وقعت في عام 6 هـ أحداث صلح الحديبية بين المسلمين وكفار قريش، حين أتى المسلمونللحج في ذٰلك العام، فمنعتهم قريش، فأجرى النبي صلحا بين المسلمينوالمشركين، ومن بنود هذا الصلح: وقف الحرب بين الطرفين 10 سنوات. لهذا استغل رسول الله فرصة الصلح (الذي دام لعامين قبل أن تنقضه قريش عام 8هـ) للتفرغ ليهودخيبر (الذين كانوا يحرضون قبائل العرب الكبيرة للاجتماع على حرب المسلمين واستئصال شأفتهم)[1] والدعوة لله والتوسع في نشر الإسلام.[2]
كانت الرسائل النبوية التي أرسلها النبي محمد إلى الملوك، والأمراء، وقادة الأمم والشعوب، والقبائل والجماعات في عصره، صفحة بارزة من صفحات السيرة النبويةوالتاريخ الإسلامي، لأن تلك الرسائل تكشف وجهًا من وجوه التطبيق العملي الملموس لعالمية الدعوة الإسلامية.
وانتشر الإسلام بالسفارات النبوية انتشارًا واسعًا في تسعة أقطار هي: اليمامة، وعُمان، والبحرين، واليمن في أربع مناطق شاسعة منها، وحضرموت، وكان انتشاره محدودًا في الحبشة، لأن إسلام النجاشي لا يؤدي بالضرورة إلى إسلام شعبه كافة، حيث ذكر الله في القرآن الكريم: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٥٦﴾ (البقرة: 256).
لقد بلغ عدد السفراء النبويين خمسة عشر سفيرًا، استشهد واحد منهم فقط وهو في طريقه إلى ملك بصرى، فقتل قبل أن يبلغ رسالة النبي محمد إلى ملك بصرى. ومزقت رسالة نبوية واحدة، ولم تمزق غيرها من رسائل النبي محمد حتى من الذين لم يسلموا. ورفض اعتناق الإسلام بشدة وبالتهديد، كسرى أبرويز بن هرمز ملك الفرس، والحارث بن شمر الغساني ملك الغساسنة في الشام. وصرف بالحسنى السفير النبوي كل من هرقل قيصر الروم، والمقوقس ملك مصر، وقدم المقوقس هدية للنبي.
الحارث بن عبد كلال وإخوته وبنو الحارث بن كعب في نجران
أواخر عام 10هـ
أسلموا
قائمة ببعض من كتب الرسول
كتاب الرسول إلى هرقل
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ٦٤﴾"[3]
رسالة الرسول إلى كسرى فارس
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن باللهورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك."
واختار لحمل هذا الكتاب عبد الله بن حذافة السهمي، فلما قرئ الكتاب على كسرى مزقه، وقال: عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول الله قال: مزق الله ملكه، وكان كما قال، فقد مات كسرى بعد فترة من الزمن وتمزق ملكه.
كتاب الرسول إلى المقوقس
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين. ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ٦٤﴾"[3]
وتقول الرواية: إن المقوقس لما قرأ الكتاب سأل حامله حاطب بن أبي بلتعة: ما منع صاحبك إن كان نبيا أن يدعو على من أخرجوه من بلده فيسلط الله عليهم السوء؟ فقال حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على أولئك الذين تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم ما يستحقون؟ فقال المقوقس: أنت حكيم، جئت من عند حكيم.
أرسل الرسول كتابة إلى أهل حضرموت مع الصحابي وائل بن حُجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي أحد ملوك أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم، قدم على المدينة سنة تسع وقد بشر رسول الله بقدومه فقال: يأتيكم بقية أبناء الملوك فلما دخل وائل عليه، رحب به وأدناه من نفسه، وقرب مجلسه، وبسط له رداءه، وقال: اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده. واستعمله على الأقيال من حضرموت، وأقطعه أرضا وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان رسالة رسول الله إليه. وعاش وائل حتى أدرك خلافة معاوية.
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدرسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، ومن يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن ينصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتُكَ في قومكَ، فاتركْ للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوتُ عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح، فلن نعزلكَ عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية".