فقهاء التابعين هم أئمة أعلام فقهاء التابعين الذين اختصوا بمكانتهم العلمية، وكانت لهم اجتهادات ومذاهب فقهية، وساهموا بدور فاعل في تأسيس المدارس الفقهية. وقد أخذوا عن أعلام الصحابة، وانتقلت إليهم حصيلة مذاهب فقهاء الصحابة. وكانوا مراجع للمسلمين بعد الصحابة للفتوى وللقضاء والتعليم، في الحجاز والعراق واليمن والشام ومصر والجزيرة العربية. وكانت لهم مجهودات علمية في العلوم الشرعية عموما، وفي دراسة الفقه الإسلامي على وجه الخصوص، واشتهروا بعلمهم وفقههم، وبلغوا رتبة الاجتهاد الفقهي.[1]
سليمان بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث. وهو أخو عطاء وعبد الملك وعبد الله بني يسار. ويسمى هؤلاء فقهاء المدينة السبعة، وذكر عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة الستة وهو سابعهم في شعر له بقوله:
أحبك حبا لا يحبك مثله
قريب ولا في العاشقين بعيد
وحبك يا أم الصبي مدلهي
شهيدي أبو بكر فنعم شهيد
ويعرف وجدي قاسم بن محمد
وعروة ما ألقى بكم وسعيد
ويعلم ما أخفي سليمان علمه
وخارجة يبدي بنا ويعيد
متى تسألي عما أقول تخبري
فلله عندي طارف وتليد
قال أبو الزناد: كان يعد فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب وعبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير وقبيصة ابن ذؤيب.
وقال أبو الزناد: كان يعد فقهاء المدينة أربعة: سعيد وعبد الملك وعروة وقبيصة.
ومن فقهاء المدينة المنورة من التابعين غير هؤلاء السبعة:
ثم انتقلت الفتوى بالشام إلى أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي توفي عام: 157 هـ. ومن فقهاء الشام مع الأوزاعي: أبو محمد سعيد بن عبد العزيز ابن أبي يحيى التنوخي، توفي عام: 167 هـ.[13][14] ومنهم:
أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي وهو من أئمة التابعين بمصر، أدرك زمن النبوة لكن لم تكتب له صحبة. قدم المدينة المنورة وصلى خلف أبي بكر الصديق وروى عنه وعن عمر، يعد من أصحاب أبي بكر وعمر. توفي بدمشق في زمن خلافة عبد الملك بن مروان.
ثم انتهى علم هؤلاء إلى أبي الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن. قال الليث: كتبت من علم ابن شهاب علما كثيرا وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة فخفت أن لا يكون ذلك لله فتركت ذلك. وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به. وكان ابن وهب يقرأ عليه مسائل الليث فمرت به مسألة فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث كأنه كان يسمع مالكا يجيب فيجيب، فقال ابن وهب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث يجيب فيجيب، والله الذي لا إله إلا هو ما رأينا أحدا قط أفقه من الليث.[24]
فقهاء التابعين بالكوفة
فقهاء التابعين بالكوفة هم الذين انتقل إليهم علم الصحابة وأخذوا فقه ابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة. ومن فقهاء التابعين بالكوفة:
وهو عم الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد وهو خال إبراهيم النخعي. قال قابوس بن أبي ظبيان: قلت لأبي: كيف تأتي علقمة وتدع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال: يا بني إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يسألونه. وقال أبو الهذيل: قلت لإبراهيم: علقمة كان أفضل أو الأسود، قال: علقمة. وقد شهد صفين.
أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، أخو عبد الرحمن بن يزيد وابن أخي علقمة
وهؤلاء الستة المذكورون هم أصحاب عبد الله بن مسعود. قال سعيد بن جبير: كان أصحاب عبد الله سرج هذه القرية، وقال فيهم الشاعر:
وابن مسعود الذي سرج القر
ية أصحابه ذوو الأحلام
وله جماعة من غير هؤلاء من الأصحاب قال الشعبي: «ما كان من أصحاب رسول الله ﷺ أفقه صاحبا من عبد الله بن مسعود». وقال إبراهيم التيمي: كان فينا ستون شيخا من أصحاب عبد الله.
الطبقة الثانية
ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى من فقهاء التابعين بالكوفة منهم:
أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي قال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة وعامر الشعبي بالكوفة والحسن بن أبي الحسن البصري بالبصرة ومكحول بالشام. وقال أشعث بن سوار: نعى إلينا الحسن البصري الشعبي فقال: كان والله فيما علمت كثير العلم عظيم الحلم قديم السلم، من الإسلام بمكان.[26]
أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام، مولى والبة بن الحارث من بني أسد. قال سعيد: سأل رجل ابن عمر عن فريضة فقال: سل سعيد بن جبير فإنه يعلم منها ما أعلم ولكنه أحسب مني. وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه يقول: يسألوني وفيهم ابن أم دهماء؟ يعني سعيدا.
وقال خصيف: كان أعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاوس، وأعلمهم بالتفسير مجاهد، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.
أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة النخعي. قال الشعبي حين بلغة موت إبراهيم: أهلك الرجل؟ قيل: نعم، قال: لو قلت أنعي العلم، ما خلف بعده مثله، والعجب له حين يفضل ابن جبير على نفسه وسأخبركم عن ذلك: أنه نشأ في أهل بيت فقه فأخذ فقههم ثم جالسنا فأخذ صفو حديثنا إلى فقه أهل بيته فمن كان مثله؟.[27]
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، تفقه بالشعبي والحكم بن عتيبة وأخذ عنه الفقه سفيان بن سعيد الثوري والحسن بن صالح بن حي. وقال سفيان الثوري: فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شبرمة. وقال ابن أبي ليلى: دخلت على عطاء فجعل يسألني، فأنكر بعض من عنده وكلمه في ذلك فقال: هو أعلم مني.
أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي. ولي القضاء بالكوفة ثم بالأهواز. قال سفيان بن عيينة: ما أدركت بالكوفة أحضر جوابا من شريك بن عبد الله.
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، مولى لتيم الله ابن ثعلبة. [^ 3] أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان راوية إبراهيم وقد كان في أيامه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى الأنصاري وأبو الطفيل عامر ين واثلة وسهل بن سعد الساعدي وجماعة من التابعين كالشعبي والنخعي وعلي بن الحسين وغيرهم، ولم يأخذ أبو حنيفة عن أحد منهم، وقد أخذ عنه خلق كثير.[42]
واسم أبي الحسن يسار.[^ 4] سئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا. ذكر أبو إسحاق الشيرازي نبذة من أقوال العلماء فيه منها: قال أبو قتادة العدوي: الزموا هذا الشيخ -يعني الحسن- فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر بن الخطاب منه. وروى بلال بن أبي بردة قال: سمعت أبي يقول: «والله لقد أدركت أصحاب محمد ﷺ فما رأيت أحدا أشبه بأصحاب محمد ﷺ من هذا الشيخ -يعني الحسن-» وقال علي بن زيد: «أدركت عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ويحيى بن جعدة والقاسم بن محمد وسالما في آخرين فلم أر مثل الحسن، ولو أن الحسن أدرك أصحاب رسول الله ﷺ وهو رجل لاحتاجوا إلى رأيه».[43]
ومنهم:
أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، روى عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: لو أن أهل البصرة سألوا جابر بن زيد عما في كتاب الله ثم نزلوا عند قوله وسعهم، أو قال: كفاهم. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم من أبي الشعثاء.
ذكر الحسن لأبي العالية فقال: رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأدركنا الخير وتعلمنا قبل أن يولد الحسن. وقال مغيرة: كانوا يقولون: أشبه رجل بالبصرة علما بإبراهيم أبو العالية.
ومنهم
حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال محمد بن سيرين: كان حميد بن عبد الرحمن أفقه أهل البصرة قبل أن يموت بعشر سنين.
ومنهم:
أبو عبد الله مسلم بن يسار، قال قتادة: كان مسلم بن يسار يعد خامس خمسة من فقهاء أهل البصرة. وقال ابن عون: أدركت هذا المسجد وما فيه حلقة يذكر فيها الفقه إلا حلقة مسلم بن يسار.[44] ومنهم:
أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي، قال معمر: قلت للزهري: أقتادة أعلم أن مكحول؟ قال لا بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير. وقال معمر: لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد وقتادة. وروي عن قتادة أنه أقام عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال له في اليوم الثامن: ارتحل يا أعمى فقد أنزفتني.
أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني، قال هشام بن عروة: ما رأيت بالبصرة مثل ذاك السختياني. وقال شعبة: أيوب سيد الفقهاء. وأخذ عنه مالك وسفيان الثوري وغيرهما.[45]
أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني.
قال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم، فقيل لقتيبة: تضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. قال أبو ثور: أحمد بن حنبل علم وأفقه من الثوري.[49]
أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي
البغدادي: أخذ الفقه عن الشافعي. مات سنة أربعين ومائتين. وقال أحمد بن حنبل وقد سئل عن مسألة: سل الفقهاء، سل أبا ثور. وقال أحمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة هو عندي في مسلاخ سفيان الثوري.
أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي.
قال إبراهيم الحربي: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح يحسن كل شيء. وولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة ومات بمكة.
أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني.
أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور وكان زاهدا متقللا. قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: كان داود عقله أكثر من علمه.[50] ثم
أبو القاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي. من أهل بلخ.[51]
أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة.
تفقه بسفيان ومالك، وكان فقيها زاهدا. وروي أنه لما نعي إلى سفيان بن عيينة قال: رحمه الله لقد كان فقيها عالما عابدا زاهدا منتجبا. وقال عبد الرحمن بن مهدي: الأئمة أربعة: سفيان الثوري ومالك وحماد بن زيد وابن المبارك.
أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف (بابن راهويه). جمع بين الحديث والفقه والورع، سكن نيسابور ومات بها سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وسئل عنه أحمد بن حنبل فقال: ومن مثل إسحاق، إسحاق يسأل عنه؟ وقال أيضا: إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين وما عبر الجسر أحد أفقه من إسحاق. وقال إسحاق: أحفظ سبعين ألف حديث، وأذاكر بمائة ألف حديث، وما سمعت شيئا قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئا قط فنسيته.[52][53]
أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف (بابن راهويه)
—
قسم
هوامش وملاحظات
^عده بعض العلماء واحدا من الفقهاء السبعة، بدل أبي بكر بن عبد الرحمن. وكان عبد الله بن المبارك يقول: فقهاء المدينة سبعة، فذكر هؤلاء وذكر فيهم سالم بن عبد الله، ولم يذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام.
^هو: عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف.
^(80؛ 150) قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته. وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملة أيضا قال: سمعت الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة.
^وروي أن أم الحسن البصري كانت خادمة لأم سلمة وربما بعثتها في حاجة فيبكي الحسن فتناوله ثديها، فنال بركة البيت النبوي. وروي أن أم سلمة أخرجته إلى عمر فدعا له فقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
^في متن ع ط: القعقاع بن حكيم، وجاء في هامش ع: في نسخة قد ضرب على حكيم وفوقه (يزيد) وقد جاء بعده ما يصدقه، وهناك من اسمه القعقاع بن حكيم (ابن سعد 6: 226 والتهذيب 8: 383) ولكنه من أهل المدينة.
^طبقات الفقهاء. هذبه: محمد بن جلال الدين المكرم (ابن منظور). المؤلف: أبو إسحاق الشيرازي. المحقق: إحسان عباس. الطبعة: 1. تاريخ النشر: 1970. الناشر: دار الرائد العربي. عنوان الناشر: بيروت - لبنان. مصدر الكتاب : الوراق