البليستوسيني أو العصر الحديث الأقرب[1] (باللاتينية: Pleistocene) وغالبًا ما يشار إليه بـ «العصر الجليدي أو العصر البليستوسيني» هي حقبة أو فترة زمنية من عمر كوكب الأرض بدأت قبل 2,588 مليون سنة وامتدت حتى سنة 11 ألف و 700 سنة مضت (ق.ح). يطلق على هذه الحقبة اسم «العصر الجليدي» لأن أجزاءً كبيرة من كوكب الأرض كانت مغطاة بالأنهار والصفائح الجليدية في ذلك الوقت.
ساد المناخ البارد والجاف معظم مناطق كوكب الأرض، وانخفضت مستويات مياه سطح البحر، وغطت صفائح الجليد مناطق شاسعة من أوروباوآسياوأمريكا الشماليةوالجنوبية. عاشت معظم الحيوانات المعروفة اليوم في العصر البليستوسيني مثل الأسودوالفيلةوالغزلان والنباتات مثل أشجار البلوطوالصنوبريات. يمكن اعتبار العصر البليستوسيني هي الفترة الأولى التي تطور فيها الإنسان العاقل، وبحلول نهاية هذا العصر كان البشر قد انتشروا في كل مكان من الكوكب تقريبًا.[2]
انقرضت العديد من الحيوانات في هذا العصر، لعل أشهرها هو حيوان الماموث الصوفي. ويرجح العلماء والدراسات الحديثة سبب الأنقراض إلى أن جسمًا خارج الأرض (يحتمل أنه نيزك) يبلغ عرضه حوالي 3 أميال، قد انفجر فوق جنوب كندا. أدى هذا الانفجار إلى تقلب كبير في المناخوانقراض العديد من الكائنات.[3]
التقسيم الزمني
اشتق اسم البليستوسين من الكلمتين اليونانيتين بليستو (πλεῖστος) وتعني «معظم» وكينوس (καινός) وتعني «جديد». تم صياغة هذا المصطلح من قِبل عالم الجيولوجيا الأسكوتلندي تشارلز لايل عام 1839.
هناك ما لا يقل عن خمسة من العصور الجليدية الكبرى الموثقة التي حدثت خلال الـ 4.6 مليار سنة من عمر الأرض، وعلى الأرجح أكثر من ذلك بكثير وحتى قبل ظهور البشر (حوالي 2.3 مليون سنة).
اكتسبت نظرية وجود عصر جليدي للأرض القبول بين عامي 1839م و 1846م، وأصبح العلماء يدركون وجود العصور الجليدية. خلال هذه الفترة، قام الجيولوجي البريطاني إدوارد فوربس بربط هذه الفترة مع العصور الجليدية المعروفة الأخرى. وفي عام 2009، اعتمد الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية بداية العصر البليستوسيني عند 2.588 مليون سنة قبل الحاضر.
الجيولوجيا والمناخ
يعتبر التجمد من أبرز الأحداث الجيولوجية في هذه الفترة، فقد غطت صفيحة لورينتيد الجليدية جزءا كبيرا من أمريكا الشمالية، بينما غطت الصفائح الجليدية الأوراسية شمال أوروباوسيبيريا. أدى حجم الصفائح الجليدية إلى انخفاض منسوب سطح البحر وإلى وجود مناخ جاف. كانت بريطانيا في تلك الفترة شبه جزيرة، وكانت الجزر الإندونيسية متصلة بالبر الرئيسي لجنوب شرق آسيا. كان هناك أيضًا أنهار جليدية على بركان ماونا كيا الواقع على جزر هاواي.
تميزت هذه الفترة الزمنية بانخفاض مستويات سطح البحر وبمناخ أكثر برودة وجفافا مقارنة بما هو عليه اليوم، نظرًا لأن معظم المياه على سطح الأرض كانت جليدية. كان هناك القليل من هطول الأمطار، وكان هطول الأمطار حوالي نصف ما هو عليه اليوم، وبلغ متوسط درجات الحرارة في العالم من 5 إلى 10 درجات مئوية (9 إلى 18 درجة فهرنهايت) أي أقل من معايير درجة الحرارة الحالية.
بينما كان بعض المناطق في العالم جافا مثل وسط أوروبا التي كانت يغلب عليها مناخ التندرا، كانت أجزاء أخرى من العالم أكثر رطوبة وخضرة. احتوى الجنوب الغربي الأمريكي على سبيل المثال على المراعي مع وجود العديد من البحيرات. كانت أجزاء كثيرة من الصحراء الكبرى مغطاة بمراعي السافانا. وكانت أجزاء من شمال شرق شبه الجزيرة العربية موقعًا لواحة مساحتها هائلة جدا.
الكائنات الحية
أحد أغنى مصادر المعلومات حول الحياة في العصر البليستوسيني تم اكتشافه في لوس أنجلوس، حيث وجدت بقايا محفوظة من كل شيء تقريبا من الحشرات إلى الحياة النباتية إلى الحيوانات بما في ذلك أجزاء من هيكل عظمي لأنثى إنسان. وهيكل عظمي شبه مكتمل لحيوان الماموث الصوفي. عاشت أيضا التماسيح، السحالي، السلاحف، الثعابين وغيرها من الزواحف خلال هذه الفترة.
بالنسبة للنباتات فقد كانت محدودة إلى حد ما في العديد من المناطق. كانت هناك بعض الصنوبريات المتناثرة، بما في ذلك أشجار الصنوبروالسرو، إلى جانب الأشجار ذات الأوراق العريضة مثل الزانوالبلوط. كان هناك أعشاب البراري وكذلك أنواع من الزنبقوالأوركيد والورد.
عاش في أوروباوآسيا عدد كبير من الحيوانات الأفريقية. وقد أظهرت اللوحات المنقوشة في الكهوف واكتشافات الحفريات في أوروبا أن وحيد القرنوالأسودوالضباع مثلا كانت كلها شائعة في ذلك الوقت في جنوب أوروبا. كانت جزيرة صقلية مأهولة أيضًا بنوع من الفيلة يسمى الفيل القزم. كان شمال أوروبا مغطى بالأنهار الجليدية ولا يعيش فيه حيوانات، بينما كان مناخ أوروبا الوسطى هو مناخ التندرا. أما جنوب أوروبا فقد احتوى على غابات، وكان يسكنها العديد من أنواع الحيوانات الضخمة، والتي انقرض معظمها منذ ذلك الحين. الأسود أيضًا كانت شائعة جدا في آسيا مثل وحيد القرن والفيلة. وحتى وحيد القرن كان يعيش في جزر الفلبين. وحوالي سنة 300,000 (ق.ح)، ظهر الـ «جيغانتوبيثيكوس» في آسيا والذي يعتقد أنه أكبر قرد عاش على الأرض على الإطلاق.
أحد أهم التطورات الأخرى التي حدث خلال عصر البليستوسين كان ظهور الجنس البشري. هناك بعض الفرضيات المثيرة للجدل في الوسط العلمي تقول أنه من المحتمل أن البشر قد تطوروا من القردة ثنائية القدمين مثل الأسترالوبيثسين والقردة الأرضية (الاسم العلمي:Ardipithecus Ramidus). تصنف هذه القردة التي تسير على قدمين على أنها من أشباه البشر. تطور هذا الصنف من أشباه البشر لأول مرة في جنوب وشرق أفريقيا في نهاية حقبة الحياة الوسطى قبل (25-5) مليون سنة. لم يكن هذا الصنف من القردة أشباه البشر شبيها بأنواع القردة السابقة باستثناء أنه كان من ثنائيات الحركة ويسير منتصب القامة على قدمين.
تشير الهياكل العظمية لـ «القردة ثنائية القدمين» بأنها تشبه القرود الحديثة مثل الشمبانزي، وأن استخدامها للأدوات كان محدودًا أو معدوما. في بداية عصر البليستوسين، ظهر نوع جديد من أشباه البشر، كانت أشباه البشر هذه أطول وأكثر اعتمادًا على الحركة المستقيمة ولديها أدمغة أكبر، مما سمح لهم بالتفوق في استخدام الأدوات على أي أشباه سابقين. تنتمي أشباه البشر هذه إلى جنس «هومو» ويطلق على أشباه البشر في هذا الجنس ببساطة (البشر) الذي يتفرع منه الإنسان الحديث.
يعتبر الـ هومو هابيلس أو (الإنسان الماهر) هو أقدم جنس بشري معروف، وقد ظهر هذا النوع قبل حوالي 2.3 مليون سنة. استخدم هذا الإنسان أدوات تقطيع بسيطة تم صنعها عن طريق جمع الصخور وضربها بصخور أخرى أكثر حدة وصلابة، مما جعل من الممكن استخدامها كأدوات قطع. كان الـ هومو هابيلس عنده القدرة على تطوير مهارات التفكير وحل المشاكل مقارنة بالأنواع الأخرى من أسلاف البشر التي سبقته، ولكنه لا يزال يعتبر أبعد عن الإنسان الحديث وأقرب إلى القردة أشباه البشر.