معركة الخندق (939 م)
معركة الخندق (بالإسبانية: Batalla de Alhandic)، معركة وقعت في أغسطس 939/شوال 327 هـ في المنطقة الحدودية بين حدود مملكة ليون والدولة الأموية في الأندلس، وتحديدًا الواقعة في منطقة قشتالة وليون التابعة لمملكة ليون،[1] على خلاف في تحديد موقعها ما إذا كانت قد وقعت على أسوار قلعة شنت منكش أم على أسوار قلعة سمورة، ودارت بين قوات خليفة الأندلس عبد الرحمن الناصر من جهة، وقوات راميرو الثاني ملك ليون من جهة أخرى، وانتهت بانتصار مملكة ليون. كانت خسائر المسلمين البشرية في تلك المعركة كبيرة تراوحت في بعض التقديرات بين 40,000-50,000 رجل، من بينهم قائد جيش المسلمين نفسه نجدة بن حسين الصقلبي، كما أُسر القائد محمد بن هاشم التجيبي والي سرقسطة في تلك الفترة، وظلّ في الأسر لأكثر من عامين حتى افتداه عبد الرحمن الناصر بالمال.[2] كان لتلك المعركة أثرٌ كبيرٌ في نفوس المسلمين، وفي نفس عبد الرحمن الناصر الذي لم يخرج في أي غزوة بعدها.[3] مقدمات المعركةحكم عبد الرحمن الناصر الدولة الأموية في الأندلس سنة 300 هـ، ولم يكن يخضع لسطان أمير قرطبة سوى قرطبة وبعض المناطق المجاورة لها،[4] إلا أنه في غضون عقدين من الزمن، أخضع كافة التمردات على حكمه في مناطق الأندلس، وأعاد تنظيم دولته داخليًا حتى أصبحت دولته مهيبة الجانب. كانت العلاقة بين الأمويين في الأندلس وجيرانهم من الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية علاقة شد وجذب تتأرجح فيها المناطق الحدودية وفقًا للقدرات العسكرية للقوتين المتنافستين. كان لعبد الرحمن الناصر عدد من المنازلات التي لاقى فيها قوات مملكتي ليون ونافارا، وكانت فيها الغلبة لجيوش الأمويين ومن أبرزها معركة خونكيرا.[5] وفي إطار ذلك الصراع المستديم، قرر عبد الرحمن الناصر سنة 327 هـ مهاجمة المدن التي تمثل الحاجز الدفاعي لأراضي مملكة ليون وأستورياس ومن بينها مدينة سمورة.[6] أرسل الناصر كتبه إلى ولاياته لجمع المتطوعين لقتال أهل جليقية،[7] فوافته الجموع من شتى أرجاء مملكته حتى فاقت جموعه 100 ألف مقاتل،[8] مما أدخل روح الثقة في نفسه حتى أنه سمّاها «غزاة القُدرة»،[9] وجعل قيادة جيشه للقائد نجدة بن حسين الصقلبي.[10] ذكر ابن حيان القرطبي في السفر الخامس من كتابه المقتبس من أنباء الأندلس أن جيش الناصر خرج من قرطبة للغزو في يوم الجمعة 22 شعبان سنة 327 هـ (أول يونيه سنة 939 م)، وبلغ طليطلة في 23 رمضان سنة 327 هـ، وعبر نهر دويرة ومر بحصن شنت منكش في 29 رمضان 327 هـ وافتتحه،[11] ومنه سار إلى قشتالة في 5 شوال 327 هـ. بثّ الناصر السرايا في قشتالة أيامًا، فوجد أهلها قد أخلوا معظم أرجائها، مُخلّفين ورائهم الكثير من الأقوات، فاستولى المسلمون عليها، ثم تقدم في 13 شوال 327 هـ إلى حصن أشكر، فخرّبه ثم حصن أطلة، فحصن برتيل.[7] في تلك الأثناء، كان راميرو الثاني ملك ليون قد جمع حشودًا ضخمة بالقرب من سمورة، وقد انضمت إليه تودا النافارية وصية عرش مملكة نافارا وفرنان غونثالث كونت قشتالة في قواتهما،[12] إضافة إلى حليفه أمية بن إسحاق القرشي الثائر على سلطة عبد الرحمن الناصر في شنترين الذي لجأ إلى راميرو الثاني بعدما سخط الناصر على شقيقه أحمد بن إسحاق القرشي[13] وقتله في عقوبة شرعية[14] فزوّده أمية بنصائح ومعلومات ثمينة عن قدرات جيش المسلمين.[10] الروايات حول المعركةتضاربت الروايات التي تناولت المعركة عن كيفية سير الأحداث، بل واختلفت أحيانًا في تحديد موقعها. تناول عدد من المصادر العربية المعركة. رواية المسعودينقل المقري في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب رواية المسعودي المعاصر للفترة التي وقعت فيها الأحداث، وإن لم يكن من سكان الأندلس في ذلك الوقت ناقلاً من كتاب المسعودي مروج الذهب ومعادن الجوهر أن عبد الرحمن الناصر اخترق أراضي مملكة ليون حتى بلغ مدينة سمورة الحصينة، فحاصرها في شوال سنة 327 هـ، وتمكّن جيشه من تجاوز سورين من أسوارها السبعة التي يفصلها عن بعضها البعض خنادق مائية،[8] إلا أن الإعياء لحق بالمسلمين لمناعة الحصن، فهاجمهم جيش راميرو بقوة، فاختلّت صفوف المسلمين، وهزموا هزيمة شديدة،[15] وقتل منهم نحو أربعين ألفاً وقيل خمسين ألفاً.[8][14] رواية ابن حيان القرطبيذكر ابن حيان القرطبي المعركة في كتابه المقتبس من أنباء الأندلس، ونقل رواية مؤرخ يدعى عيسى بن أحمد الرازي، أن عبد الرحمن الناصر حشد لغزو جليقية، وخرج بحشوده من قرطبة في يوم الجمعة 22 شعبان سنة 327 هـ/أول يونيه سنة 939 م، وقد بعث قبل خروجه وزيره أحمد بن محمد بن أبي عبدة(1) في بعض قواته إلى الغرب للتأمين ولضمان عدم تطويق جيش المسلمين من الخلف أثناء الحملة. ويذكر ابن حيان في تفاصيل روايته أن الناصر وصل طليطلة في 23 رمضان، ثم خرج إلى قشتالة في 5 شوال، فاجتاحها أيامًا، فوجد معظمها خاليًا من أهلها، تاركين ورائهم الكثير من الغنائم، فاستولى عليها المسلمون، هاجم حصون أشكر وأطلة وبرتيل، وخرّبها في 13 شوال. سبقت قوات محمد بن هاشم التجيبي قوات الناصر، وعبرت نهر بيسرغة عند شنت منكش، فاستدرجت قوات راميرو المسلمين بالانسحاب، ثم هاجمت المسلمين. وفقًا لابن حيان، فقد حقق المسلمون انتصارًا في البداية، لكنهم أعادوا ترتيب صفوفهم وهاجموا المسلمين، فانهزم المسلمون وقتل منهم الكثير وسقط محمد بن هاشم أسيرًا. كان الناصر قد لحق بقواته قوات التجيبي، واضطر جيش المسلمين للتراجع، وحوصروا بين قوات راميرو وخندق عميق، فسقط الكثير منهم فيه. ففرّ الناصر بقواته نحو منبع النهر، واحتل الليونيون خيمته. عسكر الناصر بقواته بقية اليوم، عجز جيش راميرو عن مطاردته، ثم عاد الناصر إلى قرطبة سالكًا طريق مدينة وادي الحجارة.[7] رواية ابن الخطيبهناك رواية أخرى ذكرها لسان الدين بن الخطيب في كتابه «أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام»، ذكر فيها أن المعركة وقعت يوم الجمعة 11 شوال سنة 327 هـ/أول أغسطس سنة 939 م، على أبواب مدينة شنت منكش، واستمر القتال أيام، تأرجحت الغلبة فيها بين الفريقين، قبل أن يتمكن جيش راميرو من دفع جيش المسلمين إلى خندق عميق، تساقط فيه المسلمون حتى ساووا بين ضفتيه، واستولت قوات راميرو على متاع المسلمين، وفقد فيها الناصر مصحفه ودرعه.[16] الروايات الغربيةأما الروايات الغربية، فقد أورد ألفونسو الحكيم في كتابه التاريخ العام أن عبد الرحمن الناصر وابن يحيى حاكم سرقسطة(2) هاجما بجيش ضخم مملكة ليون حتى بلغا شنت منكش، فخرج راميرو بجيشه لقتالهم، وهزم المسلمين، وقتل منهم ثمانين ألفًا، وأسر ابن يحيى. ثم فر بقية المسلمين إلى حصن «Alfondiga»، فحاصرهم راميرو في الحصن، وفر عبد الرحمن في عدد من جنده.[16] كما نقل رينهارت دوزي في كتابه «تاريخ المسلمين في إسبانيا» ويوسف أشباخ في كتابه «تاريخ الأمويين في إسبانيا» عددًا من الروايات الأخرى مفادها أن عبد الرحمن التقى بجيشه قوات راميرو وحليفته تودا النافارية وصية مملكة نافارا بالقرب من سيامنقة في 5 أغسطس سنة 939 م، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة لجيش المسلمين ومقتل القائد نجدة الصقلبي وأسر محمد بن هاشم التجيبي وإصابة عبد الرحمن الناصر بجروح بالغة، بعد أن تخاذل القادة العرب في جيش المسلمين عن القتال.[17] نتائج المعركةكان للمعركة أثرها الشعبي السيء على العامة في أرجاء الأندلس، نظرًا للخسائر البشرية الكبيرة التي حدثت بين صفوف جيش المسلمين في تلك المعركة، مما استدعى أن يستصدر الخليفة بيانًا كتبه الوزير عيسى بن فطيس وهو في مدينة وادي الحجارة، في طريق عودته إلى قرطبة، وأمر في تلاوته على العامة في ربوع الأندلس.[18] برر عبد الرحمن الناصر في بيانه أسباب الهزيمة إلى كمين تعرضت له ساقة جيشه إثر مرور الجيش في طريق عودته على وادي وعر الطريق ضيق المسالك، بعد أن عاد مُظفّرًا من معركته الأولى التي أُسر فيها القائد التجيبي، فأصاب جيش مملكة ليون مغانم كثيرة «من الأمتعة والدواب المثقلة، ما لو أصاروا مثله في مجال حرب أو سهل من الأرض»، نافيًا بذلك أن تكون الهزيمة بسبب خسارة حدثت في ميدان قتال. أورد لسان الدين بن الخطيب في كتابه «أعمال الأعلام» بأن الناصر أمر قبيل وصوله إلى قرطبة، أن تقام المصالب على ضفة نهر الوادي الكبير، وما كاد يصل إلى قرطبة، حتى قبض على نحو 300 فارس، فصلبهم وأمر بالنداء عليهم: «هذا جزاء من غش الإسلام، وكاد أهله، وأخل بمصاف الجهاد».[19] كان أبرز هؤلاء المعدومين فرتون بن محمد الطويل، الذي فرّ برجاله من ميدان المعركة، وأدركه أحد رجال الناصر ويدعى سلمة بن أحمد بن سلمة وأسره قرب قلعة أيوب، وجاء به مقيدًا إلى الناصر في قرطبة، فصلبه مع من صُلب أمام القصر.[20] رجّح مؤرخون معاصرون مثل محمد عبد الله عنان وعبد المجيد نعنعي أنه من الأسباب المباشرة لهزيمة الناصر في المعركة، سياسته في الاعتماد على الصقالبة في المناصب الهامة والقيادية في الجيش على حساب نظرائهم من العرب والبربر،[10][21] وإن كانت تلك السياسة قد آتت أُكلها من قبل حيث مكّنت الناصر من السيطرة على الأندلس، بعد أن كان نفوذ الزعماء المحليين من العرب والبربر قد تعاظم حتى انحصرت سلطة الأمراء السابقين في قرطبة وربوعها.[4] أدرك عبد الرحمن الناصر عدم مواءمة تلك السياسة لحكمه عندئذ، فلجأ لاتخاذ سياسة جديدة نحو أمراء الثغر الأعلى من العرب والمولدين كبني تجيب وبني ذي النون وبنى زروال وبني غزوان وبني الطويل وبني رزين بتقليدهم شؤون مدنهم بالثغر الأعلى، وإطلاق أيديهم للدفاع عن مدنهم، على أن يزودهم الناصر كل عام بالعدد والسلاح والمتطوعين للقتال ليتمكنوا من ذلك.[19] بل وتعافي الناصر سريعًا من آثار الهزيمة، وأطلق حملة أخرى يقودها القائد أحمد بن يعلى على بعض نواحي مملكة ليون حقق مغانم مادية، وأسر نحو 200 من جيش راميرو.[22] أما قائده محمد بن هاشم التجيبي فقد افتداه عبد الرحمن الناصر بالمال وأعاده إلى قرطبة في صفر سنة 330 هـ وأعلى مراتبه، بعد أن بقي في أسر راميرو الثاني أكثر من عامين.[2] وعلى الجانب الآخر، فقد كان لتلك المعركة أثرها الجيد على جيش مسيحيي شمال أيبيريا،[17] إلا أنهم تراجعوا عن مطاردة جيش الناصر بعد المعركة، بعد أن حذّرهم أمية بن إسحاق القرشي من أن هذا الانسحاب قد يكون كمينًا أعده المسلمون، وأغراهم بجمع الغنائم والأسلاب التي خلّفها الجيش المنهزم.[8][14] كما لم يتمكن راميرو الثاني من استثمار الموقف وتطويره لصالحه، بعد أن واجه راميرو الثاني تمردًا داخليًا على حكمه من قبل فرنان غونثالث كونت قشتالة ودييغو مونوث كونت سلدانيا[23] شغله عن مواصلة حربه ضد الأمويين، مما دعى راميرو إلى طلب معاهدة جديدة مع عبد الرحمن، وهو ما قبله عبد الرحمن.[24] إلا أنه نتيجة لهزيمة الخندق، توسعت حدود مملكة ليون لتصل إلى نهر تورميس ، متجاوزة بذلك نهر دويرة. أي أن الاستيطان المسيحي جنوب الدويرة بدأ. سقطت ليديسما في نفس العام ومدينة شلمنقة عام 941.[25] إن الأهمية الأساسية للمعركة لا تكمن في المكاسب الإقليمية للممالك المسيحية، بل في القيمة الرمزية لكونها أول نصر عظيم تحققه الممالك المسيحية ضد المسلمين.[26] بالنسبة عبد الرحمن الناصر لدين الله كانت الهزيمة بمثابة نكسة كبيرة لكنها لم تؤثر على الأوضاع الداخلية للأندلس، حيث أن الأراضي التي سقطت بأيد المسيحيين بين جنوب نهر دويرة ونهر تورميس كانت بعيدة عن عاصمته في قرطبة.[27] نص كتاب عبد الرحمن الناصر المؤرّخ في يوم الإثنين 8 ذى القعدة سنة 327 هـ، بعد المعركة بأسابيع، ونقل نصه المؤرخ ابن حيان القرطبي في السفر الخامس من كتابه المقتبس من أنباء الأندلس المخطوط المحفوظ بالخزانة الملكية بالرباط، وفصّله في حوادث سنة 327 هـ:[18]
هوامش
انظر أيضًاالمراجع
Information related to معركة الخندق (939 م) |