ولذلك فإن الأطماع التوسعية الاستيطانية قد توجهت نحو الأوطان السبعة التابعة لدار السلطان التي هي «وطن الخشنة»، «وطن حجوط»، «وطن يسر»، «وطن بني خليل»، «وطن بني موسى»، «وطن بني مناصر» و«وطن بني جعد».
وعليه، فإن «وطن بني عائشة» كان ينتظر فقط مبررا مهما كان تافها من أجل تجهيز حملة عسكرية فرنسية تستهدف تفكيك التنظيم الإداري التقليدي القَبَلي الذي كان يشرف على معيشة السكان الزواوة منذ قرون في المنطقة الشرقية المتاخمة لمدينة الجزائر والتي تقع على مشارف منطقة القبائل المنخفضة.
ففي الليلة من 17 إلى 18 ماي1837م وصلت قوات الفرسان والمشاة الفرنسيين إلى منخفض وادي عربية في الثنية، بقيادة ماكسيميليان جوزيف شوينبيرغ، وذلك غداة احتكاك بين الثوار الجزائريين والمستوطنين الفرنسيين في متيجة.[9]
ذلك أن سكان حوالي 40 قرية أمازيغية تحيط بمجرى وادي عربية كانت قد التحقت بالمقاومة الشعبية الجزائرية ضد فرنسا، وهي قرى «بوخنفر»، «سيدي فرج»، «تالامعلي»، «أولاد علي»، «بني عراب»، «بن يونس»، «بوعروس»، «أولاد باندو»، «ثالة أوفلا (الصومعة)»، «قدارة»، «أمغلدن»، «تابراهيمت»، «ماهران»، «بالول»، «تاقيطونت»، «تامساوت»، «بوعدادن»، «بني داود»، «أولاد صالح»، «مزالة»، «بن شيلة»، «موحوشة»، «حدادشة»، «مرشيشة»، «أولاد بسة»، «خدارة»، «أولاد محمود»، «أولاد الحسين»، «حاج أحمد»، «أولاد محمد بن أحمد»، «أولاد عبد الله»، «أولاد عبد الكريم»، «أولاد محمد بن علي»، «أولاد بنيون»، «أولاد بن محاتي»، «أولاد بن صفرون»، «أولاد فاري»، «ذراع بن حدهم»، و«أولاد بومرداس».
وكان مبرمجا أن يلتحق بالعقيد شوينبيرغ حوالي ألف جندي على متن سفينتين بخاريتين انطلاقا من ميناء الجزائر لنقلهم إلى مصب وادي يسر، وذلك لمحاصرة الأمازيغالزواوة بين نارين من جهة البحر الأبيض المتوسط ومن جهة جبال الخشنة، ولكن سوء الأحوال الجوية والبحر الهائج لم يسمحا بتنفيذ هذه الخطة.[11]
إلا أن خطة التقاء «العقيد شوينبيرغ» على ضفاف وادي يسر مع القوات المنقولة بحريا تحت قيادة الجنرال ألكسندر شارل بيريغو، إلا أن الطوارئ الجوية منعت هذا الالتحام.[13]
ورغم هذا الاضطراب الجوي، إلا أن هذه السَّرية الفرنسية الصغيرة لم تعاود ورود وادي بودواو قافلة نحو الجزائر دون أن يحدث اشتباك بينها وبين المقاتلين الزواوة من بطون يسر وعمراوة الذين هاجموا مزرعة الرغاية في يوم 9 ماي1837م حيث تم سلب الحيوانات من صاحبها المستوطن، مما أعطى مبررا للهجوم المباغت على جبال الخشنة.[14]
ومع ذلك فإن زواوةيسر وعمراوة كانوا في انتظار القوات الفرنسية في سهل يسر من أجل كبح ووقف تقدمهم، إلا أنهم فشلوا في ذلك، واستطاع الفرنسيون استرجاع البهائم المسلوبة من مزرعة الرغاية، تزامنا مع هدم بعض بيوت وقرى منطقة تيزي نايث عيشة.
وكانت سَرِيَّة «العقيد شوينبيرغ» متألفة من كتيبتين من الفوج الثاني الخفيف للمدفعية، إحداهما الكتيبة 48 من المشاة، قوامهما 300 جندي من صيادي أفريقيا مع الصبايحية، إضافة إلى مائة فارس مساند، وكذلك مدفعين من الهاوتزر المنقولين بالأحصنة.
ولم يكن «العقيد شوينبيرغ» قادرا على بلوغ مدخل «وادي الثنية» إلا على الساعة الثامنة صباحا، حيث كان مائة من المقاتلين الزواوة يحرسون المضيق، قبل أن يتم دحرهم بواسطة فوج المدفيعية الخفيفة الثاني.[16]
وأثناء يوم 19 ماي1837م، تلقى العقيد شوينبيرغ هجوما من التجمعات العديدة من الفرسانالزواوة الذين تصدى لهم بالمدفعية وشتتهم مع تكبيدهم خسائر معتبرة.
وتم اعتقال ستة من العيشاويين ليتم اقتيادهم إلى مدينة الجزائر، في حين أن فيلق الصيادين المرافقين للعقيد شوينبيرغ عادوا على أدراجهم بعد استكمال مهمتهم ليستقروا في مخيم بودواو.[18]
فقفل «العقيد شوينبيرغ» في 19 ماي1837م راجعا إلى هضبة قورصو التي يسري فيها مجرى مائي غير بعيد عن الرغاية، وذلك بعد أن قتل الكثير من الزواوة واستقر عدد القتلى الفرنسيين في حصيلة 22 جنديا.[19]
وخلال هذين الاشتباكين ذهابا وإيابا من تيزي نايث عيشة، واجه «العقيد شوينبيرغ» مع مرافقيه صعوبة التضاريس وكثرة الأحراش، إلا أن ذلك لم يمنع من تشتيت المقاومين المحليين المفتقدين لسلاح المدفعية مما جعلهم ينسحبون من الميدان قسرا.
وكان «الملازم الثاني إيزوار» من فوج المدفعية الالخفيفة الثاني من بين القتلى، إضافة إلى 32 جريحا من صيادي أفريقيا.[20]
«المادة 2: يبقى لفرنسا في إقليم وهران : مستغانمومزغران وأراضيهما، ووهرانوأرزيو وأراضيهما، يحد ذلك شرقا : نهر المقطع والبحيرة التي يخرج منها بخط ممتد من البحيرة المذكورة فيمر على الشط الجاري إلى الوادي المالح على مجرى نهر سيدي سعيد ومن هذا النهر إلى البحر الأبيض المتوسط بحيث يصير ضمن كل ما في هذه الدائرة من الأراضي الفرنسية.
فتم السماح بعد ذلك لتجار الزواوة بالولوج من جديد إلى سوق الجزائر بعد أن تم منعهم من ذلك بسبب الصدام العسكري في الثنية.
ومن نتائج هذه الهدنة أن القوارب الآتية من دلس، والتي كانت محتجزة في ميناء الجزائر، قد تم تسريحها والسماح لها بالإبحار، كما أن أعيان هذه المدينة الأمازيغية الساحلية الذين كانوا محتجزين كرهائن تم الإفراج عنهم بعد أن دفعوا تعويضات للمستوطنين الفرنسيين في الرغاية.
وصارت منطقة «ثنية بني عائشة» منذ التوقيع على معاهدة تافنة تابعة للخليفة أحمد بن سالم الذي كانت عاصمته في «برج حمزة».