قال ابن سعد: «كان يعلى بن أمية التميمي حليفاً لبني نوفل بن عبد مناف من قريش، وأسلم هو وأبوه أمية وأخوه سلمة بن أمية، وشهد يعلى وسلمة ابنا أمية مع رسول الله ﷺ غزوة تبوك، وكان يعلى بن أمية يفتي في مكة».[8]، وقال أبو اليقظان: «كان يعلى من المهاجرين»، وقال البلاذري: «ولى أبو بكر الصديق يعلى بن أمية اليمن فوليها زمناً، وكان يعلى عظيم المنزلة من عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان يستشيره، وزيدَ بن ثابتٍ رضي الله عنهما».[9]
أمه منية بنت غزوان بن جابر بن وُهيب بن نُسَيْب بن زيد بن مالك بن الحارث بن عَوْف بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصَفة بن قيس عَيْلاَن بن مضر وهي أخت الصحابي عتبة بن غزوان، وقال بعض العلماء إن أمه منية بنت جابر عمة عتبة بن غزوان.[12]
ولد يعلى بن أمية في مكة المكرمة، وكان من أغنياء مكة وأشرافها في الجاهلية، وكانت له دار عظيمة على مقربةٍ من المسجد الحرام، قال الفاكهي: «دار يعلى بن أمية التي كانت على قفا المسجد، يُقَال لها ذات الوجهين، وكان لها بابان، وكان يكون فيها العطارون، وكانت مما يلي الباب».[13] وقال الأزرقي: «كانت دار يعلى بن أمية التي يقال لها ذات الوجهين في فناء المسجد الحرام، وهي تجاور دور بني شيبة، ثم إنها دخلت في المسجد الحرام بعد توسعة الخليفة العباسي المهدي بن أبي جعفر سنة إحدى وستين ومائة».[14] وقال عنه الحاكم الكبير: «كان يعلى بن أمية من أسخياء أصحاب النبي ﷺ».[15] وكان والده أمية بن أبي عبيدةٍ التميمي فارساً وقد شهد حرب الفجار في الجاهلية وحارب مع قريشوكنانة ضد قبائل قيس عيلان.[16]
لما أسلم أهل اليمن استعمل النبي عليهم باذان، فلما توفي وجه النبي سبعةً على أعمال اليمن منهم يعلى بن أمية الذي استعمله والياً على مدينة الجند باليمن، قال ابن الأثير: «كان النبي ﷺ قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه، وأمره على جميع مخاليفه، فلم يزل عاملاً عليه حتى مات، فلما مات باذان، فرق رسول الله ﷺ أُمراءه في اليمن، فاستعمل عمرو بن حزمٍ على نجران، وخالدَ بن سعيد بن العاص على مابين نجران وزبيد، وعامرَ بن شهر على همدان، وعلى صنعاء شهرَ بن باذان، وعلى عكوالأشعريينالطاهر بن أبي هالة، وعلى مأربأبا موسى الأشعري، وعلى الجند يعلى بن أمية».[20][21] بقي يعلى أميراً على الجند باليمن حتى توفي رسول الله ﷺ سنة 11 هـ.[22]
دوره في القضاء على الردة في اليمن
لما توفي الرسول ﷺ، وظهر الأسود العنسي وادّعى النبوة وتبعه قومٍ من أهل اليمن، انتفضت بلدان اليمن وأعمالها، فوجه الخليفة أبو بكر الصديق الجيوش لمحاربة المرتدين، وكان يعلى قائداً لأحد هذه الجيوش. كلفه أبو بكر بالمسير إلى مخلاف خولان في اليمن ومحاربة من ارتد من أهله، فسار إليهم يعلى وحاربهم وظفر بهم حتى أذعنوا وأقروا بالصدقة وعادوا إلى الإسلام.[23] ثم إن أبا بكرٍ الصدّيقَ قسم ولاية اليمن فيما رواه البلاذري بين ثلاثة ولاةٍ وهم: يعلى بن أمية، والمهاجر بن أبي أمية، وزياد بن لبيد.[24] أما ابن قتيبة فقال: ولى أبو بكر الصديق يعلى بن أمية على اليمن.[25]
في عهد عمر بن الخطاب
كان يعلى بن أمية من أمراء وولاة الخليفة عمر بن الخطاب، فقد استعمله على ولاية نجران،[26] ثم استعمله على ولاية الطائف،[27][28] ثم ولاه على ولاية صنعاء وكامل بلاد اليمن، إذ كان يعلى من الولاة الموثوقين عند الخليفة عمر بن الخطاب، وقد بقي يعلى أميراً على صنعاء واليمن حتى توفي عمر بن الخطاب عام 23 هـ.[29] وخرج يعلى بن أمية مع عمر بن الخطاب في سفره إلى بلاد الشام.[30]
ومما يدل على فقه يعلى القصة المشهورة التي حدثت في أيام ولايته على اليمن، وذلك أن رجلاً من أهل حفاش في اليمن قتل ولداً لأحدهم، فوصل الخبر إلى يعلى وأحضر القاتل وسأله، فاعترف الرجل بقتله الولدَ، فأخذ يعلى سيفاً ودفعه إلى والد المقتول وقال: اذهب واقتله كما قتل ولدك، فضربه الرجل ضربات عديدة فوقع الرجل مغشياً عليه ولم يشكّوا أنه مات، ثم إن أهل القاتل أخذوه وأرادوا دفنه لظنهم أنه قد مات، فوجدوا فيه عرقاً يتحرك، فذهبوا به إلى بيوتهم ولاطفوه بالأدوية حتى تعافى، ثم مر ما شاء الله تعالى، حتى كان الرجل القاتل يرعى في أحد الأيام غنماً لأهله، ومر به أبو المقتول ورآه وعرفه، فذهب إلى يعلى وأخبره بالخبر، فاستدعاه يعلى ووجد به جراحاتٍ كثيرةٍ، فأمر يعلى من قدّرَ أرْشها، فبلغتِ الدّيَة، فقال يعلى لأبي المقتول: إما أن تدفع ديَةَ الأرش ثم نقتله أو تخلصه، فقال: بل أريد قتله، ومافعلته به من جراحاتٍ يكون مهدوراً! فأبى يعلى ذلك وقال: الدّيةُ أولاً، فقدم أبو المقتول على عمر بن الخطاب في المدينة وشكا إليه يعلى، وقال: إنه حال بينه وبين قاتل ابنه، فبعث عمر إلى يعلى يطلبه للحضور إلى المدينة، فحضر يعلى وأخبر عمر بالخبر، فسأل عمر بن الخطاب الصحابة واستشارهم، فقال علي بن أبي طالب: إن يعلى لفقيه، وقال عُمَر: إنك يا يعلى لقاضٍ.[31]
وذكر الطبري أن يعلى بن أمية أجلى نصارى نجران وأخرجهم من جزيرة العرب بعد أن كتب إليه عُمَر بن الخطاب بكتابٍ يقول فيه: «ائْتِهِمْ وَلا تَفْتِنْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، ثُمَّ أَجْلِهِمْ، مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ، وَأَقْرِرِ الْمُسْلِمَ، وَامْسَحْ أَرْضَ كُلِّ مَنْ تُجْلِي مِنْهُمْ، ثُمَّ خَيِّرْهُمُ الْبُلْدَانَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّا نُجْلِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَلا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، فَلْيُخْرِجُوا مَنْ أَقَامَ عَلَى دِينِهِ مِنْهُمْ، ثُمَّ نُعْطِيهِمْ أَرْضًا كَأَرْضِهِمْ، إِقْرَارًا لَهُمْ بِالْحَقِّ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَوَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، بَدَلاً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جِيرَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا صَارَ لِجِيرَانِهِمْ بِالرِّيفِ».[32] وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: إن يعلى بن أمية حارب أهل مخلاف خولان في اليمن في أوائل خلافة عمر بن الخطاب عام 13 هـ أو 14 هـ وظفر بهم وفتح حصونهم.[33]
في عهد عثمان بن عفان
أقر عثمان بن عفان يعلى على ولاية اليمن وجميع مخاليفه،[34] وكان يعلى بن أمية عظيم القدر عند عثمان بن عفان، وكان أحد كبار مستشاريه، وفيه يقول الشاعر:[9]
إذا ما دعا يَعْلَى وزيد بْن ثابتٍ
لأمرٍ ينوبُ الناسَ منه خطوب
أشار نظيراه بخيرٍ فأصبحوا
على حكمةٍ يُدعى بها فيجيب
بقي يعلى أميراً على اليمن طيلة أيام عثمان،[35] ولما بلغه خبر محاصرة الخوارج للخليفة عثمانَ بن عفان في داره في المدينة، خرج بنفسه من صنعاء لنصرة عثمان، فلما كان في مكة المكرمة أتاه الخبر باستشهاد عثمان.[36] ذكر المدائني أن يعلى بن أمية كان على اليمن، فبلغه خبر عثمانَ بن عفان، فأقبل لينصره، فسقط من بعيره في الطريق، وانكسرت فخذه، فقدم مكة بعد انقضاء الحج.[37]
كرمه وجوده
كان يعلى بن أمية من أثرياء العرب وأشرافهم، وكان كريماً جواداً مشهوراً بالكرم والعطاء، ذكر ابن عساكر أن علي بن أبي طالب قال عنه: «يعلى بن أمية أسخى الناس».[38] وقال خير الدين الزركلي: «كان يعلى بن أمية من الولاة الأغنياء الأسخياء».[39] وذكر الذهبي أنه كان يُنَفق الأموال كما يُنَفق المُلَوك، وقال النووي: «كان يعلى جوادًا معروفًا بالكرم».[40]
ومن قصص كرمه وسخائه أنه قدم مرةٍ المدينةَ المنورةَ في خلافة عثمانَ بن عفان، فأتاه أبو سفيان بن حرب، فأعطاه يعلى عشرة آلاف درهم.[9] وذكر بعض العلماء أن يعلى لما مات ترك أموالاً عظيمةً بلغت خمسمائة ألف دينار، وديوناً على الناس، وعقاراتٍ كثيرةً من البيوت والأراضي والمزارع بلغت قيمتها ثلاثمائة ألف دينار.[41]
روايته للحديث
كان يعلى بن أمية محدثًا، وفقيهًا، وقاضيًا، وكان له معرفة بالأمور الشرعية إلى جانب إمارته ومهارته العسكرية والحربية، وقيادته للجيوش، فهو يُعد من فرسان الصحابة ومن محدثي الصحابة أيضاً وفقهائهم، فمع أنه كان أميراً على واحدٍ من أكبر أقاليم الجزيرة العربية لكنه لم ينشغل عن الأمور الشرعية ورواية الأحاديث النبوية، وقد ذكر ابن حزم الأندلسي أن يعلى بن أمية روى عن النبي ﷺ ثمانيةً وعشرينَ حديثاً.[42] وقد أخرج له الإمام أحمد بن حنبل في مسندهِ أكثر من عشرين حديثاً هي الأحاديث (17948- 17970).[43]
ذكر كثير من المؤرخين نقلاً عن أبي حسان الزيادي أن يعلى بن أمية قُتِل مع علي بن أبي طالب في معركة صفين عام 37 هـ، قال ابن الأثير: «شهد يعلى الجمل مع عائشة رضي الله عنها، ثُمَّ صار من أصحاب عَليّ رضي الله عنه، وقُتِل معه بصفين.». وقد تتبع قول الزيادي هذا عدد من العلماء وأنكروه، واستبعد هذا القول أيضاً ابن حجر العسقلاني، واستدل على تأخر موته أن النسائي أخرج عن طريق عطاء أن يعلى بن أمية شهد وفاة عنبسة بن أبي سفيان وكانت وفاة عنبسة سنة سبع وأربعين، فتكون وفاة يعلى بن أمية عام 48 هـ تقريباً في خلافة معاوية بن أبي سفيان في مكة المكرمة.[55]