخفاض درجات حرارة مياه القطب الشمالي والقطب الجنوبي في المحيط الأطلسي المنفصل حاليا.[36]
خلال البليوسيني، ارتفعت أجزاء من جنوب النرويج وجنوب السويد التي كانت قريبة من مستوى سطح البحر. في النرويج، أدى هذا الارتفاع إلى رفع هضبة هاردانجر إلى 1200 متر في أوائل البليوسيني.[45] في جنوب السويد، حركات مماثلة أدت إلى رفع مرتفعات جنوب السويد مما أدى إلى انحراف نهر إريدانوس القديم عن مساره الأصلي ليقطع جنوب وسط السويد حتى المجرى في جنوب السويد.[46]
الكائنات الحية
النباتات
كان لتغير المناخ إلى أكثر برودة وجفافًا وموسمية تأثيرات كبيرة على نباتات البليوسيني، وأدت إلى تقليص الأنواع الاستوائية في جميع أنحاء العالم. انتشرت الغابات المتساقطة الأوراق، وغطت الغابات الصنوبريةوالتندرا معظم الشمال، وانتشرت الأراضي العُشبيّة في جميع القارات (باستثناء القارة القطبية الجنوبية). وشهدت شرق أفريقيا على توسعًا هائلاً في الأراضي العُشبيّة.[47] اقتصرت الغابات الاستوائية على شريط ضيق حول خط الاستواء، وبالإضافة إلى السافانا الجافة، ظهرت الصحاري في آسيا وإفريقيا.[48]
الكائنات الحية
كانت الحيوانات البحرية والقارية حديثة بشكل أساسي، بالرغم من أن الحيوانات القارية كانت أكثر بدائية بعض الشيء من ما هي عليه اليوم. وقد أدى اصطدام الكتل الأرضية إلى هجرة كبيرة واختلاط الأنواع التي كانت معزولة، كما حدث في التبادل الأمريكي العظيم. وأصبحت الحيوانات العاشبة أكبر، والحيوانات المفترسة أصبحت متخصصة.
كانت الحافريات تهيمن على إفريقيا، واستمرت الرئيسيات بالتطور، مع ظهور القردة الجنوبية (بعض من أوائل البشراناويات) والقرود الشبيهة بالبابون مثل الدينوبيثكس في أواخر البليوسيني. استمرت القوارض، وزادت أعداد الأفيال. واصلت الأبقار والظباء بالتنوع وتفوقت على الخنازير في أعداد الأنواع. ظهرت الزرافات المبكرة. ظهرت الخيول ووحيد القرن الحديث على الساحة. انضمت الدببة والكلاب والقوارض (أصلها من أمريكا الشمالية) إلى القطط والضباع والزباد كحيوانات مفترسة إفريقية، مما أجبر الضباع على التكيف كحيوانات قمامة متخصصة. انخفضت أعداد ابن عرس في إفريقيا بسبب المنافسة المتزايدة من الحيوانات المفترسة الجديدة، على الرغم من أن الإنهيدريودون أوموينسيس لا يزال مفترسًا بريًا ناجحًا بشكل غير عادي.
ولم تشهد الأسماك أي تطور كبير خلال هذه الفترة، باستثناء مجموعة الأسماك الغضروفية: أصبحت أسماك القرش ضخمة، خاصة مع ظهور القرش المفترسة "الميجالودون" التي يزيد طولها عن 15 مترًا والتي كانت تهاجم الحيتان وهي لا تزال في مرحلة النمو الكامل. ومنذ تلك الفترة فصاعدا -وحتى يومنا هذا- أصبحت أسماك القرش النوع المفترس المهيمن في المحيطات رغم المنافسة من الثدييات البحرية مثل الحوتيات المسننة.
منذ ظهور أسماك القرش خلال حقبة الحياة القديمة، لم تكن قادرة في السابق على ترسيخ وجودها في المحيطات. فقد واجهت في البداية منافسة مع الأسماك العظمية البدائية مثل عظمية دانكل، ثم من الزواحف البحرية خلال معظم العصر الطباشيري؛ ولذلك احتلت أسماك القرش مكانة دنيا في السلسلة الغذائية داخل المحيطات. ولم تتمكن أسماك القرش من الوصول إلى مكانها البيئي العلوي إلا بعد اختفاء الزواحف البحرية. وعلاوة على ذلك، حتى ظهور أولى الحيتان الغير مفترسة، لم تسمح أي فريسة لأسماك القرش بالنمو إلى هذا الحجم الذي كانت عليه خلال البليوسيني. خلال العصر الجليدي، طورت الحيتان طبقة من الدهون وهاجرت إلى المياه الأكثر برودة، لكي تمنع الميجالودون من ملاحقتها؛ وبذلك ينتهي حكم الأخير، وتنتقل أسماك القرش إلى قمة السلسلة الغذائية في المحيط.
خلال هذه الفترة كانت طيور الرعب المفترسة في أمريكا الجنوبية نادرة، ومن بين آخر الفصائل هي التيتانيس، وهو طائر كبير هاجر إلى أمريكا الشمالية ونافس الثدييات كمفترس أعلى. أما الطيور الأخرى ربما تطورت خلال هذا الوقت، وبعضها حديث (مثل الأجناس: البجع، والبومة القرناء، والنعام، والغراب)، وبعضها انقرضت الآن.
Lyell، Charles (1833). Principles of Geology, …. London, England: John Murray. ج. 3. ص. 53. مؤرشف من الأصل في 2023-11-17. From p. 53: "We derive the term Pliocene from πλειων, major, and χαινος, recens, as the major part of the fossil testacea of this epoch are referrible to recent species*."
^Gautier, F., Clauzon, G., Suc, J.P., Cravatte, J., Violanti, D., 1994. Age and duration of the Messinian salinity crisis. C.R. Acad. Sci., Paris (IIA) 318, 1103–1109.
^Deméré، Thomas A. (1983). "The Neogene San Diego basin: a review of the marine Pliocene San Diego formation". Cenozoic Marine Sedimentation, Pacific Margin. Pacific Section,m Society for Sedimentary Geology. ص. 187–195. مؤرشف من الأصل في 2024-12-04. اطلع عليه بتاريخ 2021-06-07.
^Selli، Raimondo (سبتمبر 1965). "The Pliocene-Pleistocene boundary in Italian marine sections and its relationship to continental stratigraphies". Progress in Oceanography. ج. 4: 67–86. Bibcode:1965PrOce...4...67S. DOI:10.1016/0079-6611(65)90041-8.