قضاء زحلة هو أحد أقضية محافظة البقاع الثلاثة وقلبها، ويعتبر قضاء زحلة مركزه الاقتصادي، حيث أن جزءاً لا يستهان به من النشاط الاقتصادي اللبناني يتمركز فيه.[2]
واسم زحلة يعني زحل أي تحرك من مكانه. وربما سميت نسبة إلى اسم الملك الزحلان بن هلال. كما أطلقت عليها تسميات عدة: دار السلام – وادي السباع – وادي النمورة – عروس لبنان – جارة الوادي. كما تسمى زحلة بمدينة الخمروالشعر .
الموقع الجغرافي والسكان
تقع مدينة زحلة على سفح جبل صنين، ويحتل قضاء زحلة موقعا جغرافيا مميزا بالنسبة للبقاع يربط شماله بجنوبه، وموقعا استراتيجيا في وسط الطريق الدولية بين بيروتودمشق، مما جعل من شتورا إحدى بلدات القضاء مركزا تجاريا وسياحيا نشطا على مدار السنة. يحده من الشمال قضاء بعلبك ومن الشرق الحدود مع سوريا ومن الجنوب قضاء البقاع الغربي ومن الغرب محافظة جبل لبنان وتبلغ مساحته 4% من مساحة لبنان الإجمالية أي ما يعادل 418 كيلومترا مربعا أكثر من ثلثها أراض زراعية مروية.
يبلغ عدد سكان القضاء 144500 نسمة تقريبا أي ما يعادل 3.4% من اجمالي عدد السكان، يتوزعون على 39 بلدة في 29 منها مجالس بلدية منتخبة. مركز القضاء زحلة مسقط رأس أهم شعراء العرب المعاصرين سعيد عقل، وهي مدينة الاصطياف ذات النشاط الثقافي والسياحي المميز .
كانت هذه المدينة طول تاريخها مأوىً لكل مضطهد ولاجئ من مختلف الطوائف. منذ نشوئها عام 1711، تجمعت في زحلة عائلات بغالبيتها مسيحية، إضافة إلى سكانها الأصليين من الشيعة.
بدأت زحلة تجمعها بثلاثة أحياء قرب كنيسة سيدة الزلزلة أول كنيسة بُنيت في مطلع القرن الثامن عشر. وكان مصدر العائلات المسيحية من بعلبكورأس بعلبك والفرزل. وقد استطاع الزحليون إثبات وجودهم وقوتهم، فأحبهم حكام الجبل وأمراؤه، واتكلوا على بأسهم وشجاعتهم في كثير من المعارك والحروب. وخلع عليهم الأمير بشير الثاني الشهابي لقب المشيخة منذ 1820 فاستطاعوا تسلم سلطة البلدة وطردوا الوكلاء المستبدين، وحكموا مدينتهم بأنفسهم منذ 1825 وشكّلوا عام 1855 مجلساً من أعيان زحلة كان بمثابة الجمهورية الأولى في الشرق وكان لهذا المجلس ختم مجزأ كان حين تلتئم الأجزاء السبعة منه يصبح القرار عبره نافذاً.
أحرقت زحلة ثلاث مرات عام 1777و1791. وكان حريقها ونكبتها الكبرى عام 1860. لكن بعد هذا التاريخ وفي زمن المتصرفية، استطاعت زحلة النهوض وإعادة البناء. فعادت أقوى وعمرت أكثر وأصبحت «ميناء البقاع وسوريا» البري ومركز الأغلال والتجارة بين بيروت وشمال الأردن ودمشقوالموصلوبغداد، وسُمّيت مدينة قبل العاصمة بيروت.
خلال فترة المتصرفية وبعد عام 1861 أنشئ مجلسها البلدي عام 1878، وبني السراي الحكومي القديم عام 1885 ونشطت الهجرة منها وأنجز خط السكة الحديدية الذي وصل عام 1885 زحلة ببيروتوحوران مما سهل الأسفار وروج التجارة وحسن الأعمال.
وفي مطلع القرن العشرين، شهدت زحلة نهضة تربوية وفكرية وسياحية كبيرة. لكن الحرب أعاقت تقدمها، وأبهظت كاهل أبنائها. حيث إن بعام 1914 دخلها جمال باشا التركي وجعل مقره فندق قادري جاعلاً منه مستشفى لجيشه وصادر مستودعات الغلال والحبوب ونكل بالأهالي.
وخلال فترة الانتداب شهدت المدينة تقدماً عمرانياً وإدارياً واقتصادياً، فنشطت تجارتها وأعمالها، وساعد الفرنسيون الأهالي على تنظيم مؤسساتهم وإداراتهم. وكذلك برزت أول نقابة عمالية في زحلة عام 1923 برئاسة رشيد سويد. وكان لبعض رجالات زحلة أمثال شبل دموس وموسى نمور وغيرهم اليد الطولى في وضع الدستور اللبناني عام 1926.
وفي عام 1948 كان المقدم في الجيش اللبناني مخايل أبو طقة الزحلي الأول من وضع العلم اللبناني في المالكية في فلسطين وذلك في الحرب مع إسرائيل، وكانت نواة الجيش اللبناني قد انطلقت منها عام 1926 عبر فرقة القناصة.
بعد الاستقلال عام 1943 استطاعت زحلة أن تستعيد حيويتها فازدهرت فيها الأعمال حتى عام 1975 بداية الحرب الأهلية اللبنانية، حيث شهدت ركوداً كباقي المناطق اللبنانية.
لكن ذلك لم يستمر طويلا حيث استعادت حركتها وعمرانها بعد فترة. وكان عام 1989 حيث اُنتخب أحد أبنائها إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية، مما اعتبر تجسيداً للإرادة الوطنية الحقة عند الفرد الزحلاوي.
أما صناعاتها التي اشتهرت قديماً فالحرير والخاموالنسيجوالدباغةوالصباغةوالحدادةوالقردحة. وأشهرها على الإطلاق صناعة العرقوالخمور، فالزحليون كانوا أول من حمل للجنرال نابليون بونابرت وعسكره عام 1797 الخمور إلى عكا حين حاصرها، وقد أحصي في مطلع القرن العشرين ما يزيد على الثلاثين خمارة في زحلة، إضافة إلى معامل النبيذ في كسارة عند الآباء اليسوعيين والمشروبات الروحية في شتورا مع آل بولاد وبران، وما زالت هذه الصناعة مزدهرة حتى اليوم.
أما تجارتها، فهي المردود الأكبر للزحلي الذي عرف منذ القدم تاجراً للأغنام والحبوب والغلال على أنواعها. فزحلة هي مدينة الوسط في السهل الخصيب ومفتاح الجبل وخط الوصل البري في لبنان بين بيروتودمشق وباقي دول العالم العربي والأجنبي.